اوردنا في المقال السباق حالة مصنع الحديد والصلب المملوك بالكامل للدولة باعتباره نقطة التوازن في صناعة الحديد والصلب، وينحصر مقالنا اليوم عن احدي اولويات البنية الاساسية الصناعية التي تحتاجها الصناعة المصرية لتتمكن من النهوض الا وهي »الترسانات البحرية وبناء السفن«. انه امر يدعو للعجب للمتأمل في سؤال كيف كنا واين اصبحنا من منظومة بناء وصيانة السفن وايضا كيف تآكل الاسطول التجاري المصري الذي كان محط فخرنا في الستينيات والسبعينيات وما آل اليه بعد ذلك من تصفية للشركة العربية للملاحة البحرية وانفراط عقد طموحات الدولة في مجال النقل البحري علي بواخر مملوكة لها فكل من يتعامل في النقل البحري واقتصادياته يعلم ان البواخر مهما عظم شأنها وارتفعت جودتها فإن العمر الافتراضي للباخرة يكون في المتوسط خمسة عشر عاما يمكن لها ان تزيد من خمس الي سبع سنوات طبقا لمستوي الصيانة الدورية والعمرات الفنية التي تصاحب دورة حياتها العملية. لذا فإن ملاك البواخر يتحتم عليهم ان يدخلوا تكلفة استهلاك الباخرة ضمن حساباتهم في كلفة النقل بحيث تستطيع ان تمول شراء الباخرة البديلة قبل انقضاء دورة حياة الباخرة. هذا باختصار يا سادة الموقف الدرامي الذي نحن فيه الان، وانصافا للحق فقد اشير الي ان هزيمة 1967 واقتصار توجه الدولة نحو بناء القوات المسلحة سحب جانبا كبيرا من قدرة الدولة علي توفير آلية الاحلال والتجديد، الا ان هذا الامر لا يعفي شركات الملاحة من تهمة التقصير في بناء السفن البديلة في التوقيت المناسب اعتمادا علي التمويل الذاتي وجانب من القروض. اما علي صعيد الترسانات البحرية وامكانية بناء السفن الذاتية التي تملكها مصر وذلك حتي حمولة 30 الف طن فلا يوجد اي مبرر لتراجعها لتصل الي ما نحن فيه الان من تلاشي هذه الامكانات واقتصارها علي ما هو دون ذلك من امكانية فنية غير مستغلة حتي علي مستواها المتواضع من حيث احجام السفن الناقلة للبضائع. واخشي ما اخشاه ان تنقرض الخبرات البشرية والمهارات المصاحبة لها بفعل تقدم العمر وعدم الحرص علي توفير أجيال جديدة تتابع تلك الصناعة وتعمل علي استمرار المسيرة. فإذا نظرنا الي الامكانات المتاحة حاليا مع تواضعها الا اننا نجد ان بإمكانها توفير العديد من العائمات الصغيرة والمتوسطة ذات العائد الاقتصادي الجيد الكفيل بإعادة الارتقاء التدريجي للقدرات الفنية للترسانات البحرية القائمة. فما أحوجنا اليوم الي تنشيط النقل النهري بتوفير عائمات صغيرة من صنادل وبواخر نيلية لنقل البضائع تحل محل النقل الشراعي بما عليه من بطء في عمليات النقل وتدني في حمولته دون ان ننسي الاحتياج الدائم والمستمر لتعميم تجربة الاتوبيس النهري الناجحة علي طول المدن المطلة علي نهر النيل بعد نجاح التجربة في القاهرة واذا انتقلنا بطموحاتنا علي نفس المستوي المتواضع فإن سفن صيد الاسماك سواء المطلوبة لبحيرة السد وكذا علي شواطئنا المطلة علي البحر الابيض والبحر الاحمر وهي شواطئ تأتي في المرتبة الثانية بعد شواطئ النرويج وهي الاطول في اوروبا فان من شأن هذا ان تستفيد مصر من ميزة كبري حبانا بها الله ما زالت غير مستغلة وهي شواطئ الصيد التي نملكها. والامر ليس بخاف ان تدخل الدولة بوضع خطط مناسبة للاستفادة من امكانات تلك الترسانات وتوفير تلك العائمات من اساطيل للصيد وللنقل النهري والبحري وذلك باتاحة تلك العائمات بنظام الايجار التمويلي من شأنه ان ينعش الجانب الاقتصادي لتلك الانشطة ويعود بالخير الوفير علي صناعة بناء السفن التي آن لها ان تنجح وتزدهر وتستعيد امجاد كنا نتغني بها ونستطيع ان نتخطاها بامكانات العصر الحديث واستخدام المتاح في الاسواق العالمية من معدات ملاحية ووسائل لاكتشاف التجمعات السمكية تحت الماء وتجنب الحوادث الملاحية. واذا كان دور الدولة علي جانبه الايجابي يبدأ ويستمر عند الجانب التنظيمي والتشريعي لكل مهنة ونشاط، فها هي الدولة وجها لوجه امام مسئوليتها في توفير النظم واللوائح الحاكمة لازدهار تلك الانشطة وتوفير الالية التمويلية لهذا النشاط وتشجيع الجمعيات التعاونية التي تضم الصيادين واصحاب المهن وتعمل علي الالتزام بمواثيق الشرف الحاكمة لهذه المهنة وكذا التوجيه لانشاء معهد تدريب حديث يؤهل العاملين في هذا المجال علي تلك المهن سواء الملاحي منها او الفني مثل الصيد والتحميل والتعتيق وايضا النقل والتداول الآمن للاسماك بإنشاء مراكز للتبريد والتجميد وما قد يتعدي ذلك من مراكز لتصنيع الاسماك وتسويقها مغلفة جاهزة للتوزيع ناهيك عن اثر ذلك من جذب للايدي العاملة وخلق فرص عمل ذات عائد مرتفع يقف سدا في مواجهة الفقر وتدني مستوي دخل الاسرة وتوفير الغذاء البروتيني في متناول الجميع وهو مطلب قومي لا يدانيه مطلب آخر. كاتب المقال : رئيس اتحاد منظمات الاعمال المصرية الاوروبية. www.naderriad.com