سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكاتب الصحفي صلاح عيسي في حوار صريح جداً مع »الأخبار«: التيار الإسلامي عقبة رئيسية نحو الدولة الحديثة
ثورة 52 يناير.. گانت السبب في القضاء علي التصحر السياسي!
صلاح عيسى أثناء حواره مع محرر الأخبار منذ اللحظة الأولي لدخولي مكتبه اتفقنا علي ان يكون صلب الحديث خلال هذا الحوار، السياسة ثم الثقافة. ذلك لأن الكاتب الصحفي القدير صلاح عيسي أخبرني وأيدته فيما نقله إليّ.. من أننا قد شبعنا من الحديث عن الماضي وعن النظام السابق وعلينا ان نتحدث كثيراً عن المستقبل خاصة في جانبه السياسي. ومع ذلك فقد تخلل هذا الحوار المهم لقطات من الماضي القريب من أجل ربطه بالماضي والمستقبل. هذه اللقطات التي اعتبرها صلاح عيسي مجرد ومضات ضوئية تنير لنا طريق حديث المستقبل والذي برع فيه بجدارة نظراً لما يتسم به من ثقافة واسعة في كل مجالات حياتنا خاصة تاريخ مصر وحوادثه، وقد تجلي ذلك بوضوح فيما أثاره من قضايا وما أدلي به من كلمات وموضوعات وآراء هي في غاية الأهمية وإليكم التفاصيل. أريدك ووفق رؤيتك عن حديث المستقبل ان تصف لنا ماذا يحدث في مصر الآن؟! أعتقد أن ما يحدث في مصر اليوم.. هو حالة من الارتباك الشامل.. ولكنها حالة طبيعية. وماذا يعني ذلك؟! ان هناك حالة من التشوش لدي كل الأطراف، هذه الأطراف تساهم في ارباك بعضها البعض، وليست لديها رؤي واضحة بالنسبة لخطوات المستقبل وكل ذلك للأسباب المعروفة والتي يأتي في مقدمتها ان ثورة 52 يناير اعتمدت علي الانفجار العفوي في الشارع وفي العادة فإن الثورات العفوية يكون لها مخاطرها الكبيرة وغير المتوقعة وبالتالي فإن كل الأطراف قد اندفعت من أجل تحقيق هدف واحد وكان واضحاً ومطلوباً ومشروعاً في ذلك الوقت وهو ان النظام السابق قد انتهي عمره الافتراضي وانه لابد من ازاحته من أجل ان نفتح الطريق لمستقبل مختلف ولكن الاتفاق حول ملامح هذا المستقبل وحول طبيعة النظام الذي يجب أن يحل محله وكيف يمكن الوصول اليه لم يكن ماثلاً بشكل كاف في أذهان الذين قاموا بهذه الثورة. الإيجابيات والسلبيات إذن هذه الثورة قد اتسمت بالتلقائية فما هي ايجابيات وسلبيات هذه التلقائية خاصة في الأداء؟ طبعاً ان الخطورة هنا تكمن في أن الجميع يفقدون السيطرة علي الحدث الثوري، بعد حدوثه أو حتي اثناءه ومن حسن الحظ في تقديري ان الشعب مسكون بداخله مثل العديد من الشعوب المرتبطة بالحضارات النهرية بشكل عام الاستقرار. وهذا الذي دفع الثوار اثناء الثورة الي رفع شعارات سلمية.. سلمية وهي شعارات عبقرية وقد نجحوا في ان ينقلوها الي كل الاطراف الأخري المشاركة في هذه الثورة. لقد اتفقنا ان يكون الحديث بيننا خلال هذا الحوار فقط عن المستقبل ولكن هناك ومضات تلقي بظلالها علي هذا المستقبل خاصة في الماضي القريب ولذلك أسألك هل توقعت ثورة 52 يناير؟! المشكلة في مصر قبل الثورة انه كان هناك مستويان من المعارضة والرفض للنظام السابق.. المستوي الأول هو المستوي السياسي والذي كان يمثله النخب الثقافية والفكرية هذا الفريق كان يري ان الاشكالية تتعلق بطبيعة النظام السابق القائم علي عدة ظواهر منها القهر ودمج كل السلطات في يد رئيس الدولة، هذه الاشكالية هي التي كانت تشغل بال النخب السياسية والثقافية والفكرية وكانت تحمل لواء المعارضة بشدة وبقوة ولكن بلا فاعلية بسبب المستوي الثاني او الآخر والذي كان يتمثل في تلك المعارضة الاجتماعية والاقتصادية من جانب الشعب كله من جراء الفساد والطغيان. اختفاء الاتفاق معني ذلك أنه كان بين هذين المستويين تنافرا؟! لم يكن هناك تنافر.. بل عدم اتساق واتفاق وبالتالي فقد توقعت ان الحادث الثوري سوف يحدث وهذا كلام أقوله منذ عهد السادات، حين تأتي اللحظة التي يحدث فيها تلازم أو اشتباك بين هذين التيارين، بين المعارضة الشعبية والنخب السياسية او عندما تشعر هذه المعارضة الشعبية بأن حل كل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها مرتبط بتحقيق المطالب السياسية وهذا ما حدث وبشكل مفاجيء يوم 52 يناير!. وهل في رأيك ان النظام السابق كان لديه مثل هذه التصورات؟! أظن أنه كانت بداخله أجنحة تحاول أن تلفت النظر إلي ضرورة أن يتولي الرئيس السابق إصلاح الوضع وتغييره، وإذ لم يقم بذلك فإن الأمور سوف تفرض نفسها عليه. ولماذا لم يكن يأخذ بآراء هؤلاء؟! كانت هناك أسباب معروفة تتعلق بنوع الطبقة السياسية التي التفت حول النظام خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة وهم بطبيعة الحال طبقة رجال الأعمال اضافة الي زيادة نفوذ أجهزة الأمن مع اختلاط فكرة تزاوج رأس المال مع السلطة ثم اختلاطها مع فكرة التوريث وبالتالي فإن كل هذه الأمور حالت دون ان تكون هناك رؤية لدي النظام السابق لما يحدث في الشارع بالاضافة الي عامل شخصي مهم وهو ما كان يتصف به مبارك من العناد!!.. وهو عيب ظل يتكشف بشكل أوضح أخيراً. هذا العناد الذي تولد عنه عدم قبول الآراء الأخري ودعني أذكر لك واقعة كنت أحد أطرافها أنه في عام ربما 8002 أو عام 6002 التقيت بالرئيس السابق والمرحوم محمد السيد سعيد علي هامش لقائه بالمثقفين في معرض الكتاب. ودار بيننا وبينه حوار حول ضرورة تعديل الدستور ومن قبل أن يتم تحقيق هذا التعديل.. ذلك لأن كل الأوضاع في مصر قد تغيرت أيضاً. وللأسف رفض بعناد هذه الآراء وأخذ يذكر لنا تبريره لهذا الرفض وكانت تبريرات غير مقنعة. رغم انه استمع لنا بإنصات واهتمام ونحن ننصرف من أمامه قال لنا بالحرف الواحد: أنا مش هعمل حاجة بشأن هذا التعديل.. إبقوا إعملوه انتم بعد ما أموت!!.. ورغم ذلك فإنه قد أقدم علي إجراء هذا التعديل وبعد فترة زمنية. كم مرة قابلت فيها مبارك؟! إحنا مش اتفقنا من البداية أنه لا حديث عن الماضي.. انني قد كتبت كل ما سوف تسألني عنه موجود حتي علي شبكة الانترنت. مشاكل اليوم دعنا من قبل حديث المستقبل نتطرق إلي الواقع ولذلك أسألك عما تراه من مشاكل خطيرة بدأت تطل برأسها بعد نجاح ثورة 52 يناير؟!.. فما هي طبيعة هذه المشاكل وكيفية حلها؟! أول مشكلة ان القوي التي قامت بهذه الثورة هي قوي غير منظمة وغير موحدة الرؤيا.. ولم يكن لديها مشتركات ولم تكون هذه المشتركات من قبل انطلاق هذه الثورة ولا حتي خلال الثمانية عشر يوماً التي سبقت سقوط النظام لقد كان هناك 3 فصائل رئيسية الأولي يمثلها شباب الفيس بوك الأكثر عصرية من حيث الآراء وهم المفجرون الحقيقيون لهذه الثورة رغم قلة خبراتهم السياسية اما المجموعة الثانية والتي انضمت لهذه الثورة بعد أيام يمثلها التيار الإسلامي ومنهم الإخوان المسلمون وهم عناصر منظمة ولديهم مشروع محدد الرؤية والأهداف أما المجموعة الثالثة فكانت تمثلها الجماهير الشعبية وسكان العشوائيات وهؤلاء إنضموا الي ميدان التحرير بدون رؤية سياسية أكثرهم ذهبوا الي هناك من اجل التعبير عن سخطهم. هؤلاء هم الذين اعطوا زخماً جماهيريا واسعاً لهذه الثورة. موقع البلطجية وأين موقع البلطجية داخل هذه الفصائل الثلاث؟! ان المشكلة الأساسية في ظل الاعتماد علي اي عمل شعبي وعفوي هو انه يمكن ان يجتذب فئات مما نسميهم بهوامش الطبقات او العناصر المتمردة والساخطة. وهذه العناصر تنتهز فرصة وجود صدام بين السلطة القائمة وبين الثوار ومن ثم فهي تسعي من اجل استغلال هذا الفراغ لأسباب تتعلق بطبيعة تفكيرها وأهدافها.. من حيث السلب والنهب والخطف. وهل تري أن شيوع عامل الفقر كان دافعاً لتحريك هذه الفئة لارتكاب هذه الاعمال المسيئة للثورة؟! طبعاً ربما تكون هناك عناصر فقيرة قد انضمت لهؤلاء ولكن في حقيقة الأمر فإن هؤلاء البلطجية في الأصل عناصر محترفة الاجرام أضف الي ذلك ان هذه الفئة الخارجة علي القانون يمكن ان تشجعها عناصر أخري. وعايز اقولك ان ذلك قد حدث في كل الانتفاضات الشعبية التي مرت بمصر أو التي مرت بها بعض البلاد العربية مثل العراق. نريدك ان تستكمل لنا حديث مشاكل الحاضر.. فما هي؟ أقولك.. إن الأمر يتعلق بهذه الفئات الثلاث التي ذكرتها لك منذ لحظات والتي لم تتفق حتي اليوم علي رؤية مشتركة أثناء وجودها في ميدان التحرير، وكان كل طرف من هؤلاء الأطراف الثلاثة حريص علي ألا يظهر نقاط الخلاف مع الفئات الأخري.. وقد تجلي ذلك في حرص كل فئة من هؤلاء ألا يرفعوا شعارات تتناقض مع شعارات الآخرين!.. وهذا معناه أنه كان هناك اتفاق ضمني ألا نفتح باب الخلاف حتي يتم اسقاط النظام. ولكن بعد ان تحقق هذا الهدف بسقوط النظام بسهولة يرجع سببها لانحياز القوات المسلحة للثوار وبالتالي بدأت تظهر المشاكل الحقيقية والتي تمثلت في هذا الخلاف الكبير بين هذه الفئات خاصة فيما يتعلق بالمستقبل. وماذا عن نتائج هذا الاختلاف وهذه التناقضات؟! حدث ان كل فئة أخذت تتصرف وحدها دون الآخرين. وهل المسئول عن ذلك ما كنا نعاني منه من قصور ثقافي؟! هذا ناتج عن تصحر سياسي عاشته مصر خلال الستين عاماً الماضية هذا التصحر اصبح هو المسئول عن ظهور ما كنا نسميه بالأغلبية الصامتة.. وكان أيضاً هو المسئول عن اختفاء الحراك السياسي القوي، نظراً لتحجيم دور الأحزاب وقانون الطواريء ومصادرة الحقوق الأساسية للشعب، مثل حق التظاهر والاضراب. التصحر السياسي! وبصراحة شديدة أسألك وعليك الاجابة.. من المسئول عن ظهور هذا التصحر السياسي الذي أشرت إليه. المسئول الأول هو النظام.. لأنه بُني علي ذلك، أو بني علي فكرة ان هناك تناقضا بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية ومنذ عام 2591.. أو من قبلها أصبحنا وفق هذه الفكرة أمام خيار شرير أو خيارات شريرة من بينها.. انه اذا ما أردتم حكومة قوية تفرز تنمية اقتصادية واجتماعية طيبة، فعليكم بالصمت وعدم المطالبة بالديمقراطية السياسية أو عليكم اختيار العكس وقد استمر هذا الخيار الشرير، بعد ما قبله الشعب المصري، إلي ان ظهرت عيوب هذا النظام الشرير.. ونتائجه المؤسفة مثل هزيمة 76.. عندئذ بدأ الانسان المصري يستعيد رغبته في التظاهر وفي الممارسة السياسية. إذن.. هل توافقني الرأي بأن هذا التصحر السياسي كان بموافقة وقبول الشعب المصري نفسه؟! تقدر تقول انه حدث ذلك في فترة من الفترات ثم بدأ يتمرد عليها ولكن هذا التمرد قد استغرق وقتا طويلاً وبالتالي فقد جاء متأخراً ولذلك اعتبر ان اهم ما انجزته ثورة 52 يناير ليس اسقاط النظام ولكن استدعاء الأغلبية الصامتة من اجل الاهتمام بالعمل العام، بالتالي تعود مرة أخري من أجل أن تمارس السياسة سواء نجحت هذه الثورة في اسقاط النظام أو لم تنجح اذ هذه الثورة قد ادت إلي صحوة جديدة للشعب المصري الذي انتبه لرفض هذا التصحر السياسي وهذا يبدو بوضوح في أن المواطن العادي اليوم أصبح يتحدث في السياسة وفي الشأن العام وبالتالي فعلي كل الأنظمة القادمة ان تحول دون رجوع هؤلاء الناس الي دائرة الصمت من جديد. وماذا أيضاً عن الحاضر الذي نعيشه الآن؟! المشكلة في حقيقة الأمر اننا مازلنا نعيش في حالة ارتباك شديدة.. حيث اربكنا بعضنا البعض فالثوار مرتبكون ومختلفون فيما بينهم البعض وغير منظمين بالقدر الكافي ولا يوجد بينهم في داخل كل فصيل من الفصائل الثلاثة التي حدثتك عنها من قبل أرضية مشتركة حتي في مجال الحوار. وهل أنت مع فكرة تأثير الاجندات الأجنبية ودورها فيما يحدث الآن؟! دعني أكمل لك الفكرة السابقة ان التيار الاسلامي الذي هو أكثر تنظيماً رغم اتصافه بالتشتت فهو يعاني كذلك من هذه الخلافات وهذا التناقض وبالتالي فنحن بذلك نربك الادارة والحكومة والمجلس العسكري وهم بداخلهم أنهم تولوا مسئولية لم يكونوا مؤهلين لها والمفاجأة هنا ليست في هذا التناقض فقط بل في عدم وجود اجماع وطني أو مشتركات وطنية بين كل هذه القوي ويستطيع من خلالها ان يعرف الاتجاه الغالب وبالتالي يعمل معه وينفذ مطالبه وهذا ربما ادي الي ما نسمع اليوم من ان الحوارات بين قوي الثورة وبين المجلس العسكري وبين الحكومة قد شجبت أو قلت وربما تكون قد انقطعت وهذه ظاهرة اعتقد انها خطيرة وبالتالي علينا ان نعيدها الي مسارها الطبيعي مرة أخري ولكن علي قاعدة تنظيم جماعات سياسية، وليس كأفراد اما فيما يخص سؤالك السابق عن تأثير الأجندات الأجنبية فيما يحدث في مصر الآن.. فأنا لا أميل لمثل هذا القول.. لأنني دائماً أقول إنه سوف نكون من السذاجة ألا نتصور ان هناك قوي أجنبية تلعب من أجل أن يكون لها دور في مصر نظراً لأننا دولة قوية وكبيرة ومؤثرة في المنطقة والمشكلة الأساسية دائماً.. ان نخطيء نحن فنعطي للقوي الأجنبية فرصة كي تتدخل أكثر.. ومن هنا علينا ان نحذر وأن يكون جزء من هذا الحذر هو السعي نحو سد كل الثغرات التي يمكن أن تنفذ منها هذه القوي المضادة، سواء كانت قوي أجنبية أو داخلية مثل الفلول.. وفي رأيي ان من الثغرات الكبري التي نعيشها الآن هي العجز عن التنظيم والعجز عن التوصل المشترك بيننا واذا ما نجحنا في سد هاتين الثغرتين فلا خوف علينا من أي أجندة أجنبية. الديمقراطية ممارسة ومازلنا في رحاب الحاضر ولذلك نسألك.. ما رأيك في الممارسة الحزبية الآن؟! وهل سوف تساهم في انعاش حياتنا السياسية؟! علينا أولاً أن ننطلق من قاعدة وهي ان الديمقراطية ممارسة. وبالتالي أقولك. إن التجربة الحزبية الحالية لن تؤتي ثمارها رغم اطلاق حرية التنظيم وكل الحريات العامة.. بشكل سريع خاصة في المرحلة القادمة. وما هي الأسباب؟ أولاً الأحزاب التقليدية الأربعة والمعروفة والتي تكونت قبل الثورة.. قد لعبت دوراً مهماً جداً في هذا وأن الهجوم عليها وعلي ما قامت به ينطوي علي ظلم واعتبر أن هجوم شباب الثوار عليها هو نوع من انكار دور الآباء ذلك لأن هذه الأحزاب كانت هي رأس الحربة باعتبار انها كانت وحدها تحارب في الشارع في ظل النظام السابق، في الوقت الذي كان فيه هؤلاء الشباب وغيرهم ينتمون الي الأغلبية الصامتة ولا ينتمون لهذه الاحزاب ولم يكن لهم اي نشاط سياسي أضف إلي ذلك أن السلطة التي كانت قائمة كانت تحاصر هذه الأحزاب والتي مازالت تعاني من فترة التصحر السياسي. ثم الأحزاب الجديدة يتزعمها او يقودها شخصيات بعضها مارس السياسة والبعض الآخر كان بعيداً عن السياسة.. وبالتالي فهي مازالت بلا تأثير جماهيري حقيقي. أيضاً هناك ظاهرة مهمة وكبيرة وهي ظاهرة تأثير رأس المال علي العمل الحزبي اذ أصبح العمل السياسي يحتاج الي أموال. وهل هذه ظاهرة طبيعية؟ هي ظاهرة طبيعية في حالة واحدة فقط، عندما تدرك جماهير الحزب بأنها مطالبة بالانفاق عليه.. وهناك جزء كبير من عيوب الحركة الحزبية الحالية وهي أن الجميع يتصورون أن العمل الحزبي لابد من وجود جهات أخري تموله سواء الجهات الحكومية أو رءوس الأموال. المال والسلطة وهل ذلك يجعلك تخشي ظهور ما أسميناه بظاهرة التزاوج بين المال والسلطة؟ طبعاً.. احتمال عودتها من جديد موجود ولا نستطيع أن ننفي المهم لرجال الأعمال في مصر الآن.. ولا نستطيع ان نصف ما يقومون به حتي في حياتنا السياسية بأنه عمل سلبي ومع ذلك لابد ان نرجع هنا للأساس والذي يقوم علي فكرة ان العمل السياسي هو عمل تطوعي وغير مأجور وأن الذي يشتغل به يجب عليه ألا ينتظر أجراً.. بل عليه ان يضحي بجزء من وقته وماله!. وهل هذه الصورة غير موجودة في مجتمعنا الآن؟ أعتقد أنها موجودة.. ولعلي اري ان الثوار من الشباب هم كذلك وايضاً الشهداء الذين راحوا ضحية هذه الثورة. ما هو الطريق الذي تراه صالحاً من أجل أن تساهم الأحزاب في انعاش حياتنا الثقافية؟! إننا نعيش اليوم في حالة من الخلاف بين هل نجري الانتخابات حالاً.. ام نرجئها!.. لدينا الآن اتجاهان لكل ذلك.. الأول يضم الاتجاهات الليبرالية والتي تنادي بالتأجيل والثاني يمثله التيار الاسلامي الذي يري ضرورة الاسراع في إجراء هذه الانتخابات حتي لا نعطي الفرصة في أن تكون السلطة جاذبة للعسكريين فتتكرر تجربة عام 45 وبالتالي يظل العسكريون في الحكم وبذلك فقد أصبحنا أمام إشكالية جذرية مطلوب حلها وعلي فكرة المطلوب حله الآن وقبل الغد هو التوصل الي توافق وطني حول الخطوط العامة والمشتركة لطبيعة الدولة أو لطبيعة النظام السياسي الذي نسعي لتأسيسه من أجل أن يحل محل النظام السابق.. وإذا ما توصلنا إلي هذا التوافق نستطيع ان نحل كل المشاكل المتعلقة وبكل هذه المسائل وعلي فكرة انني من بين الذين أيدوا السعي نحو وجود مباديء حاكمة للدستور.. هذه المباديء التي تعني توصلنا إلي توافق وطني حول شكل الدولة التي نبغيها. جربنا الحوار وكيف لنا أن نصل إلي تحقيق هذا التوافق؟ لقد جربنا الحوار ولكن المهم ان كل الأطراف لابد لها من ان تتنازل هذا التنازل سوف يقودنا الي تحقيق هذا التوافق الذي نسعي إلي تحقيقه من منطلق ان الاشتراك علي المتفقات الوطنية لا يعني مصادرة حق الآخرين في التعبير عن آدائهم فيما يتجاوز هذه المشتركات لأننا نسعي للتوصل إلي الأسس التي يجب أن تبني عليها الدولة المصرية الحديثة وفي رأيي ان التيار الإسلامي الآن هو الذي يشكل عقبة حقيقية كما كان كذلك في الماضي. ولماذا؟! في الماضي التيار الإسلامي سواء الجناح المتشدد منه والذي اتجه لممارسة العنف أو الجناح الديمقراطي الذي كان يرفض العنف كلاهما يصر علي الدولة الدينية وبالتالي كانوا يعطون زريعة للأنظمة الاستبدادية سواء في مصر أو في العالم العربي من أجل تأجيل الديمقراطية.. وأيضاً للتخويف وعايز أقولك اكثر من ذلك ان التيار الاسلامي لم يكن فزاعة بل كان فزعاً حقيقياً من هنا تسببوا في تأخر التطور الديمقراطي رغم ان هذه الانظمة كانت بالفعل استبدادية وتبحث عن الذرائع وقد مثلوا هذه الذريعة وحين تمت تصفية الجناح العنيف، ظل الوضع علي ما هو عليه، إلي ان حدثت هذه الثورة.. ومع ذلك مازالوا يشكلون مخاوف لا تقتصر علي الاقليات الدينية، ولا علي القوي المدنية ولا علي النخبة المثقفة الحريصة علي الحريات العامة بل تشمل فئات من المواطنين الذين يعملون في أنشطة يراها هذا التيار علي خلاف افكارهم مثل السياحة والفن والإعلام.. ومن هنا فهم مطالبون فعلاً بأن يقدموا تطمينات حقيقية وهي في رأيي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. وهل يملك التيار الإسلامي تقديم مثل هذه الضمانات؟ ان مشكلتهم الحقيقية انهم تشددوا امام جماهيرهم من اجل كسب المزيد من المؤيدين في صفوفهم لذلك حين جاء أوان الاجتهاد نجدهم يخافون من هذا الاجتهاد وقد تجلي ذلك مؤخراً عندما أعلن رئيس وزراء تركيا انه ليس هناك خلافة اسلامية ويقترح ان يكون الدستور المصري علمانياً مثل ما حدث في تركيا. في ظل هذه المعطيات.. هل انت تخاف من المستقبل؟ تقدر تقول انه من الناحية العلمية انا علي المدي القريب متشائم وعلي المدي المتوسط متشائل وعلي المدي البعيد متفائل! وذلك لأنني علي يقين من اننا سوف ندخل في تجارب غير معلومة النتائج والمجلس العسكري في آخر بيان له قال ان الوطن في محنة! وهذا صحيح اننا الآن في محنة.. وهذا يقابله شيء كبير من المخاوف.. إذ من الممكن ان نتعرض للأعراض الجانبية السيئة في الانفجارات العفوية الشعبية التي تسود خلالها الفوضي وتعطيل الانتاج ومع ذلك ففي تقديري اننا حصلنا علي مكاسب كبيرة من الثورة كما في تقديري ايضاً انه نظراً لأن الديمقراطية ممارسة فإن الشعب المصري سوف يتعرض لمحنة الديمقراطية وعليه بالتالي التجربة. نريدك ان تحدثنا اكثر عما اسميته بمحنة الديمقراطية؟! اننا الآن أمام ظاهرة من ظواهر هذه المحنة والمتمثلة في اننا اتفقنا علي ألا نتفق!!.. لقد اصبحنا في وضع يظهرنا أننا غير متفقين علي اي شيء مع اختفاء التفاهم بيننا وبين بعضنا ومع السلطة الادارية والمجلس العسكري ومن هنا أقولك.. انني أري من الضروري استمرار التحالف بين الثوار وبين المجلس العسكري لمصلحة مصر وهو بذلك يعتبر ضرورة حياة بالنسبة لنا في مصر وهذا التحالف لا يجب لأحد ان يتصدي لفضه وحتي لو كنا سنختلف لأن البديل لذلك ان تتفكك الدولة وتنهار وكذلك علينا ان نسعي لتحقيق ذلك التوافق الوطني خاصة بين القوي السياسية والثورية الموجودة وبين المجلس العسكري في ظل حوار ديمقراطي مستمر بما يحول دون حدوث الوصول الي الصدام العنيف من هنا علينا ان نحمل فوق رءوسنا شعار سلمية.. سلمية ولا نتخلي عنه أبداً. وهل غياب الثقافة في ظل ديكتاتورية النظام السابق.. هي المسئولة عما وصلنا اليه من حال الآن؟ أعتقد انه لم تكن هناك ديكتاتورية في المجال الثقافي خلال النظام السابق ان لدينا في مصر اشكالية حقيقية والمتمثلة في وجود 05٪ من الشعب يعاني من الأمية وعدم الاعتناء بالثقافة أضف الي ذلك مشاكل التعليم والزحف الأصولي الذي أفسد عقول أجيال من المصريين. دعنا نختتم هذا الحوار ونسألك.. هل فشل المثقفون في التصدي لما عانينا منه في ظل النظام السابق؟ إن لدينا فكرة غريبة وشائعة حتي في أوساط المثقفين. إنني أؤكد لك أن كل ما بني في مصر حتي من أيام محمد علي وحتي هذه اللحظة قد بناه المثقفون.