د.جمال مصطفى سعىد لن يكون في وسع أي حكومة قادمة ان تتجاهل طلبات ثورة 30 يونيو ومن قبلها شعارات 25 يناير من ضرورة تحقيق العلدالة الأجتماعية، وأزعم أن أهمها أو قل أخطرها العدالة في مجال الصحة والدواء. وكطبيب فانني اري ان منحني الخدمة الطبية لعموم الناس في مصر هو منحني في النازل ولايتناسب أبدا مع التضحيات التي قدمها المصريون في الثورة المجيدة، ولا أشك لحظة في ان القيادات الحالية في مجال الصحة قد أبخست المصريين حقهم... بل إنني أدعي أنهم أنفسهم في حاجة إلي العلاج من حالة اللامبالاه والتوهان التي يعيشونها دون وخز من ضمير أو فيض من رحمة لمواطنين إمتحنهم الله في صحتهم وهي أغلي حتي من أكلهم وشربهم. وبعد ذلك نتعجب ونرفع حواجبتا الي أعلي إذا حرق أحدهم علم مصر في ميدان التحرير وهي جريمة نكراء ولكن ها هي الطبيعة البشرية تظهر في أحط مافيها عتدما يشعر المواطن بأن لاوطن يرعاه ولا مسئول يلتفت اليه بل ومشغول عنه بقضية فكاهية لاتهمة وهي هل قيمة الحد الأقصي للأجور هو 42 الف جنيه مرتب فقط ام دخل اجمالي ؟ وهذه قضية أصابت 90٪ من المصريين بالإحباط حيث ممتلكاتهم في هذه الدنيا النكد لاتصل الي هذا الرقم مقوما بالقرش لا بالجنيه.. والحل لمشكلة العلاج والصحة تكمن في ثلاثة بنود لا رابع لها : زيادة ميزانية الصحة في مصر الثورة وإلغاء العلاج علي نفقة الدولة إلغاء تاما وباتا ثم تطبيق مشروع التأمين الصحي الأجتماعي المؤسس علي التكافل بين الدولة والأغنياء والفقراء علي حد سواء. وأتذكر ان الرئيس الأسبق في خطاب له في مؤتمر عام أعلن أنه سيتقدم للبرلمان بمشروع قانون لنظام متطور للتأمين الصحي " يضمن حق كل مواطن في الرعاية الصحية بحسب حاجته وليس قدرته علي تحمل تكلفتها". وفي واقع الأمر كان التقدم بمثل هذا المشروع لأقراره سيمثل قفزة ليست هينة الي الأمام نلحق بها الدول التي سبقتنا في مجال التنمية البشرية ....ولكن للأسف كان ذلك كلاما في الهواء ، اما الرئيس الذي تلاه فلم يهتم أصلا بهذا المشروع لا من قريب ولامن بعيد ولاحول ولا قوة الا بالله...! ولأننا سئمنا البدء دائما من نقطة الصفر كلما شرعنا في مناقشة مشروع ما، ولأننا نري ضرورة البدء من حيث إنتهي الأخرون فمن المفيد الأطلاع علي السجال الرائع الذي جري منذ سنوات قليلة علي الساحة الداخلية الأمريكية بشأن مشروع الرئيس أوباما للرعاية الصحية وهو أكبر مشروع في التاريخ لهذا الغرض (خصص له تريليون ومائتي مليون دولار في عشر سنوات) ونأخذ منه مايناسبنا ويفيدنا، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فأنني كمتخصص أقر بأن المقدمة التي تلاها الرئيس أوباما عند أشارته لهذا المشروع قد أعحبتني جدا حيث أعتبر نفسه " أنه ليس أول رئيس" يتناول هذه القضية ولكنه مصمم علي أن يكون "الأخير" وأضاف في خطاب آخر بعد عدة اشهر أنه يعلم أن تكاليف الرّعاية الصحية المتصاعدة ترهق الأسر والمؤسسات التجارية علي حد سواء، وأن المجتمع الأمريكي الغني!.. وهذه كلمة من عندي - في حاجة الي "تخفيض الازدواجية والإسراف" اللذيْن يكلفان الرعاية الصحية بلايين الدولارات، وتقليل الأخطاء الطبية التي تؤدي إلي فقدان آلاف الأروح كل سنة، وإن الناس سيعانون ويموتون قبل وقتهم إذا لم يتم إصلاح نظام الرعاية الصحية".. ولأن جوهر الإصلاح الذي إقترحه أوباما في مجال نظام الأمن الصحي هو تعزيز مفهوم العدالة الاجتماعية أكثر فأكثر، فإن المشروع الجديد يهدف الي وضع دعائم نظام تأمين صحي متيسر يقدم رعاية صحية ذات جودة عالية. ومن المفيد هنا الأشارة الي أن نظام الرعية الطبية الأمريكي يحتوي علي برنامجين مستقلين للرعاية الطبية للمسنين يعرف بالميديكير و وآخر للفقراء ويعرف بالميديكيد . . وللأسف لا يوجد حتي الآن في مصر إجماع وطني حول السبيل الأمثل لتوفير الرعاية الصحية يستطيع أن يغطي بمظلته أغلبية الشعب ، والأختلاف ينصب أساسا حول حجم الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الدولة في هذا المجال خصوصا أن هناك التزاما حكوميا تاريخيا بأهلية الدولة في المحافظة علي الصحة والعافية بنظام من شأنه أن يجنّب ملايين المواطنين زيارة عيادات كبار الأطباء ودفع مبالغ نقدية كبيرة في مقابل ذلك بسبب أمراض بسيطة يمكن التعامل معها بتكاليف رمزية .. وبدارسة موضوعية لمجمل النقاشات التي دارت حول مشروع اوباما الذي تزامن مع المشروع المصري (الوهمي) فقد أجد نفسي مضطرا إلي التقدم ببعض الأفكار ، لعل المسئولين و المتناقشين وشباب الثورة يروا في مجملها ما قد يساعدهم علي سرعة أقرار المشروع الذي أقترحه وقد الجأ في ذلك ليس إلي رئيس الحكومة المرهق او الي وزيرة الصحة الغائبة...! ولكن إلي الفريق أول السيسي نفسه لأنه أعتبرنا نور عينيه ونحن نصدقه فيما يقول بلانقاش ..وأيضا " علشان نحيب من الآخر..!". أول هذه الأفكار أننا لايجب أن نعتقد أن الطريقة المثلي لإصلاح نظام الرعاية الصحية في مصر هو أن نقوم فجأة بإلغاء النظام الحالي الذي إعتاد عليه الجميع إلغائه كاملا. ... ولكن بدلا من ذلك يجب علينا أن نبني عليه ونقوم بسد بعض الثغرات التي تعتريه. ثانيا أن خيار تنافس الحكومة والقطاع العام مع القطاع الخاص هو أفضل طريقة يحتاجها سوق العلاج والمواطن معا، وليكن دور الحكومة مقتصرا علي الأفراد الذين يعملون عملا حرا ، والأفراد غير المؤمن عليهم في نقابات أو جمعيات فئوية وكذا الفلاحين وتلاميذ المدارس والجامعات والعاملين في الشركات الصغيرة غير القادرة علي الإشتراك في نظم التأمين الخاص .وثالثا أنه يجب الحذر بشأن أحتمال سيطرة بيروقراطية الحكومة وإداراتها لمجال الصحة العامة خصوصا عند التعامل مع كيانات طبية متميزة، وهذا خطأ وقع بالفعل في بعض المستشفيات كالقصر العيني الفرنساوي وعين شمس التخصصي حيث أن لها أهداف المؤسسات الخاصة من ناحية تقديم طبية متميزة في مقابل ربح مالي لابأس به لكن يعيبها بلاشك أنها تعمل بأدارة حكومية بكل ما فيها من روتين وقيود، أما رابعا فأن مقدمي الخدمة الطبية طبقا للمشروع الذي أقترحه قد لايتمتعون بالكفاءة اللازمة خصوصا في المحافظات النائية او في المناطق الريفية ويمكن أن يتسببوا بأضرار بشرية لا تعوض ذ تحت حماية نظام رسمي- ما لم تكن هناك مراقبة مجتمعية أو مسائلة حكومية مقننة. أما خامسا فتتعلق بأن يكون أستخدام التقنية الحديثة جزءا لايتجزأ من الخدمة الطبية المقدمة في القانون الجديد لأنها هي أساس التقدم في العلاج وأساس الابتكار الذي يزيد من كفاءتة. أما الفكرة السادسة والأخيرة فتتعلق بأن يحتوي القانون الجديد علي آلية للمساءلة الجادة عند التقصير او الإهمال تقوم بها جهة مستقلة ومنفصلة عن مقدم الخدمة ولتكن مثلا تابعة مباشرة لمجلس الوزراء أو حتي رئاسة الجمهورية، حماية للمرضي وهم الزبائن مستهلكي الخدمة والذين ستشكل التكلفة العالية التي قد يساهمون بها في العلاج عامل ضغط نفسي عليهم.. وبعد .. فإن المشروع الذي أقترحه - وأدعو لمنازلني فيه - سيتسبب حتما في زيادة كبيرة في تكاليف الرعاية الصحية، مما يؤدي إلي بعض التعقيد في ميزانية الدولة سينتج عنه بعض المعوقات الاقتصادية علي المدي البعيد لتوفير الأموال اللازمة له والتي من المتوقع أن تكفلها الحكومة وبالتالي فإن وزارة المالية سيكون لها رأي أكيد عند مناقشة هذا المشروع في البرلمان القادم.