الدموع أمام ضريح عبدالناصر، كأنه مات أمس.. الأغانى الوطنية تتردد فى جنبات مصر، كأن أحداً لا يصدق أن «ناصر» مات.. يا جمال يا حبيب الملايين.. أنور أنور يا سادات.. ليه بتقول أبو خالد مات؟.. 40 عاماً على الرحيل، كأنها 40 يوماً.. قهوة هيكل تفتح باب الجدل.. الكلام يتجدد عن أزمة قلبية، أو قهوة ساداتى «محوّجة».. ومعارك طاحنة بين أبناء السادات وناصر! صخب كبير لا تفسير له، غير أن المصريين يحنون إلى عهد الملكية فى عام، ويحنون إلى الناصرية فى العام التالى.. حالة من الهروب، أو من عدم الاتزان السياسى.. ربما سيكوباتية اجتماعية.. فالمصريون يبكون أمام ضريح الزعيم، وهم يبكون على أنفسهم.. ثم ينفجرون فى ضحك هستيرى.. لا هو بكاء على «ناصر»، ولا هو بكاء على العروبة المفقودة.. إنه البكاء من الحياة أولاً! أبناء الرئيس ناصر يستشعرون فقد الأب هذا العام، أكثر من أى عام.. هيكل أخرج أربعينية عبدالناصر.. قبلها تحدث عن قهوة السادات، ثم تحدث بعد أيام عن صك البراءة.. الوثيقة تبرئ السادات من دم عبدالناصر.. عبدالحكيم وهدى ومنى يتحدثون عن وجع الرحيل.. إذاعة الأغانى تذيع طوال اليوم أغانى أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وشادية.. يا جمال يا حبيب الملايين! هناك أدوار تتصاعد.. أهمها دور حكيم عبدالناصر.. يتكلم عن قهوة السادات.. لا يستطيع أن يؤكد، ولا يستطيع أن ينفى تماماً.. ربما تكون اتهامات.. يقول إن أحداً لم يعرف أن نابليون تعرض للقتل، إلا بعد مرور 150 عاماً على وفاته.. فمن يدرى؟ العرق الصعيدى ينقح عليه.. لا أعرف إن كانت شهوة الانتقام، أم شهوة العمل بالسياسة، ليبقى اسم ناصر دائماً.. ولم لا؟! الأغانى تجدد الذكرى والآلام.. فقد صاحبت مشوار ناصر، من الثورة إلى تأميم شركة قناة السويس.. مروراً بالوحدة مع سوريا.. وبناء السد العالى، وحتى هزيمة يونيو 67، وما بعدها.. كانت الأغانى تصاحب انتصارات الثورة، أو حركة الجيش.. حتى لا يغضب أحد.. هذه الأغانى لم تنشط إلا مع نصر أكتوبر 73 .. ثم تراجعت موجة الأغانى الآن، حيث لم يعد هناك حافز، ولا مشروع قومى! فهل كان ناصر محظوظاً حين كانت بجواره أم كلثوم؟.. آمنت به وغنت له وغنت معه وأحبته.. ووقفت معه منتصراً ومهزوماً، وشجعته على الخروج من أزمته.. وقادت المجهود الحربى.. وسافرت إلى العواصم العربية، تحيى المشروع العربى، وتكرس الفكرة الناصرية.. فهل كان الرئيس مبارك فى حاجة إلى شعراء ناصر.. كما كان فى حاجة إلى مطربة فى حجم كوكب الشرق؟! هل تغيرت الظروف من عبدالناصر إلى السادات وانتهاء بمبارك.. أم أن المشروع القومى المثير للحماسة قد تلاشى، فتراجع الشعراء، وتراجع الغناء؟.. لماذا لم ينجح عصر مبارك فى إثارة قريحة الشعراء، وخلق صوت مثل أم كلثوم؟ ولماذا فشلت تجربة آمال ماهر وغيرها؟.. هل المصريون لم يعودوا يتأثرون بالغناء.. أم أن المشكلة تتمثل فى غياب المشروع القومى «الأمل»؟! الفارق بين «ناصر»، وما سبقه، وما تلاه أن «مصدر قوة عبدالناصر هو أنه يرمز إلى تحرير وتقدم الجماهير، فقد أعطى شعبه ما لم يكن يملكه من قبل، وهو «الأمل».. الأمل الذى يجب أن يكون فى حسابات الرئيس، فهو المحرك للمشاعر الوطنية، وهو المحرك للشعر وللأغانى أيضاً.. وقد يساعد على ظهور أم كلثوم جديدة.. تغنى للمفاعل النووى، كما غنت قبلها للسد العالى!