محررو »الأخبار« مع أحمد شعبان بائع اكسسوارات المحمول كانوا هناك مرابطين في الميادين.. حلمهم واحد.. هدفهم واحد.. شعارهم واحد.. عيش حرية عدالة اجتماعية.. رفضوا الظلم والاستبداد والوساطة والرشوة والمحسوبية.. استنكروا واستهجنوا غياب الرؤي التنموية والافكار الاقتصادية التي تحقق اهدافهم وتقضي علي بطالتهم وتقودهم الي مستقبل افضل وغد مشرق.. ولكن يبدو انهم كانوا يحرثون في البحر!! فرغم سقوط نظام عفن أهدر طاقاتهم وضحك عليهم بحملاته الاعلانية الكاذبة تحت عنوان "اركب القطر قبل ما يفوتك" وأغرقهم في غيابات المخدرات ومتاهات الجنس ولهفة المباريات الكروية ليعزلهم عن الواقع.. رغم سقوط هذا النظام المستبد الا ان واقعهم لم يتغير كثيرا.. فمازالوا مرابطين ولكن علي الارصفة والطرقات.. يفترشونها من اجل لقمة العيش التي تأتي بالذل والهوان رغم انهم حاملون الشهادات العليا والمؤهلات العلمية التي تسمح لهم بالعمل في ارقي المناصب.. مازالوا مرابطين امام وزارة التعليم العالي بحثا عن جامعة او مركز بحثي لتنفيذ افكارهم واختراعاتهم بعد ان حملوا رسائل الماجستير والدكتوراه.. مازالوا مرابطين في الميادين تسيل دماؤهم وتخنقهم القنابل المسيلة للدموع.. تجدهم ايضا مرابطين في سيناء يأبون تركها في ايدي جماعات ارهابية حالمين بتعميرها وتحقيق التنمية الشاملة بها. ..انهم شباب مصر.. القوة الضاربة لأم الدنيا ووقودها في وقت المحن والازمات.. لكن حكوماتها لا تدرك ذلك.. تتعامل معهم كأنهم ينتمون الي دول معادية.. لا توفر لهم سبل الحياة الكريمة.. تجعلهم يموتون غرقا في البحار والمحيطات عبر الهجرة الشرعية وقد يموتون تحت اسفل عجلات قطار طائش.. شباب قالت عنه منظمة اليونسيف الدولية ان نسبة البطالة ارتفعت فيه الي 78٪.. وان معدلات الاحباط واليأس تجتاحه نظرا لأوضاعه المتردية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية.. "الأخبار" تفتح ملف اوجاع شباب مصر وتنقل أنينهم الي المسئولين بعد اكثر من عامين ونصف العام علي الثورة التي كان وقودها هؤلاء الشباب لعل وعسي يحدث ذلك شرخا في جدار صمتهم ويتحركون لإنقاذ هؤلاء الشباب أنفسهم قبل فوات الأوان. تزايدت معاناة الشباب في مصر للبحث عن فرص عمل في ظل تجاهل الحكومة لدورها في توظيف ولو قدر بسيط من شباب الخريجين ضمن هيكلها الاداري وفي ظل ضياع معايير الكفاءة والتميز أمام المحسوبية و"الواسطة" مما دفع الكثير من الشباب إما إلي الاتجاه لإيجاد أي فرصة عمل ولو لم تتفق مع مؤهلاته أو اللجوء إلي الهروب من الدولة والسفر الي الخارج. "الاخبار" قامت بجولة ميدانية ورصدت علي ارض الواقع معاناة وآلالم الشباب في الشارع . والسؤال ماذا يفعل الشباب بعد إنهاء حياتهم الدراسية والبدء في مرحلة جديدة من مراحل الحياة و هي مرحلة ما بعد التخرج والدخول في معمعة الحياة العملية ؟ بنظرة سريعة نجد أنهم ينقسمون إلي فئات متفاوتة في الطموح والتوجهات، فبعضهم يظل يبحث ويبحث عن الوظيفة المثالية التي طالما حلم بها طوال فترة الدراسة بالكلية والبعض ينتظر أمام مكتب إحدي الشركات حالماً بفرصة عمل وآخر ينتظر بفارغ الصبر نتائج مسابقة تلو المسابقة والبعض الآخر موعود بعقد عمل في إحدي الدول العربية وآخر يعزو السبب في مشكلاته وهمومه إلي الحظ والقدر .. فمن ينقذ هؤلاء الشباب الخريجين؟ ومن يجد حلاً وخلاصاً لهم ومن المسئول عن هذا الواقع؟ في البداية التقينا بأحد الشباب الذي تخرج من كلية التجارة ويدعي محمد رأفت 28عاما كان يحلم ان يعمل في مكتب محاسبة كبير ولكن احلامه توقفت بعد التخرج فوجد نفسه أمام خيارين إما ان يقوم يوميا باللف كعب داير علي مكاتب المحاسبة وتكون النتيجة انه لاتوجد وظائف وإما ان يجلس في البيت يتنظر الفرج الحكومي وهذا من المستحيل ان يحدث فقرر ان يقدم أوراقه في إحدي شركات الامن ويحكي محمد رأفت قصته فيقول متألما ان اصدقائي بعد التخرج قرروا فتح مشروع خاص وهو بيع الكتب أمام الجامعة وعرضوا عليَّ ان اشاركهم في المشروع ولكن نظرا لضيق الحال قررت ان أبحث عن عمل في مجال تخصصي وبعد لف استمر 6 اشهر لم اجد فقررت ان اقدم اوراقي في شركة امن فقبلت علي الفور مع العلم ان المرتب لايتعدي 900 جنيه مضيفا ان اهل خطيبته عندما علموا بانه يعمل في إحدي شركات الامن قرروا فسخ الخطوبة بحجة انني لا أناسب بنتهم تحولت حياتي بعد ذلك الي حجيم. ويضيف اشرف محمد خريج كلية العلوم ان هناك وقت فراغ كبيرا في حياتنا كشباب ولكن الازمة الحقيقية هي عندما نتخرج ولا نجد العمل المناسب مما يغضب الشاب ويجعله يلتصق برفاق السوء لانهم جميعا عاطلون عن العمل ويبدأ الشباب بعدها البحث عن تسلية وتمضية للوقت وطبعا كل شاب وطريقة تفكيره والاغلبية تريد السهل فتري الشباب مندفع لمشاهدة الافلام الإباحية ولعب الورق وملاحقة الفتيات والمصاحبة الي آخره مضيفا ان المطلوب من الدولة ان توفر فرصل عمل للشباب والعمل علي إقامة برامج توعية من الدولة ووزارة الشباب وخلق فرص عمل وتدريب، موضحا انه تخرج من كلية العلوم منذ 4 سنوات وحتي وقتنا هذا لم ينجح في الحصول علي وظيفة ميري قائلا " شكلي كده مش هاركب قطار الشغل " ! واقفا علي فرشته لبيع إكسسوارات المحمول الشمس تكاد ان تخجل من إصراره للحصول علي لقمة العيش وتبعد أشعتها الحارقة من علي وجهه. احمد شعبان 24 سنه رغم حصوله علي دبلوم التجارة لم يجد فرصة عمل في اي شركات حكومية او خاصة وكانت فرصته الوحيدة لكسب لقمة العيش هو ان يتخذ الرصيف مأوي للعمل ويقوم ببيع إكسسوارات الهواتف المحمولة حتي يستطيع ان ينفق علي 4 شقيقات وشقيقين ووالدته بعد ان توفي والده وأصبح هو العائل الوحيد لأسرته .. " الرصيف اقرب طريق لكسب الرزق الحلال " بهذا الكلام وصف أحمد تواجده علي الرصيف لكسب الرزق وقال ان هذا أفضل من ان أسرق أو أمارس الجريمة لكسب الاموال وأشار إلي انه علي الرصيف منذ 7 سنوات وسط مطاردات الشرطة له مؤكدا أن هذا العمل يوفر اكل العيش النظيف وأضاف انه استطاع ان يحصل علي رأس المال لشراء البضاعة من خلال دخوله جمعية مع أصدقائه ومنها استطاع ان يشتري البضاعة يرتدي جلباباً صعيدياً وتظهر علي وجهه علامات الشقاء والتعب وأمامه عربة " كارلو" ولكن لضيق اليد يجرها بنفسه. محمد علي 25 سنه جاء من الصعيد من محافظة أسيوط الي القاهرة أملا في كسب الرزق لكي ينفق علي أشقائه الستة فلم يجد سوي بيع الخس والكرومب ليكونا سنده بالحياة ومصدر لقمة العيش لأسرته .. " اعمل ايه يعني الحياة صعبة وفي ناس بتاكل من ورايا " كلمات تسربت من محمد تمتزج بابتسامة خفيفة ولكن تحكي مدي المعاناة التي يعيشها بعد ان تغرب من موطنه وجاء الي القاهرة تلاطمه أمواج الحياة الصعبة يقتنص لقمة عيشه من شارع لا يعرف الرحمة ابسط مشاكله هي مطاردات الشرطة له وما خفي كان أعظم. مستنداً علي شجرة بجوار فرشته التي يبيع عليها أدوات البناء نظرات هاني امبابي 28 سنه تدل علي انه يسرح بخياله بعيداً عن واقعه الأليم يتخيل نفسه أستاذا للغة العربية ولكن حلمه لم يتحقق بعد ان خرج من كلية اللغة العربية ولم يستكمل دراسته بسبب ضيق اليد واكتفي بشهادة الثانوية الأزهرية .. أكد هاني ان الحياة قد تجبرك علي طريق لم ترسمه حتي في مخيلتك ولكن »محدش عارف الخير فين«. وأشار إلي ان المرتبات ضعيفة جدا في الحكومة ولا يوجد تقدير للعمل وأنا عائل اسرتي المكونة من زوجه و 3 أولاد ولم يجد طريقاً لينفق عليهم سوي بيع أدوات البناء والتي يعلمها جيدا بعد ان كان يعمل بها وهو يدرس بالأزهر لينفق علي نفسه .