التشكيك في أهداف حرب الاستنزاف يرقي إلي مستوي الخيانة، هذا ما أكده المشير محمد حسين طنطاوي الأسبوع الماضي. وهو شاهد باعتباره مقاتلا في صفوف المظلات وقتئذ وأنا شاهد من خلال موقعي كصحفي ومراسل لجريدة الأخبار. وكنت مقيما باستمرار في الجبهة، متنقلا من بورسعيد شمالا إلي مرسي علم جنوبا، وكنت قريبا من رجال الصاعقة، والفدائيين الذين قاموا بأعمال عسكرية استثنائية سواء عسكريين او مدنيين، كذلك قوات الدفاع الجوي التي كانت أهم عناصر حرب الاستنزاف، خاصة الفرقة الثامنة التي قادها اللواء احمد سلامة غنيم -رحمه الله - وهو بطل اسطوري بكل المقاييس قاد الفرقة المكلفة بالدفاع عن جبهة القناة التي جرت خلالها مواجهات عنيفة، إلي أن بدأت دفع كمائن الصواريخ في يونيو 0791 إلي جنوبالاسماعيلية بإشراف مباشر من الرئيس جمال عبدالناصر وبدأ اسقاط طائرات اسرائيل المتقدمة من طراز فانتوم وسكاي هوك والميراج، وقدر لي أن اكون شاهدا مع زميلي مكرم جاد الكريم المصور، وانفردت الأخبار بتفاصيل اسقاط هذه الطائرات، تاريخ حرب الاستنزاف لم يكتب بعد، وهي المرحلة الأولي من حرب أكتوبر، وتعتبرها إسرائيل حربا قائمة بذاتها ضمن الحروب الاربع التي خاضتها منذ عام 8491، لكن جري في مصر أمر غريب، لقد بدأ عقب حرب اكتوبر ظهور كتابات لاساتذة جامعيين وصحفيين مقربين من الرئيس السادات يتهمون فيها عبدالناصر بدفع مصر إلي حرب الاستنزاف والتسبب في خسارتها ملايين الجنيهات والمعدات. كان السادات يكره عبدالناصر ويكن له حقداً، ولذلك بدأت عملية التشويه الاعلامية والاكاديمية ولم يكن الامر سهلا، وطال الامر حرب الاستنزاف، في يوميات الاخبار وخلال رئاسة تحرير الصحفي النزيه، النبيل سعيد سنبل بدأت اطول حملة صحفية خضتها دفاعا عن حرب الاستنزاف وتوضيحا لحقائقها وشارك الكاتب والصحفي الكبير وجيه ابو ذكري في مراحلها الاخيرة، وذهبنا إلي المحكمة معا وجاء ثلاثة وزراء تولوا قيادة الجيش وكان بعضهم مختلفا مع الآخر، واكثر من ثلاثين لواء حاربوا خلال الاستنزاف وأكتوبر، شهدوا معنا، ومع الضمير والوطن، والان يحق لنا أن نهدأ وأن تهدأ ارواح الراحلين الذين شاركوا في هذه المعركة، بعد كلمة المشير الاخيرة، التشكيك في حرب الاستنزاف خيانة، لقد كانت من أمجد حروب هذا الوطن، خاضها الجيش والشعب معا في علاقة فريدة ناصعة اتمني استمرارها وألا ينالها ما يعكرها خاصة في أيامنا المضطربة هذه. جمال الغيطاني