بعد أن حارب أهل اليونان ضد الفينيقيين والفرس تهالكت موارد الدولة البشرية، والاقتصادية، واتجه اليونانيون نحو العلم باعتباره أساس التقدم والرقي، ولكن وجدوا أزمة كبيرة تمثلت في قلة عدد المعلمين بعد وفاة العديد منهم في الحرب، فاندفع عدد من الناس لامتهان مهنة المعلم، لتحقيق مكسب مادي ولخدمة احتياجات الوطن واحتياجاتهم. وكان هؤلاء الممتهنين بالمهنة على قدر ضعيف جدا من العلم، ولم تكن لديهم خبرات في العلوم. وأسمى شباب المعلمين أنفسهم السفسطائيين الجدد، ولأنهم كانوا منعدمي الثقافة العلمية لجأوا إلى تدريس الفنون والنحو والبلاغة والخطابة والتاريخ، وهي العلوم التي بها الكثير من الجدل والاختلاف وليس بها ثوابت ويمكن التحريف فيها والتغيير في أي وقت، وامتنعوا تماما عن تدريس الرياضيات والفيزياء والتي لا يمكن الجدل فيها وسينكشف أمرهم إذا تحدثوا فيها. ومع أن وصف سفسطائي كان في الأصل وصف مدح فإن هؤلاء المعلمين المتكسبين بالعلم قد جعلوا منه صفة ذم فأصبح قول سفسطة يعنى بها الكلام الذي فيه تمويع ولي للحقائق مع فساد في المنطق. ومال السفسطائيون الجدد لصرف الذهن عن الحقائق والأحوال الصحيحة أو المقبولة في العقل وتضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة في التفكير. تذكرت هذا الكلام الذي قرأته منذ سنوات، فوجدتني إذ وكأنني أتحدث عن مصر، إذ وكأنني أشتم رائحة مرتضى منصور، والزند وتوفيق عكاشة، ولميس الحديدي، والعريان والبلتاجي، والقرموطي والبلعوطي –إذا كان هناك بلعوطي- وشيوخ الفسكونيا وبرامج التوك الشو التي تصرع رؤوسنا، بفاصل من السفسطة الخام.... كبر الكلام في رأسي وأنا أرى مصر غارقة في الجدل والسفسطة بسبب السفسطائيين في جيلهم الثالث الذين ملأوا رؤوس الناس جدلا وعدم اقتناع، تذكرته وأنا أتابع كيف أصبحت بلدنا منبعا للجدل من الجهلة الذين يدعون العلم ويحاولون طي الحقائق وليها لخدمة مصالحهم الشخصية.. تذكرت السفسطة وأنا أرى الإعلاميين يتنابذون فيما بينهم عبر القنوات الفضائية، رأيت السفسطة بعيني وأنا أتابع نجوم ملاعب كرة القدم والذين نالوا من العلم أقله وهم يلعبون في رؤوس أجيال وأجيال، يزيفون فكر ووعي ناس وناس، يعزفون على مشاعر بشر وبشر. ومثلما نشأت كرة القدم في إنكلترا وترعرعت وتألقت في البرازيل فالسفسطة نشأت في اليونان، ولكنها رأت أيام مجدها وعزها على أرض مصر. كيف تنهض مصر وفيها من السفسطائيين من يقتلون أمما وليس بلدا؟.. كيف للحب أن ينمو في زمن "الكوليرا" الفكرية المنتشرة على يد السفسطائيون؟! كيف للعلم والفكر أن ينمو ويكبر في زمن مرتضى منصور وتوفيق عكاشة وشوبير ومدحت شلبي وعشرات من معدومي العلم والثقافة والفكر يسيطرون على عقول أجيال ويزرعونها برسيما فكريا؟ لا ليته برسيما فالبرسم يخصب التربة بل هو صبار بشوكه – إذا كان هناك صبارا من دون شوك-. ** يقولون دائما ابحث عن السبب كي يبطل العجب.. وسبب كل بلاوي مصر هم المجادلون السفسطائيون الذين يحتلون عقول البسطاء في مختلف المجالات، سواء إعلاميين أو رجال دين أو رجال سياسة أو رياضة، في كل المجالات السفسطائيون يسيطرون، ونهضة مصر لن تكون إلا وقتما يخرس هؤلاء.