الثامنة صباحا بتوقيت القاهرة.. تبا للزحام والضوضاء، الشمس تسطع من بداية النهار وطقس به لسعة برودة محببة، لماذا صحيت في هذا التوقيت المبكر؟ لأنني لم أنم حتى أصحو.. عادي أعاني من فراغ مبالغ فيه.. فلأجلس على المقهى أدرك اصطباحة قبل بدء يومي.. قهوة سادة وشيشة الله يخليك.. لا أعلم ما الذي يجعل القهوجي يصرخ بأعلى صوت وعندك قهوة سادة سكيتو.. يا سيدي من يصنع القهوة على مسافة متر واحد ما الداعي لأن يعمل سكان آخر الشارع بموضوع قهوتي السادة؟! القهوة مزدحمة، والطلبات تتأخر.. وهنا يتبادر لذهني سؤال.. هل كل هؤلاء بلا عمل؟ ألا تبدأ المصالح الحكومية والشركات في الثامنة صباحا؟ أصبحت الثامنة ونصف وسكان المقهى لم يتناقصوا وسكان الميكروباصات والأتوبيسات والسيارات الملاكي أيضا لم يتناقصوا.. من في عمله إذا؟! ما علينا منذ زمن لم أقرأ الجريدة، زمان كان كل مواطن يدخل المقهى وجريدته في يده، الآن أصبحت العادة أن يشتري صاحب المقهى الجرائد كلها ويتبادلها القراء.. ويتساءلون لماذا تخسر الصحافة الورقية؟! جلس جواري شاب في العشرينات من عمره، يبدو ظريفا حسن المظهر، تعبيرات حواجبه تقول أنه يبالغ في ثقته بنفسه، بدأت في تصفح الجريدة وبدأت أشعر بإحساس أنني أقرأ جريدة أمس لأن كل الأخبار المنشورة عرفتها وقرأتها ورأيت تحليلاتها أمس في التليفزيون وتويتر وفيسبوك، أعتقد أن كل الأخبار في الجريدة كانت منشورة حتى على حائط المصعد بالأمس.. تشعر أنك تأكل طبيخ بايت عندما تقرأ الأهرام.. الكثير من اله.... ما هذا؟ أرى رأس قد بدأت تدخل في حضني، ويخيم ظلها على صفحة الجريدة التي أقرأها.. أليس هذا الشاب الواثق في نفسه؟.. عذرا سيدي سأعطيك الجريدة بعد أن انته منها.. رد علي فقط لاحظت أنك تقرأ الرياضة فقلت لعلني أرى جديدا.. غير الأهلي والتعريض للأهلي؟! إذا سيكون حوارا مع الشاب.. بلاها الجريدة.. رميت الجريدة جانبا.. وقلت أهلا بنقاش دائري حلزوني لا منته.. عموما أنا فاضي، زياد فؤاد.. هكذا قلت له مادا يدي بالسلام، رد علي بثقته وحواجبه المبالغ فيها.. تامر ناشط رياضي.. هل ذكرت له وظيفتي على ما أذكر لا.. لماذا يذكر هو وظيفته؟ لا أعلم.. نعم ناشط إيه؟!!!!! سيدي أعرف أن هناك ناشطا سياسيا وهم هؤلاء النباحين المدعين في أغلبهم والذين لا شغلة لهم ولا مشغلة، فماذا تعني بناشط رياضي؟! هكذا سألته وهكذا أجابني: "أدافع عن حقوق الأندية الغلابة والمقهورين من ظلم الأهلي" - فرضنا أن الأهلي ظالم جبار من هم المظلومين في نظرك؟ رد سريعا ودون تفكير:- الزمالك طبعا ثم استطرد مفسرا:- الزمالك هو الأحق بكل البطولات في السنوات الأخيرة والأهلي اغتصبها بالتزوير وشراء الأصوات. بدأت أنتبه بكل جوارحي للشاب الذي يبدو متحدثا لبقا ولا يؤرقني سوى حواجبه المتحركة والتي تشتت تركيزي فقلت:- عن أي تزوير تتحدث وكيف يحصل الزمالك على البطولات وهو الذي يخسر النقاط ومنافسه يكسب المباريات؟ فقال وابتسامة مستهزئة على وجهه تحمل معنى أنني حمار لا أفهم شيئا:- يا أستاذ قلتلي اسمك ايه؟ آه زياد بحكم عملي كناشط أستطيع أن أقول لك أن كل البطولات التي حصل عليها الأهلي في السنوات الأخيرة هي وليدة مؤامرة كونية، تشاركت فيها وقوى وأجندات، أستطيع أن أقول لك يا أستاذ قتلي اسمك ايه؟ آه زياد أن الدولة صنعت الأهلي في سنوات، وقوى مبارك الفاسدة وابنه جمال الذي استولى على اقتصاد البلد وخربه وأخو زوجته منير ثابت رئيس اللجنة الأولمبية ورجالهم الفسدة هم من ضخموا الأهلي من أجل غسيل الأموال ورواج تجارتهم الفاسدة (أتذكر أن ما يقوله سمعته من قبل أو كتبته على ما أظن فهل يقرأ لي؟ لا اعتقد فهو ينسى اسمي كل 3 كلمات ولو كان قرأ فبالتأكيد الاسم كان ليعني له شيئا). وواصل الناشط الرياضي بكل ثقة وقد أحس بنفسه يتجلى:- صنعوا إعلام أهلاوي، وضخوا فيه أموالا، ودفعوا من أجل صناعة حكام يحكمون للأهلي، ويحكمون ضد الزمالك، وجاءوا باتحاد كرة أهلاوي، بل وضخوا حكاما وإدارات مدفوعة في الاتحاد الأفريقي من أجل دفع الأهلي للأمام. بدأ الكلام يوسع بشكل مبالغ فيه من السيد الناشط فحاولت أن أتدخل فأسكتني بحركة يد أن "إخرس لما أكمل" فخرست:- الكل لعب ضد الزمالك وتآمروا مع أفريقيا فأوقفوا عجلة إنتاجه، وحكاما تسببوا في خسائره غير المستحقة وهو الفائز الشرعي لكل البطولات المحلية والأفريقية التي حصل عليها الأهلي. بذلت مجهودا خرافيا في إيقاف استرسال هذيانه المبين على حس تآمري وقلت أخرج من الجو الرياضي فسألته:- من انتخبت في الانتخابات الرئاسية؟ فأجابني دون تردد: شفيق طبعا قلت له:- إذا كنت تعتقد شفيق بعيدا عن النظام السابق؟ رد: بالطبع لا أنا أصلا ضد الثورة، وضد هؤلاء الكلاب الذين خرجوا على الرئيس العظيم مبارك الذي أحببناه وكان زعيما بحق. ارتفعت حواجبي لتعلو فوق حواجبه وضاقت عيناي وفغر فاهِ مدلالة على عدم تصديق ما أسمع وهو نفس التعبير الذي يدل على البلاهة أحيانا! واستطرد الشاب واستمر في أن يدلو بدلوه:- الثورة كانت عملية تخريبية من قوى خارجية ومن ناس أرادوا مصالحهم على حساب البلاد. رددت متشككا في الشاب:- ولكن يا سيدي في عهد مبارك كان هناك فسادا منه ومن ابنه ورجاله وغسيل أموال، ولو لم تكن قامت الثورة لركب جمال على السلطة رغما عن الشعب. رد الشاب بنتهى الثقة ومستخدما حواجبه وهزة رأسه وابتسامة خافتة بأغلى يمين شفته العليا للدلالة على أنني "طيب قوي وبصدق أي كلام فارغ":- كل ذلك شائعات، مبارك لم يكن فاسدا بل كان أبا حنونا، وهو من صنع الشوارع التي تركب فيها حضرتك السيارة، والمترو الذي تستقله للتنقل والكباري التي تقضي عليها معظم وقتك، وجمال ابنه أليس هو من وظف الشباب وعلمهم ودربهم في جمعية جيل المستقبل، لماذا نستكثر عليه الوصول للحكم ألم يكن سيتم انتخابه بإرادة الشعب؟ هذه هي الديموقراطية التي نحلم بتطبيقها في مصر والمعترضون هم لا يعرفون شيئا عن الديموقراطية.. يا سيدي هؤلاء كانوا ناس محترمة، ولكن لأنهم محترمين أرادت إسرائيل وأميركا الخلاص منهم لتفتيت مصر وتسليمها للإخوان المسلمين ورئيسهم غير الشرعي. هذا الفتى يطلق درر يخرب بيت التليفزيون على الإعلام.. هكذا دار في بالي.. قلت له محاولا الانتهاء من الحديث مع آخر نفس شيشة:- ولكن الرئيس مرسي هو رئيس منتخب. رد على الفور:- أنا لا أعترف بالانتخابات التي تأتي برئيس مثل الديكتاتور مرسي وعشيرته، والديموقراطية لا تصلح للتطبيق في مصر لأننا غير مؤهلين لها، فلدى الشعب ارتباك في الفكر، وضحالة في الثقافة لا تجعل مشروع الديموقراطية ناجحا. هززت رأسي هزة حملت معنيين، أوحت للفتى الواثق في نفسه وفي حواجبه أنني اقتنعت بكلامه، وهي في حقيقة الأمر ليس لها إلا معن واحدا.. عليه العوض ومنه العوض.. دماغ الشباب ضربت! زياد فؤاد لمتابعة الكاتب على تويتر اضغط هنا