عبدالحافظ الصاوى لا تخفي علي أحد مشكلة عجز الموازنة في مصر، وما يترتب عليها من زيادة حجم الدين العام، وتشير الأرقام إلي تجاوز الدين العام المحلي لحاجز 1.5 تريليون جنيه مصري، ومن المتوقع أن يتجاوز العجز بنهاية يونيو القادم نسبة 12 ٪. وهذا العجز عبارة عن عجز الإيرادات العامة بالموازنة للوفاء بالنفقات العامة. ولا شك أن لذلك أسبابا كثيرة، منها عدم ترشيد الإنفاق، وباب الفساد الأكبر المسمي بالدعم، الذي يستفيد منه الأغنياء ومؤسسات الفساد من مافيا تجار الدعم والمسئولون الحكوميون الفاسدون. إلا أن هناك بابا أُهمل منذ بداية التسعينيات، حيث تم فصل شركات قطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية عن الموازنة العامة للدولة، وأصبحت علاقة الشركات والهيئات بالموازنة هي علاقة العجز والفائض. فالهيئات الاقتصادية تصل مديونيتها لنحو 67 مليار جنيه، وعلي الرغم من أن أصولها المالية تصل إلي ما يزيد علي 600 مليار جنيه، فإنها لا تدر للموازنة العامة من فوائض إلا نحو نصف مليار جنيه، وهو عائد هزيل لا يتناسب مع رأس المال المستثمر، ولا مع الأوضاع الاحتكارية في بعض السلع والخدمات التي تتمتع بها هذه الهيئات. الباب الخلفي نعني بالباب الخلفي لتبديد الموارد بالموازنة المصرية أن شركات قطاع الأعمال العام، وكذلك الهيئات الاقتصادية لا تناقش موازنتها بالمجالس التشريعية، ولكن فقط يتم إدراج حاجتها لتمويل العجز أو الدفع لبعض الفوائض للموازنة. ومن هنا وجدنا معظم الشركات الرابحة لقطاع الأعمال العام لا تستفيد الموازنة من أرباحها بالشكل المطلوب، حيث تقوم هذه الشركات بالمبالغة في بند الرواتب والأجور والمكافآت للعاملين بها. وكذلك المبالغة في تكوين مخصصات بالميزانية، بما يؤدي إلي أن يكون العائد المحول إلي الموازنة في أقل تقديراته. ونظرًا لأن شركات قطاع الأعمال العام تم تنظيم هيكلها في إطار الشركات القابضة، فإن الحصيلة النهائية لأعمال الشركات القابضة قد تلتهم الأرباح المحققة لبعض الشركات الرابحة، نظرًا لعمل دمج بينها وبين الشركات الخاسرة، فتكون النتيجة النهائية، إما صافي خسارة أو عائدا هزيلا يتم تحويله للموازنة. وعن مكافآت مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام، فحدث ولا حرج، سواء بالنسبة لأعضاء مجالس الإدارة في الشركات التابعة أو الشركات القابضة، والبعض يجمع بين عضوية مجالس الإدارة في الشركات التابعة، وفي نفس الوقت نائبًا لرئيس الشركة القابضة. وكذلك تفعل الهيئات الاقتصادية، فليس لدي هذه الهيئات محددات واضحة، لبند الأجور والمرتبات، فرؤساء هذه الهيئات يتمتعون بصلاحيات واسعة في تحديد المكافآت والبدلات للعاملين، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للفساد والوساطة والمحسوبية، وكل ذلك يؤدي إلي إهدار المال العام والتأثير السلبي علي إيرادات الموازنة العامة. الإصلاح المطلوب لا توجد دولة مدينة بهذا الوضع الذي تعيشه مصر، ثم تعمل مؤسساتها الاقتصادية والانتاجية علي تبديد مواردها وحرمان الموازنة العامة من الإيرادات الواجبة، التي تمول مشروعات الخطة، التي تعود بالنفع علي جميع أفراد المجتمع. إذا أردنا أن نقوم الوضع في شركات قطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية، بما يؤدي إلي تصحيح الأوضاع، فعلينا أن نضبط قواعد العمل داخل هذه المؤسسات وفق مبدأ الجزاء، وأن تفعل جميع ملاحظات تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، وأن تراجع لوائح الأجور والمكافآت بهذه الشركات والهيئات، وألا تترك لأهواء رؤساء مجالس إدارة هذه الشركات والهيئات. ومن غير المقبول في ظل الأزمة التمويلية الحادة التي تعاني منها مصر، ألا تدرج هذه الشركات والهيئات تحد مبدأ الحد الأقصي للأجور، أو أن تكون مكافأة أعضاء مجالس إدارة هذه الشركات والهيئات مفتوحة، بما نسمعه من تلقي هؤلاء الأعضاء لمئات الآلاف من الجنيهات كل عام، فضلا عن الرواتب الشهرية العالية، وكذلك مزايا اجتماعية ومادية متعددة. فإذا عجزنا عن ذلك فعلينا أن نعيد هذه الشركات والهيئات مرة أخري لتبعية الموازنة العامة للدولة، لتكون تحت الرقابة بشكل حقيقي، فلسنا في حالة من الترف تسمح بتبديد الموارد ونظل في دوامة الدين والعجز، التي جعلتنا مضطرين للجوء لصندوق النقد الدولي، وغيره من الدول، لنساهم في زيادة الدين الخارجي إلي جوار الدين العام المحلي الذي لم يعد يحتمل المزيد من المديونية.