إنها الأقدار.. تكتب ميلودراما الواقع، وتمنحنا مشاهد يعجز أشهر المخرجين وأقدر الكتاب أن يأتوا بمثلها. رؤساء وقضبان.. من كرسي مصر إلي زنزانة القهر! لا أدري لماذا يجذبني مشهد الرئيس و هو مقتاد إلي مكان محاكمته . أجد نفسي غارقة في تأمل ملامح وجهه. تصرفاته التي تعكس مشاعره، شخصيته، طريقته في التعامل مع الصدمة أو المحنة القاسية التي لم يتوقع يوما أن يعيشها. فعلت ذلك يوم دخل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قفص الاتهام يوم 3 أغسطس 2011. كان يوما تاريخيا بكل المقاييس. كنا جميعا يومها في حالة أشبه بالذهول. لم يكن المشهد مألوفا مثلما هو الآن. كان حدثا جللا أن نري رئيسنا الذي حكم مصر لمدة ثلاثين عاما وراء القضبان في قفص الاتهام. كنا طوال تلك الفترة نعيش معه علاقة المرءوسين برئيسهم، بكل ما يتخلل تلك العلاقة من تطورات و تقلبات.. حب وكره.. رضا وغضب.. أحببناه أحيانا.. احترمنا بطولته وقيادته للضربة الجوية في حرب أكتوبر العظيمة، وسادت مشاعر فاترة بيننا وبينه عندما طالت مدة الحكم لكننا مع كل ذلك كنا نحترمه ونأمل في تغيير المسار، وإدخال دماء جديدة تنشط حركة التنمية، وتبدل شرايين الوطن التي تصلبت بشرايين شابة وأفكار خلاقة غير تقليدية تستطيع أن تدفع عجلة التطور التي صدأت وكادت أن تتوقف. كنا نأمل أن يفعلها ويسلم البلد إلي رئيس منتخب وعندها يحمله الشعب علي الأعناق كبطل دافع عن كرامة مصر ثم كرئيس حافظ عليها وحقق الكثير من الإنجازات في سنوات حكمه العشرين الأولي من 1981إلي 2001. لكنه - بكل أسف - لم يفعلها. أغرته السلطة بسحرها لكي يتشبث بالمنصب الرفيع، وساهم الضغط الأسري عليه لتوريث ابنه جمال في إحكام حلقات الفخ الذي حاصره. وتسبب كل هذا في ذلك المصير البائس لقائد عسكري ورئيس سابق كان مرشحا لأن تكون مسيرته أنصع، ومشواره أفضل. مرت كل الأحداث أمام عيني وأنا أركز بكل حواسي في المشهد الغريب -آنذاك - مبارك في القفص! هل ما أراه حقيقة أم خيال؟ وعندما نادي القاضي أحمد رفعت: المتهم محمد حسني مبارك . وجاء الرد فورا من خلف القضبان: موجود يا أفندم. لم أستوعب ما كنت أراه وقتها، كان شيئا جديدا تماما علينا.. غريبا، يفوق كل التوقعات! مرسي في القفص الإثنين: مسكين والله يا مرسي يا عياط ! هذا ما شعرت به وأنا أفعل الشئ نفسه الذي فعلته قبل سنة وثلاثة أشهر وأنا أتابع محاكمة القرن في أغسطس 2011. جلست للمرة الثانية أتابع المشهد الإنساني الفريد، المليء بالمفارقات الإنسانية المذهلة، الدكتور مرسي العياط يصل إلي مقر محاكمته. تصرفاته التي ظهرت في الدقائق القليلة التي سمح بإذاعتها توحي بأن الرجل يعيش في أوهام وخيالات. يذهب إلي المحكمة ببدلة كاملة، يحرص علي ربط زرار البدلة عند نزوله من الميكروباص عندما وصل إلي قاعة المحكمة المقامة بأكاديمية الشرطة وكأنه يتوجه لإلقاء أحد خطبه للجماهير العريضة! يصر علي ألا يجيب القاضي عن أسئلته ويقول له كيف أجيب اسئلتك وأنا رئيسك؟ يرفض دفاع الدكتور محمد سليم العوا الذي تطوع للدفاع عنه، لإصراره أنه ليست هناك محاكمة أصلا، وأنه الرئيس الشرعي للبلاد وبالتالي فليس هناك دفاع ولا خلافه! الرجل يعيش حالة إنكار كامل للواقع ويصدق أوهامه وخيالاته! المشكلة أنني تعاطفت معه رغم أنني من أشد المعارضين لحكمه المهترئ. فالرجل في رأيي ضحية الإخوان. فأولا هم الذين أتوا به إلي هذا المنصب الذي يفوق قدراته وكفاءته بكثير . ثانيا هم الذين أرغموه علي السير علي هواهم والالتزام بأوامرهم وتعليماتهم. ثالثا هم الذين تآمروا وأشعلوا نار الفتنة داخل مصر بعد ثورة 30 يونيو وفجروا موجات متعاقبة من العنف في البلاد. أما في الخارج فقد لعبوا لعبتهم الخسيسة وقاموا بالاستعانة بالميديا العالمية لتشويه صورة مصر وقلب الحقائق لصالحهم دون أي اعتبار لمصالح الوطن الاقتصادية والسياسية. هو رجل غلبان في رأيي وضعوه في مكان أكبر منه بكثير، وأقنعوه بأنهم سيدمرون مصر.. سيحرقونها لو تجرأ أحد علي المساس بهم أو معارضة حكمهم واستبدادهم. إنها الأقدار.. تكتب ميلودراما الواقع. وتمنحنا مشاهد يعجز أشهر المخرجين وأقدر الكتاب أن يأتوا بمثلها. رؤساء وقضبان.. من كرسي مصر إلي زنزانة القهر. القهر النفسي والمعنوي الذي يفوق عذابه كل شيء. أتمني أن يكون مشهد الإثنين الماضي 4 نوفمبر هو آخر المشاهد الميلودرامية في تاريخ مصر. وأن يتأمل رئيس مصر القادم هاتين المحاكمتين جيدا قبل أن يبدأ فترة حكمه. إنني أؤمن بأن السلطة مثل الشمس الساطعة من الجميل أن تقترب منها لكن الأجمل هو أن تحذرها وتقي نفسك من الاحتراق بأشعتها المبهرة! مراعاة الضمير وعدم الإنفصال عن الشعب هما قارب النجاة في بحر السلطة ذي الأمواج العالية والرياح الثائرة. رسالة إلي الرئيس الثلاثاء: أثناء زيارتي الأخيرة لسجن القناطر للنساء.. تلك الزيارة التي أقوم بها كل شهر لمتابعة قضيتي الإنسانية التي أتبناها منذ سنوات بعيدة وهي قضية أطفال الزنازين الذين يولدون داخل السجن لأم مسجونة،وكذلك قضية "سجينات الفقر" التي استطعت بفضل الله أن أكشفها وأسلط الضوء عليها عام 2007 وعندها تحرك المجتمع معنا بحماس للإفراج عنهن بعد دفع مديونياتهن البسيطة. لن أخوض اليوم في هذه القضية لأنني مستمرة في إنجاز المزيد من الخطوات في طريق الحلول الجذرية لتلك القضية. لكنني أنقل هنا رسالة حملتني مجموعة من السجينات أمانة توصيلها إلي السيد عدلي منصور رئيس الجمهورية .هؤلاء السجينات قضين سنوات طويلة جدا في السجن حيث كانت عقوبتهن هي السجن المؤبد او المؤبد لمدة 15 سنة. دخلت الكثير منهن السجن قبل 20 أو 23 أو 25 سنة. كانت يوم دخولها شابة صغيرة وصورتها علي أوراق الدخول تقول ذلك. الآن أصبحت كبيرة.. مريضة.. لا تقوي علي تحمل حياة السجن الصعبة بعيدا عن أولادها الذين من المفترض أن يرعوها في مثل هذه السن وذاك الوهن! هؤلاء سيادة الرئيس عدلي منصور يلتمسن منك قرارا بالعفو بعد نصف المدة أو إذا كانت قد قضت 15 سنة في السجن. أو اللاتي قضين نصف مجموع عدد السنوات المحكوم بها عليهن في قضايا مختلفة. وذلك حسب القرار الجمهوري الذي أصدرته ونشر بالجرائد اليومية يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013. هؤلاء السيدات في غاية البؤس، والضعف ولم تعد هناك خطورة من وجودهن خارج السجن. كما أنهن أصبحن مجرد حطام لا حول له ولا قوة. وقد أصدرت سيادتكم هذا القرار منذ أكثر من شهر الآن فلماذا لا يطبق؟ سيدي الرئيس.. أتمني أن تعيد البسمة إلي هؤلاء السيدات البائسات. هن يعترفن بأنهن أخطأن وارتكبن غلطة واحدة، وعوقبن ودفعن سنوات طويلة جدا من حياتهن ثمنا لها. فهل نرحمهن في كبرهن وضعفهن ويتم تنفيذ القرار الرحيم الذي سبق أن أصدرته لكن يبدو أن البيروقراطية تعرقله؟ أتمني. الأهلي وأورلاندو السبت: شاهدت مباراة الأهلي وفريق أورلاندو بايرتس الجنوب إفريقي يوم السبت الماضي 2 نوفمبر في نهائي بطولة الأندية أبطال الدوري الإفريقي. والحقيقة بهرني الأداء الرائع لفريقنا وقلت: الله. رجعت ليالي زمان. ومضت الدقائق والترقب يسيطر علينا جميعا لنتيجة المباراة. وحشتنا الفرحة بانتصار فريقنا المصري، وحشتنا البطولات الكروية التي تبهج المصريين، وكان كل شيء ينبئ بنهاية رائعة بعد الجول العبقري للنجم محمد أبو تريكة. وانتهت المباراة أو كادت. لأن الوقت بدل الضائع كان لا يزال حاضرا يقاوم الهزيمة. وبدأ الفريق المصري يسترخي في اللحظات الأخيرة لأنه وثق في الفوز تماماً، وعلي أعتاب 90 دقيقة أخري سهلة علي أرضه والفوز بالكأس علي أرضه للمرة الثامنة، هكذا كان يفكر لاعبو الأهلي، لكن فجأة يأتي هدف التعادل الذي كنت أخشاه.. لماذا؟ لأن اللاعب المصري لا يستطيع الحفاظ علي تركيزه في هدفه واللعب حتي صافرة الحكم الأخيرة والتي هي الإعلان الوحيد عن نهاية المباراة. النتيجة جيدة لاشك في هذا، ولكن لماذا لا نطمح للعلامة الكاملة، وهذا الهدف الذي أعطاهم التعادل، جاء بمثابة قبلة الحياة للفريق الإفريقي، وأضاع جمال أداء لاعبي الأهلي وكفاحهم في لحظة واحدة.. لحظة تصنع الفارق دائما بين النجاح المبهر والنجاح العادي، وهو عيب لا أراه في الفرق الأوروبية التي تلعب بجد واجتهاد ومثابرة حتي الثانية الأخيرة حتي لو كانت فائزة بدستة أهداف ! أراها طامحة للمزيد من دون تراخ أو تعالٍ.. في النهاية أقول إن شاء الله الفوز للأهلي ولمصر.. نفسنا نفرح! ساعات.. ساعات الأحد: ساعة بيج بن.. ساعة جامعة القاهرة.. ساعة تايم سكوير.. ساعات لها تاريخ، تحمل بين عقاربها أشياء منه . تضرب دقاتها جدران الذاكرة . ساعات تتصدر دائما المشهد، تنتصب بشموخ فتجسد ملامح المكان والزمان وحكايات البشر. تتحول دقات الساعة إلي نبضات في قلوب ساكني الأحياء ومرتاديها. "ساعات.. ساعات.. بأحب عمري وأعشق الحاجات "أغنية لصباح . "يا ساعة بالوقت إجري خلي الحبيب ييجي بدري "غنتها الرائعة نور الهدي من ألحان فريد الأطرش. ما حكاية الساعة أو الساعات التي انشغل بها خيال الفنانين قديما وحديثا وظلت دائما مصدرا للوحي والإلهام؟ لاح في ذهني هذا السؤال وأنا أطالع جريدة النيويورك تايمز الأمريكية. استوقفني حوار أجرته الجريدة مع فنان تشكيلي أقام معرضا كاملا للوحاته تحت عنوان clocks in the city أي ساعات في المدينة. جذبني العنوان فقرأت الموضوع الذي فاجأتني فكرته. قال الفنان في حواره مع الصحيفة: الساعات تمثل رموزا لمعان مهمة في حياتنا ومنها احترام الوقت والتعامل معه كثروة لابد ألا نهدرها، كذلك كان لابد أن أبحث عن فكرة جديدة غير مستهلكة لمعرض أقدمه للجمهور في نيويورك فإذا بتلك الفكرة تقفز إلي ذهني. ساعات مدينة نيويورك. بعدها بدأت مرحلة البحث والمسح الدقيق والشامل لكل ساعة موجودة في كل شارع من شوارع نيويورك. ورسمت اسكتشات كثيرة لها. استغرقت تلك المرحلة سنة كاملة من 2008 إلي 2009 بعدها بدأت أضع خطة مشروعي. اخترت 21 ساعة من ساعات مدينة نيويورك لأجسدها في لوحات فنية، وكان دائما المنظور المعماري هو أسلوبي في التصوير لأنني تأثرت بدراستي للعمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة. وفي نوفمبر 2009 عرضت لوحاته بالمركز الثقافي بمانهاتن ولاقت تقديرا وإعجابا من الجمهور. بقي أن نعرف اسم الفنان التشكيلي صاحب الفكرة اللافتة. إنه أمير وهيب، مصري الجنسية، تخرج في كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان عام 1993. أجمل الكلام: من أحلك لحظة في سواد الليل، تظهر نقطة ضوء ويولد الفجر.