مدفعية الجيش الإسرائيلي تستهدف بلدة "عيترون" جنوب لبنان    إعلام إسرائيلي: حماس تتعافى في خان يونس وشمالي غزة لإظهار سيطرتها على الأرض    حلو الكلام.. يقول وداع    مدرج اليورو.. إطلالة قوية لجماهير الدنمارك.. حضور هولندي كبير.. ومساندة إنجليزية غير مسبوقة    لجنة الحكام تُعلن عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك والمصري البورسعيدي    تشكيل منتخب النمسا المتوقع أمام فرنسا في أمم أوروبا 2024    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    حقيقة عودة كهربا إلى الدوري السعودي    يورو 2024 - دي بروين: بلجيكا جاهزة لتحقيق شيء جيد.. وهذه حالتي بعد الإصابة    انخفاض درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حال. الطقس خلال أيام العيد    جثة مذبوحة وسط الطريق تثير ذعر أهالي البدرشين    زيجته الثانية أشعلت غضبهم.. الأبناء وأمهم يحرقون مسكن والدهم في الوراق    في أول أيام التشريق، لقطات تهز القلوب لامتلاء صحن المطاف (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على شقة سكنية شمال غزة إلى 3 شهداء    عبير صبري: شقيقتي مروة «توأم روحي» و«لسه بتاخد مني عيدية.. فلوس ولبس وكل حاجة»    الصحة تُوجه نصائح مهمة للعائدين من الحج.. ماذا قالت؟    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى ثانى أيام العيد الإثنين 17 يونيو 2024    فوائد إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية فوق أسطح المباني.. تقلل انبعاثات الكربون    أثناء رمى الجمرات.. وفاة رئيس محكمة استئناف القاهرة خلال أداء مناسك الحج    مشاهد توثق اللحظات الأولى لزلزال بقوة 6.3 ضرب بيرو    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    صفارات الإنذار تدوى فى كيبوتس نيريم بغلاف قطاع غزة    محافظ جنوب سيناء يشهد احتفال أول أيام عيد الأضحى بالممشى السياحى بشرم الشيخ    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هل تتمتع الحيوانات بالوعي؟ كيف تغير الأبحاث الجديدة المفاهيم    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    لم يتحمل فراق زوجته.. مدير الأبنية التعليمية بالشيخ زايد ينهي حياته (تفاصيل)    بيلينجهام رجل مباراة إنجلترا وصربيا في يورو 2024    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    إيرادات حديقة الحيوان بالشرقية في أول أيام عيد الأضحى المبارك    عاجل.. موعد اجتماع لجنة تسعير المواد البترولية لتحديد أسعار البنزين والسولار    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    خفر السواحل التركي يضبط 139 مهاجرا غير نظامي غربي البلاد    زيلينسكي يدعو لعقد قمة ثانية حول السلام في أوكرانيا    ممثل مصري يشارك في مسلسل إسرائيلي.. ونقابة الممثلين تعلق    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    فقدان شخصين جراء انقلاب قارب في ماليزيا    وفاة الحاج الثالث من بورسعيد خلال فريضة الحج    موعد مباراة إنجلترا والدنمارك في يورو 2024.. والقنوات الناقلة    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    متى آخر يوم للذبح في عيد الأضحى؟    بعد كسر ماسورة، الدفع ب9 سيارات كسح لشفط المياه بمنطقة فريال بأسيوط    أجواء رائعة على الممشى السياحى بكورنيش بنى سويف فى أول أيام العيد.. فيديو    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    منافذ التموين تواصل صرف سلع المقررات في أول أيام عيد الأضحى    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عبدالمجيد يكتب عن الثورة المصرية 3
الانفجار : في تلك الليلة أدرگت أن حاجز الخوف لدي المصريين انتهي تدفقت الجماعات من كل مكان تهتف : »إحنا بلدنا مش هتهون«
نشر في الأخبار يوم 21 - 06 - 2011

كانت الدعوة إلي التظاهر منذ البداية من نوع خاص جدا، ليس لأنها دعوة لمظاهرات سلمية، فكل المظاهرات تبدأ في مصر سلمية، ثم يحولها البوليس إلي عكس ذلك، ويلصق التهمة بالمتظاهرين.
كانت دعوة من نوع خاص لسبب آخر، هو اختيار اليوم، فهو يوم عيد الشرطة المصرية الذي صار منذ عام 2009 إجازة رسمية لمصر كلها.
كان عيد الشرطة دائما يشهد احتفالا يحضره الرئيس، يكرم فيه بعض رجالها. ثم صار عيدا تقدم فيه الأغنيات والأوبريتات الوطنية، ثم صار إجازة رسمية للبلاد منذ عام 2009.
اختار الشباب هذا اليوم وأعلنوا بشكل واضح علي كل الجماعات وصفحات النشطاء،أنه ليس عيدا للشرطة، ولكن الأجدر به ان يكون عيدا للبلطجية !! عيدا للقتلة والسفاحين لابد من إفساده. وأنا فكرت أن الشرطة في عيدها، لن تكون بالغباء الذي يجعلها تتعدي عليهم، فيرتبط العيد بالعدوان علي المصريين. العيد الذي اختير يوم 25 يناير من قبل، لأنه اليوم الذي قاومت فيه الشرطة القوات البريطانية في الإسماعيلية عام 1952. إذن يمكن أن لا تفسد الشرطة عيدها بالعدوان علي الشعب. ومن ثم يصل المتظاهرون إلي ميدان التحرير بسهولة.
في ذلك اليوم تركت البيت في حدائق الأهرام وزوجتي معي. ولأن اليوم عطلة كان الطريق مفتوحا وسهلا في شارع الهرم ثم المنيل، حتي وصلت إلي شارع القصر العيني، رأيت قوات الامن المركزي تقف بعيدا في الشارع تسد الطريق إلي الميدان، فاضطررت إلي الانحراف إلي المنيرة، ثم السيدة زينب فشارع مجلس الأمة. اقتربت من ميدان نوبار فرايت أمامي مرة أخري قوات الأمن المركزي تحيط بوزارة الداخلية كلها وتمنع الدخول الي الميدان.
رأيت قوات الأمن المركزي بزيهم الشتوي الأسود، وخوذاتهم وهرّاواتهم الكهربائية، و الضباط كبارا وصغارا أمام الصفوف . كان علي وجوه الكثير من الضباط غضب وغيظ قدّرته أنا أنه بسبب اضطرارهم للعمل يوم عطلتهم.
عدت وأخذت طريقاً آخر إلي ميدان محمد فريد، ثم شارع صبري أبو علم، فميدان طلعت حرب، إلي شارع محمود بسيوني إلي منطقة معروف، حيث تركت سيارتي في الجراج أمام العمارة (ب)، التي بها دار النشر "بيت الياسمين" التي أسستها منذ شهور. وسيكون هذا الطريق الطويل هو الوحيد المتاح لي بعد ذلك في بعض أيام الثورة مع تغييرات بسيطة.
بعد أن تركت سيارتي، أخذنا طريقنا عائدين إلي مقهي ريش الشهير بشارع طلعت حرب. رأيت المتظاهرين يتقدمون من كل الشوارع بثقة، ويفسح لهم الضباط الطريق إلي الميدان، دون أي نوع من المواجهات. إذن لن تفسد الشرطة عيدها حقا، وستخيب ظن النشطاء السياسيين ولن يكون عيدا للبلطجية! وربما منعت دخول السيارات إلي الميدان ليدخل المتظاهرون علي راحتهم!
جلسنا في مقهي ريش. كان المقهي مغلقا منذ شهور، لكن الصديق مجدي عبد الملاك صاحب المقهي يفتحها لنا. أصدقاؤه من الكتاب والفنانين. رحنا نتابع قنوات التليفزيون العربية وبالذات قناة الجزيرة، الخبر لا يشغل مساحة كبيرة، فالمتظاهرون يصلون إلي الميدان بسهولة وبلا مقاومة، والشرطة تحيط بالميدان وكأنها تحرس المتظاهرين، وبعض المتظاهرين من الفتيات يقدمن الورود للجنود والضباط. لكن أعداد المتظاهرين تزداد بشكل كبير.
اندفاع الحشود
بعد قليل ذهبنا إلي الميدان، الذي تجاوزت الحشود فيه الخمسين ألفا، وتزداد لحظة بعد لحظة، إذ تتواتر الجماعات من كل مكان. إذن سيمضي اليوم طيبا. كانت الهتافات "عدالة.. حرية.. كرامة إنسانية ..مش حنخاف مش حنطاطي إحنا كرهنا الصوت الواطي.. صحي الخلق وهز الكون، إحنا بلدنا مش حتهون.. ثورة في كل شوارع مصر، ثورة في تونس ثورة في مصر.. الشعب يريد إسقاط النظام.. ويسقط يسقط حسني مبارك وغيرها...
دخل إلي الميدان كثير من الكتاب والفنانين. وكان إبني الأكبر زياد مصمم الكتب، ومسئول دار النشر، مع كثير من أصدقائه، وكذلك الشاب محمد الوزيري المهندس وكاتب القصة القصيرة والذي يعمل معنا في دار النشر، وكذلك ابني إياد الصحفي بجريدة الشروق مع أصدقائه من الصحفيين.
كان كل شيء يغري بالنشوة والفرح حتي حوالي الساعة الثالثة، حين بدأ بعض المتظاهرين فجأة يرشقون رجال الأمن بالحجارة، فتبادل معهم رجال الأمن الرشق بالحجارة والاعتداءات بالضرب. لكن المتظاهرين سرعان ما منعوا من يرشقون الأمن بالحجارة من ذلك وهدأ الجو. الحقيقة أن الذين فعلوا ذلك كانوا عناصر أمنية بملابس مدنية، دخلوا المظاهرة لإفسادها، لكنهم لم ينجحوا. واستمر الحشد في ميدان التحرير يزداد.
تركت الميدان وزوجتي معي وعدت إلي البيت في حوالي السابعة مساء، والسؤال الذي يؤرقني هل سيترك البوليس المتظاهرين في الميدان حتي الصباح كما قرروا حقا ؟ كانت لدي شكوك كبيرة، لكن الذي أثارني بحق، كان الأعداد الهائلة للمنضمين للميدان التي فاقت كل توقع، حتي أن عددا من ناشطي الجماعات السياسية علي الفيس بوك قالوا ذلك أيضا. الذين لبوا دعوة التظاهر كانوا غير متوقعين لأحد.
أخبار السويس
كانت الأخبار السيئة تأتي من السويس، التي استخدم فيها البوليس القنابل المسيّّلة للدموع والرصاص الحي. فتسبب في قتلي وجرحي، وكذلك الأمر في الإسكندرية. وصارت المستشفيات هناك لا تستقبل الجرحي، بل تسلمهم إلي قوات البوليس. وحدث ذلك أيضا في القاهرة وكثيرا بعد ذلك.
في البيت رحت أتابع قناة الجزيرة، واستمعت إلي بعض المداخلات والحوارات، كان من أهمها ما قاله الدكتور عمار علي حسن، الذي كان علي الشاشة قادما للتو من الميدان، مبحوحا صوته من النقاش والهتاف. وجاءت الأخبار بوصول كثير من المشاهير إلي الميدان من السياسيين المعارضين أو الكتاب والصحفيين او الفنانين مثل أيمن نور ومصطفي بكري وابراهيم عيسي وعبد الحليم قنديل واحمد بهاء الدين شعبان وعلاء الأسواني وعمرو واكد وكثيرين جدا غيرهم. كما كانت المفاجأة في انضمام شباب الألتراس من مشجعي كرة القدم لناديي الأهلي والزمالك إلي المعتصمين بالميدان. وهم الذين وجه لهم النشطاء السياسيون من قبل الدعوة كما قلت . لقد لبوا إذن الدعوة !
علي قناة المحور كان هناك حوار مع عدد من السياسيين، بينهم طارق حسن رئيس تحرير صحيفة الأهرام المسائي وعضو لجنة السياسات، الذي ألمح فيما قال إنه يخشي أن يتم بعد أن ينتصف الليل إخلاء الميدان بالقوة، وأنه يفضل لو أخلي المتظاهرون الميدان. كذلك تحدث صفوت الشريف الذي بدا واثقا جدا في أن ما يحدث لا معني له، ولن يؤثر في شيئ، فهم في الحزب الوطني يعرفون جيدا ما يريده الشعب، ولا يتأخرون عنه !
حين بدأ برنامج العاشرة مساء، كانت مني الشاذلي بدورها، تستضيف عددا من السياسيين، بينهم الدكتور مصطفي علوي. وهو أيضا عضو لجنة السياسات، والذي وقعت في عهده حين كان يتولي رئاسة الثقافة الجماهيرية، محرقة بني سويف الشهيرة، التي راح ضحيتها أكثر من 50 ناقدا وكاتبا وفنانا مسرحيا، والذي دافع عنه محامون كبارمشاهير، كان من بينهم الدكتور يحي الجمل، ففاز بالبراءة، وشال الشيلة موظفو قصر ثقافة بني سويف الصغار. مصطفي علوي بدوره قال، إنه يخشي أن يحدث بعد أن ينتصف الليل، شيء مفاجئ لإخلاء الميدان.
كثيرمن رؤساء تحرير الصحف القومية ظهروا تلك الليلة في الفضائيات، يستنكرون بثقة ما جري، ويؤكدون علي سلامة النظام، ويكررون المقولة التي شاعت في الأدبيات السياسية ، بعد نجاح ثورة تونس، إن" مصر مش تونس "
بعد أن استمعت إلي طارق حسن رئيس تحرير الأهرام المسائي، ثم مصطفي علوي، والإثنان كما قلت في لجنة السياسات، فكرت أن هذا التوافق في القول، لا يأتي صدفة.. هناك هجوم كبير سيحدث علي المعتصمين بالميدان.
اتصلت بإبني زياد الذي قابل كلامي بالضحك، وقال لي أن البوليس يحيط بالميدان بشكل مسالم جدا، وأنهم يتبادلون معهم الأحاديث، ويغنون سعداء، ويهتفون ومعهم شباب الألتراس، ولا يجب أن أقلق فلن يحدث شيء. طبعا فهو حديث عهد بالسياسة والتظاهر. سألته: وبتغنوا كمان؟ قال: أيوة، أغنيات لأحمد فؤاد نجم، سامع؟ كان الضجيج عاليا وقال: رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تاني.
ضحكت وقلت له أن ينتبه، وأن يؤكد علي من حوله الانتباه فقط لا غير.هذا هو المهم. إتصلت بابني إياد فوجدت الموبايل مغلقا.
كان حماس ولديّ يدهشني جدا، هما اللذان لم يكن لهما أي علاقة بالسياسة من قبل، وأدركت أن هذا الجيل له طريقة أخري في التفكير والحياة، وقد يري أفضل مما نري.
رحت أتذكر مبتسما بعض كلمات أغنية أحمد فؤاد نجم رجعوا التلامذة كأني معهم:
لا كورة نفعت
ولا أونطة
ولا المناقشة
وجدل بيزنطة
ولا الصحافة والصحفجية
شغلوا شبابنا عن القضية
لكني لم أتخلص من القلق الذي استبد بي. صار لدي يقين بأن الشرطة ستخلي الميدان بالقوة، وسيقع ضحايا في القاهرة. كانت قنوات الجزيرة والعربية والإم بي سي، لا تكف عن الحديث عن قتلي وجرحي السويس والإسكندرية، وكانت تغطية مراسلة الجزيرة دينا سمك في السويس فوق العادة، في نقل كل ما يحدث هناك. وكانت مشاهد القسوة والرعب الذي تمارسه الشرطة كبيرة، لكني رأيت أهل السويس، يزيلون صورة ضخمة جدا لحسني مبارك ويمزقونها، فأدركت ان حاجز الخوف لدي المصريين انتهي. لقد انتهت تمثيلية أن الرئيس لا يعرف ما يحدث في البلاد، وأن من حوله يخفون عنه الحقائق. الرئيس هو الهدف الاول الآن. ليس في القاهرة فقط ولكن في كل البلاد.
بعد انتهاء برامج " تسعين دقيقة " علي قناة المحور، و"العاشرة مساء "علي قناة دريم، و"بلدنا بالمصري" بالأون تي في، لاحظت أن هذه القنوات كلها، مع قنوات التليفزيون الحكومية، تذيع أفلاما عربية قديمة. حالة من السعادة تلبست كل القنوات المصرية خاصة وحكومية، ولم يعد هناك أي خبر عن اعتصام التحرير. وحده الموبايل دق أمامي، فوجدت اسم محمد الوزيري علي الشاشة. ما كدت أقول محمد بلهفة، حتي وجدته يقول بسرعة " أنا معتقل يا أستاذ.. أنا في عربية الترحيلات مع شباب كتير.. إحنا بننضرب.. حياخدونا منطقة السلام" ثم انقطع الخط. أدركت أن رجال الشرطة أخذوا منه الموبايل. اتصلت بزياد لأتأكد مما جري، فوجدت جرس الموبايل يدق، لكن لا إجابة من زياد، اتصلت بإياد فوجدت الموبايل لا يزال خارج الخدمة، تحولت إلي قناة الجزيرة فلم أجد شيئا عن فض الاعتصام بعد، تذكرت أنه علي الفيس بوك رسائل كثيرة، بها أسماء وتليفونات المحامين، الذين يمكن الاتصال بهم، حين يتم القبض علي أحد المتظاهرين أو اعتقاله. قمت إلي "اللاب توب" علي مكتبي، ونقلت أسماء العديد من المحامين وتليفوناتهم، واتصلت بوالد محمد الوزيري، وأخبرته بهدوء. قلت له أن يطمئن، وأن الاعتقال هذه المرة لن يطول، فالدولة ستسعي لامتصاص الغضب الذي ملأ البلاد، ثم إن تجربة الاعتقال مرّ بها كل الكتاب في شبابهم، ومنهم أنا أيضا. كان الرجل متماسكا راضيا بما قسم الله، وهو بالمناسبة رجل أعمال ومثقف محترم. ثم أمليته أسماء كثيرا من المحامين وتليفوناتهم، وقلت له أني بدوري سأقوم أيضا بالاتصال.
عدت من جديد إلي قناة الجزيرة فوجدت الخبرعن فض الاعتصام بالقوة، ورأيت العربات المدرعة بأعداد هائلة وخراطيم المياه الموجهة للمعتصمين، والقنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والطلقات المطاطية.عدت إلي اللاب توب، ودخلت علي الفيس بوك، فوجدت الأخبار كما رأيتها وأكثر، وبها الكثير عن متابعة الشباب الفارين من الميدان في الشوارع والأزقة ومداخل العمارات التي دخلوا يحتمون بها، وضربهم، واعتقال المئات منهم. كما وجدت من يسخر من كثير من رجال المعارضة المشاهير، وبالذات في الصحافة، الذين وقف الكثيرون منهم يتحدثون مع اللواء إسماعيل الشاعر قبل فض الاعتصام، بل وجلسوا معه، وغيرهم ممن تحدث إلي الفضائيات، من الميدان وانصرف بعد ذلك، وأحد الشباب الموالين المتحمسين للدكتور البرادعي، الذي وقف يحدث المعتصمين، عن عشرات الآلاف القادمين من شبرا، ولم يكن أحد يأتي بالليل الآن. وغير ذلك كثير يعكس قرف كثير من الشباب. وطبعا لن أذكر اسم أحد ممن ذكروهم، لأني لم أري ذلك بنفسي، رغم أنهم كتبوا كثيرا من الأسماء علي صفحاتهم. تركت التفكير في ابني زياد وإياد، بعد أن رجوت الله أن لا يصيبهما أذي، ورحت أفكر في أمر الشاب الجميل الموهوب محمد الوزيري، الذي حكي لي كيف قبض عليه من قبل أثناء احتجاجات القضاة عام 2005 وكيف ضربته الشرطة ضربا مبرحا لا ينساه، وكيف كان أحدهم يفرك في خصيتيه بقوة، سببت له ألما رهيبا وهو واقع علي الأرض يضربه أكثر من شرطي. قال لي في استياء شديد، أساليب تعذيب جديدة ووحشية يا أستاذ. تمنيت له السلامة، وكانت الساعة قد دخلت في الرابعة صباحا، ولا تزال القنوات المصرية الخاصة والحكومية لا تذيع الخبر، وتبث الأفلام المصرية القديمة. يا لها من بهجة تدعو إلي الرثاء. وكنت متعبا فنمت رغم أنني كنت أجاهد أن لا انام.
أول خبر
استيقظت في ظهيرة اليوم التالي الأربعاء 26 يناير.. كان أول خبر تلقيته من زوجتي أنه تم القبض علي ابن أختها محمد عبد السلام رضوان، وأنهم يريدون الاتصال بجريدة الدستور التي يعمل بها، حتي يمكن الإفراج عنه. ليس معهم تليفونات مباشرة لأي أحد من الجريدة، وتليفون الجريدة مشغول دائما. ومحمد عبد السلام رضوان مترجم شاب بالجريدة، وكما هو واضح من اسمه، هو ابن المرحوم المترجم عبد السلام رضوان، أحد كتاب جيل الستينيات، الذي أصدر في السبعينيات مجلة "الفكر المعاصر"، ثم رحل في السنوات الأخيرة من التسعينيات إلي الكويت، وهناك للأسف أصابه المرض ومات. كان يرحمه الله من أصدقائي الذين أحبهم، وكان من معارضي سياسة السادات، ونزل ضيفا علي سجونه أكثر من مرة.. كان عبد السلام رضوان هادئا للغاية، لا يري أي معني للتكالب علي الدنيا، أو الصراع من أجل الفوز بشيء، غير أن تقرأ أو تكتب كتابا. كنت كثيرا ما أذهب إليه في مقر المجلة في عابدين، ونلتقي هناك بكثير من الكتاب.ولم يتوقف النشر علي المجلة فقط، لكنه نشر بعض الأعمال الأدبية لعدد من الكتاب المحترمين، منهم المرحوم يحيي الطاهر عبد الله. لكن عبد السلام الذي لم يكن يهتم أبدا بما ستأتي به الأيام من غدر، كان لا بد أن يفشل مشروعه ويصيبه بالخسارة، لذلك رحل للعمل في سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت، مع المرحوم الفيلسوف فؤاد زكريا، الذي كان شديد الثقة في موهبة عبد السلام في العمل أو الترجمة.
قمت بالاتصال بجريدة الدستور فوجدتهم يعرفون الخبر. نجحت فيروز أخت محمد وفنانة الحليّ الشابة في الوصول إليهم..
تركت البيت وحدي ونزلت إلي وسط البلد .ذهبت إلي مكتبي بدار بيت الياسمين فوجدت زياد ابني قد سبقني إليها. سألته لماذا لم ترد علي تليفوني الأخير بالليل أمس؟ ضحك وقال لي: كنت أسمعه يدق ونحن نجري من الميدان. وحكي لي ما قرأته تقريبا علي الفيس بوك. ثم قال وهو في دهشة كبيرة ؛كان أغرب شيء أن قوات البوليس حاصرتهم من كل جهة، ولم تترك لهم جهة يهربون منها، كأنما كان هناك إصرار علي قتلهم، وليس علي فض الاعتصام. وقال لي إنه استطاع الوصول إلي منطقة معروف حيث ركن سيارته التي اشتراها منذ عامين قديمة متهالكة، بعد ستة أشهر قضاها في العمل مع عشرين صحفيا وفنانا، في إحدي الجرائد الحكومية في ليبيا، انتهت بالتخلص من رئيس التحرير الليبي، وتعيين رئيس تحرير ليبي جديد، كان أول ما فعله هو طرد المصريين جميعاوإغلاق الجريدة.علي طريقة ليبيا القذافي.
قال لي إنه دخل إلي سيارته في الجراج، ومكث فيها أكثر من ساعتين، ومع أول خيوط الصباح، أخذ طريقه إلي بيته في الهرم. لم يكن يعرف خبر القبض علي محمد الوزيري. اندهش جدا، وقال إنه كان يدور معه في الميدان مع عدد كبير من الشباب، يغنون "الجدع جدع والجبان جبان بينا يا جدع ننزل الميدان " ثم انتبه إلي أنهم كانوا يقتربون من قوات البوليس وهم يهتفون بهذا الغناء ويدورون، فلابد أن الشرطة خطفت محمد دون أن يشعر أحد. لكن محمد فيما بعد أخبرني أنه كان قد ابتعد قليلا عن الميدان، ليشتري شيئا يأكله، فقبض عليه في الطريق، ووجد عربة الترحيلات ممتلئة بالشباب. الأمر نفسه حدث مع محمد عبد السلام رضوان، الذي كان في طريقه إلي البيت وبعض أصحابه، وتأخر عنهم في المشي قليلا، فتم خطفه بسرعة، حتي إن أصحابه حين التفتوا ولم يجدوه لم يفكروا في أن أحدا قبض عليه. ولكن أنه سقط مثلا في بلاعة ! لقد كان خطف الشباب يتم بسرعة وخفة شديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.