عاش إسماعيل وأمه هاجر في مكة, بجوار زمزم, وذات يوم مرت بهم قبيلة جرهم العربية, وكانوا بدوا يرحلون بحثا عن الماء والعشب فأرادوا أن يبقوا بجوار زمزم, فاستأذنوا هاجر أن يقيموا معها, فاستمهلتهم حتي تستأذن إبراهيم الخليل, فأقاموا قريبا منها, فلما جاء إبراهيم, فرح بهم وأذن لهم بالمقام في مكة, فنشأ بينهم إسماعيل, وتعلم لغتهم وتخلق بأخلاقهم, حتي إذا شب عن الطوق وبلغ مبلغ الرجال, يقول تعالي: فلما بلغ معه السعي قال يابني أري في المنام أني أذبحك. رؤيا الأنبياء حق, وهي وحي من الله تعالي, وإبراهيم مأمور بما رأي في منامه, ولايملك إلا الرضا والتسليم لأمر الله, وكان إبراهيم قد رأي أنه يذبح ابنه وحيده إسماعيل قربانا لله, فانتبه من نومه مذعورا واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم, ولكن الرؤيا تكررت في ثلاث ليال متوالية, فأدرك أنه وحي من الله فقال الخليل لابنه: يابني إني أري في المنام أني أذبحك هكذا بثبات وتسليم لايصدران إلا من نبي أواه حليم, فيالله, هذا إبراهيم الشيخ الكبير الذي انتظر سنين حتي يرزق بالولد, ولما أن كبر الولد وصار رجلا, يأتيه الأمر الإلهي بأن يذبحه ويضحي به, فهل تردد؟ هل سأل الله أن يبقي ابنه ويأخذه هو؟ لابل استجاب مسلما أمره إلي الله, ثم قال لابنه: فانظر ماذا تري إنه لايشاوره ولا يأخذرأيه فليس لمسلم اختيار في قضاء الله وأمره, وإنما يعرض عليه الأمر كأنه امر اعتيادي, كان يمكن أن يأخذه علي غرة ويذبحه ولكنه يريد لابنه الثواب العظيم, ثواب الطاعة والتسليم لأمر الله, وكان الابن عند حسن ظن الأب, قال إسماعيل لأبيه يا أبت افعل ماتؤمر فأنا راض بقضاء الله, موقن برحمته وأنه لايقدر إلا الخير ستجدني إن شاء الله من الصابرين فالله هو المعين والقادر علي مدنا بالقوة اللازمة لتنفيذ أمره, وهو وحده صاحب الفضل في كل أعمالنا الخيرة. ويبدأ التنفيذ, يأخذ إبراهيم ولده, ثمرة فؤاده, ويبتعد به حتي لاتشعر الأم بما يحدث, وبرضا تام وطمأنينة كاملة, أضجعه علي جبينه, وإسماعيل مستسلم لقضاء الله, لايتحرك ولايقاوم, ويقول لأبيه: يا أبي اكفف عني ثوبك حتي لا يتلطخ من دمي فتراه أمي وأسرع مر السكين ليكون أهون للموت علي, فإذا وصلت إلي أمي أقرئها السلام فيضمه إبراهيم قائلا: نعم الولد أنت يابني علي تنفيذ أمر الله. ويمرر إبراهيم السكين علي رقبة الغلام المستسلم, وهنا تتدخل يد العناية, فكما أمر الله النار أن تكون بردا وسلاما علي إبراهيم أمر السكين فلم تقطع, وسلب عنها خواصها, ليعلمنا أن الفاعل الحقيقي هو الله, هو مسبب الأسباب, وهو القادر وحده علي تعطيلها, وانتهي الامتحان الإلهي, وتحققت غاياته, وظهرت نتائجه, اجتازها الخليل وابنه الذبيح بنجاح عظيم, وجاءت البشري من فوق سبع سماوات ونادي المولي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وقد أحسنت وابنك في التسليم لأمر الله فجزاؤك الرضا والجنة ومقام في عليين, إنا كذلك نجزي المحسنين وانظر إلي السماء فهذا جبريل يحمل كبشا عظيما رعي عشب الجنة أربعين سنة, وخذه فاذبحه فداء لإسماعيل,وفديناه بذبح عظيم وتحليدا لهذا الذكري الطيبة, مضت سنة النحر في عيد الأضحي, تذكيرا بهذا الحادث العظيم, الذي هو مثال نادر لحقيقة الإيمان وجمال الطاعة, وعظمة التسليم,لنقتدي بأبينا إبراهيم, الذي نتبع ملته, وأورثنا نسبه وعقيدته, القائمة علي توحيد الله والاستسلام لقدره في رضا وثقة.