الحالة التي تمر بها مصر حالة من الحراك السياسي وحركة سياسية عارفة دافعة قد استجمعت كل حركات النضال الثوري علي مر التاريخ والعصور وكأن المصريين قد بدأوا يسحبون من رصيد تلك الحركة القومية.. ورأينا كيف أن شعب مصر كله قد انخرط في السياسة وأن ثورة25 يناير قد كانت فاتحة لبداية مرحلة جديدة من تاريخ الحركة السياسية في مصر ذلك مايجب أن ننبه إليه وذلك مايجب أن نركز عليه حتي لانتوه فيها في معرض الأحداث المؤسفة التي تحدث والتي تعكر صفو هذا الإنجار الكبير.. إن مايحدث في مصر يعد أمرا غريبا وجديدا بكل المقاييس ويمثل نوعا من التمرد علي كافة أنواع الحركات السياسية بما فيها الثورات علي اعتبار أن الثورة هي ذروة ذلك الحراك السياسي وأنها هي نقطة التصاعد في الحراك السياسي لقد إتسمت هذه الثورات في المنطقة العربية إذا ماراجعنا ذلك علي مر تاريخ الحركة السياسية في مصر والتي عادة ما كانت تأتي من جانب الجماعات المنظمة والتي تعد في هذه الحالة بمثابة الرؤوس المحركة والمخططة وهي التي تتولي قيادة وتوجيه هذه الحركات السياسية وأن من يقوم بها عادة هم من فئة الشباب المتعلمين أي شباب الجامعات ويمكن أن ينضم القليل منهم فيما بعد من الطبقات الأخري ولكن ماحدث في ثورة25 يناير قد جاء مختلفا تماما فهي ثورة قد أطلق عليها الثورة الالكترونية أي أنها ثورة قد كان لها أدواتها وهي الكمبيوتر والانترنت وذلك في التواصل وفي القدرة علي الدعوة إلي الإحتشاد والتواصل مع بعضهم البعض دون حواجز وبقدر أكبر من حرية الحركة وهو ماأدي إلي زيادة حراك هذه الثورات وسرعة حركتها علي نحو كبير كما أنها أيضا قد اتسمت بسيطرة الشباب عليها بأفكار جديدة متحررة وهنا نجد أن سمة العولمة قد طغت علي هذه الثورات بل أن الشباب في مصر والدول العربية قد استطاع أن يوظف هذه التقنية الغربية لكي مايحقق ثورات قوية وجذرية ويواجه أعتي النظم السياسية التقليدية بقدراتها الكبيرة علي القمع والقهر في التعامل مع الثورات وأنها طوال سنوات حكمها الطويلة قد نجحت في قمع هذه الثورات بما لديها من قوة بوليسية تتمثل في المن المركزي والذي تنحصر كل مهمته في تحقيق الأمن السياسي أو بعبارة أكثر دقة في تأمين النظام السياسي والحاكم في مواجهة الشعب واستخدام الترهيب والقوة في حالة إذا مافكر في الخروج عليه أو إذا ما إنطلق إلي الشوارع وخرج من نطاق الفكر إلي نطاق الحركة.. وقد منح ذلك النظام قدر كبير من الإفراط في الوثوق في قوته والاستهانة بهذه الحركات الشبابية ولكن قد استطاع التويتر والفيس بوك في أن يتغلب علي الهراوة وعلي القنابل المسيلة للدموع وعلي المركبات والمدرعات.. من الأمور الأخري الجديدة في هذه الثورات هي أنها ثورات ذات موجات متتالية أي تصاعدية وأن الشعب قد اصبح كله مشترك أو محفز ويلبي النداء ولديه استجابة وقدر كبير في التحفز للخروج للتعبير عن رأية ورسم خريطة المستقبل له وهو مايؤكد علي أن عنصر الإرادة هو البطل في كل مايحدث وهو العنصر والمتغير المسيطر في هذه الثورات رغم ماتنطوي عليه من تضحيات وكذلك رغم الوضع الاقتصادي في هذه الدول وهو ماجعل توقعات السياسيين تبوء بالفشل إذ أنهم كاوا يرون أن الدافع الاقتصادي سوف يكون هو المحرك الرئيسي في عملي الحراك السياسي في هذه الدول التي تتسم بتدهور أوضاعها الاقتصادية والتي ترتفع فيها معدلات الفقر والعوز علي نحو كبير جدا ولكن ماحدث كان هو العكس إذ أن هناك قيما أخري قد أعليت وكان لها الباع الكبير في ذلك الحراك السياسي وهو تحقيق الديمقراطية والحلم بحياة أفضل في ممارسة الحقوق السياسية وتداول السلطة علي أسس ديموقراطية وهنا نجد أن الديموقراطية قد صارت أهم من الخبز بالفعل لدي المصريين رغم اختلاف البعض حول ذلك المفهوم؟ ويعني ذلك أننا لاننكر أهمية الملف الاقتصادي والأمني في تحقيق الاستقرار السياسي وتحقيق رفاهية الشعوب بل أنه يعد أحد الأهداف التي تأتي علي رأس الأولويات في أية ثورات.. أيا كان الأمر فإن مايحدث في مصر قد كان جديد وغريب وعكس تلك الطفرة الرائعة في سلوك المصري سوف تؤدي بالتأكيد إلي المزيد من التقدم وتعد أحد مصادر الفخر التي سوف يفخر بها تاريخ الحركة الوطنية في مصر نحو المزيد من الحرية والديموقراطية وممارسة الحقوق السياسية ومن المؤكد أنهذه الثورة25 يناير و30 يونيو وماتابعها تعد أفضل أو أكثر قوة من ثورة(1991) وثورة(1952) لأنها تعبر عن مرحلة أعلي بالكثير من الوعي السياسي عدي شعب مصر والذي تتمثل في عملية التلقائية في الخروج للتظاهر والتعبير عن رأيه دون خوف وكذلك أساليب التظاهر التي طرأ عليها قدر كبير من التقدم إذا أنها تستخدم آليات البعض من تقنيات وكذلك صور وأشكال التعبير التي أضافت مصادر جديدة للإبداع التي سوف ينسب للثورة أو يوصف بأنه إبداع ثوري.. ولكن علي الرغم من ذلك فقد كان هناك جزء في هذه التجربة ويمكن أن يدي إلي التأثير علي زهو هذه الثورة وقد يكون بمثابة نقطة سواد في تلك الصفحة الناصعة البياض وهي أن هناك فصيلا قليلا ولكنه ينتمي لشعب مصر قد جاء إلي الحكم وهو لديه حلمه وتجربته وقد أفسح له الباب وتم تمكينه علي أساس أنه سيحمل أهداف الثورة ويعبر عن طموحات شبابها في بناء دولة مدنية عصرية ولكنه الفكر العتيق الذي لديه قد كان له جذوره وعندما وصلوا إلي الحكم لم يكن لذلك الجديدة والذي ثار الشعب من أجله أية مكان وتم الإقصاء والاستقطاب وفي ذات الوقت الاستبعاد ومحاولة تلوين هذه الثورة وصبغها بصبغة غريبة عنها بالكلية وقد فشلت هذه التجربة مما استوجب أن يخرج الشباب لاسترداد ثورته.. وقد صنع موجة ثانية أعظم من الأولي فهو الذي صنعها أول مرة لذلك فهو قد كان بقادر علي أن يخرج لاستردادها في مواجهة تلك التجربة التي فشلت أو بتعبير أخر لم يكن لديها القدر من النضوج والخبر ة علي تحمل مسئولياته تجاه هذه التوقعات والاستجابة لها والذي خابت توقعاتها الذي ولكني عندما خرج الشعب لاسترداد ثورته ومواجتها بالأخطاء لم يستطيع ذلك الفصيل تقبل الأمر الواقع وعائد وعارض ورأي وفق قناعاته أن ذلك خروجا علي الشرعية بل والإسلام.. أختلط الحابل بالنابل واحتشدوا في أحد الميادين وأعتصمو به وقد باءت كل محاولات الحوار بالفشل. وكانت هناك الكثير من أعمال العنف الدموية سيما في ذلك شهر رمضان وعدم وجود استجابة من محاولات الاستقواء بالخارج وبعض الجماعات والحركات الجهادية مما ينذر بوقوع المزيد من أعمال العنف الدموية وانقسام مصر وإنزلاقها إلي حرب أهلية.. وقد كان أحد أسباب دعوة الشعب أي الأغلبية لتدخل الجيش لحماية مصر وهو مايعد أحد المواقف الصعبة للمؤسسة العسكرية المعروفة بعقيدتها الثابته في الدفاع عن الوطن وأمنه الداخلي والخارجي ولكن الأمر يزيد صعوبة لأن جميع الأطراف حتي الذين هم في الوضع الخطأ والذين يرون أنهم علي حق وأن مايقومون به ليس أعمال عنف أو أمور محرمة ومجرمة ولايقرها الدين الذين يرفعون رايته ويلتحفون به.. لذلك فمن السهل أن يقال إن المؤسسة العسكرية قد تدخلت وتورطت وقتلت مصريين ومسلمين وإراقة دماء مصرية.. لذلك كان لابد وأن يحتكم الجيش للشعب مرة أخري لكي ما مايدرأ هذه الشبهات.. لابد وأن يقاوم ذلك العنف ويؤمن المواطنين ولكن من المؤكد أنه لابد وأن تكون هناك صدامات ودماء وهنا يكمن الخوف وهي أن هذه الدماء تؤدي إلي المزيد من الدماء وقد يؤدي ذلك إلي نشر المزيد من التوتر وتعميق الانقسام في داخل المجتمع المصري في وقت نحن أحوج مانكون فيه للعبور من مأزق اقتصادي وسياسي وأن نضع رؤية لنظام سياسي عصري وديموقراطي تمثل فيه جميع الأطياف.. ولقد كان احتكام الجيش للشعب للتفويض أحد الخطوات الحضارية لكي مايصبح له الحق في حماية الشعب وأن يستخدم السلاح لمواجهة العنف حتي ولو كان من ابناء الوطن الذين غرر بهم وعلينا أيضا ألا نفتح أذاننا لكافة المحاولات من الداخل والخارج التي سوف تحاول توريط الجيش وتحمله تبعة ومسئولية إراقة دم مصري وعلينا أن ندرك أنه لم يكن أمامه أية خيارات وأن خيار مصلحة الوطن لابد وأن يسود ويعلو علي ماعداه.