منذ أن بدأت عملي كمراسل حربي لجريدة الأخبار عام تسعة وستين من القرن الماضي لزمت الجبهة من بورسعيد شمالا الي حلايب وشلاتين جنوبا، تركز معظم عملي في جبهة القناة حيث ذروة المواجهة بين قواتنا المسلحة وجيش الاحتلال الاسرائيلي التي بلغت حدودها القصوي اعتبارا من مارس عام سبعين، وحتي اغسطس من نفس العام، وكانت بؤرة المواجهة ذلك القتال الشرس بين سلاح الجو الاسرائيلي المتفوق كما وكيفا، المدعوم بلاشروط من الولاياتالمتحدة، وبين الدفاع الجوي المصري. خاصة الفرقة الثامنة التي كانت مكلفة بالدفاع عن جبهة القناة حتي شمال الاسماعيلية- كانت منطقة بورسعيد تحت حماية تشكيل مستقل- تحت قيادة واحد من اعظم ابناء هذا الوطن، لا يعرفه الا من عمل معه واقترب منه، لم يقدر لاسمه أن يعرف رغم خطورة الدور الذي قام به، وللأسف مثله كثيرون، أعني اللواء احمد سلامة غنيم، قائد الفرقة الثامنة دفاع جوي، التي عبرت قواتنا المسلحة تحت حماية صواريخها ومدافعها المضادة للطائرات، ولكن تحت قيادة قائد آخر كان رئيسا لأركانها في حرب الاستنزاف. إنه الفريق محمد سعيد علي وقد دون مذكراته، آملا صدورها قريبا، من الأمور التي اقتضتني ذلك التعتيم الذي ضربته القوات المسلحة حول كفاحها المعمد بالدم والتضحيات الجسيمة خلال حرب الاستنزاف واكتوبر الذي ألحق الضرر بصورتها في نظر اجيال جديدة ولدت في ظروف مغايرة، من هنا تأتي اهمية الكتاب الذي دونه اللواء طيار محمد زكي عكاشة وصدر عن دار العين مؤخرا. فهو شهادة مقاتل عاش التجربة من خلال خدمته الطويلة في القوات المسلحة وموقعه الاستثنائي كطيار مقاتلات »علي الميج 21«، كنت معايشا لحرب الاستنزاف حتي انني لأذكر وقائعها ليس يوما بيوم، انما ساعة بساعة، وما عرفته مباشرة كثير، ولأنني مع زميلي المصور مكرم الجاد الكريم كنا دائمي الحضور في الخطوط الامامية، فقد ترسخت الصلة بيننا وبين قادة التشكيلات المقاتلة والاهالي في القطاع المدني بالسويس او الاسماعيلية وبورسعيد، ويكفي أن اضرب مثالا واحدا، فقد كنا الصحفيين الوحيدين اللذين اتيح لهما دخول غرفة عمليات الفرقة الثامنة دفاع جوي، وكان مدخلها في وسط زراعات حقل بريف الاسماعيلية، لذلك تعاهدنا -مكرم وشخصي- علي ألا يقع احدنا حيا في الاسر، وكان كل منا يحمل سلاحا شخصيا للدفاع كما تقضي قوانين الحرب بالنسبة للصحفيين، لكننا تعاهدنا الا نتيح للعدو امكانية اسرنا لكثافة ما كنا نعرفه عبر سنوات من المعايشة الصادقة وبالتحديد زمن حرب الاستنزاف التي بدونها ما كان ممكنا نجاح عبور القناة في اكتوبر 1973. كانت تجربة عميقة علي كل المستويات ولم اتخيل انني سأعيش الي يوم افاجأ فيه بمن ينتقد حرب الاستنزاف كلها والدافع هو العداء للرئيس جمال عبدالناصر، واسباب اخري شرحتها في جريدة الأخبار عندما تصديت للكتاب الذي حوي هذه التحليلات كتبه استاذ جامعي.. انتقل الي رحمة الله- وأثار النقاش ضجة كبيرة وشارك فيه عدد من الصحفيين وكانت المفاجأة ظهور مقال في جريدة الاهرام بقلم اللواء طيار متقاعد محمد زكي عكاشة، كان المقال اول موقف معلن، مؤازر لوجهة نظري من جانب أحد الضباط الذين خاضوا الحرب، كانت تلك البداية واستمر الرجل في مواقفه الوطنية خاصة ضد الارهاب، الكتاب يقدم حرب الاستنزاف واكتوبر للاجيال التي لم تعشها. »حديث النسور« 400 صفحة.