حذر الناشط الحقوقي نجاد البرعي من افساد حالة الحراك السياسي في مصر عبر تلقي بعض ناشطيها تمويلات من جهات ومنظمات أجنبية, واصفا أي تغيير سياسي يحدث نتيجة تدخلات أجنبية بالتغيير الصناعي مستشهدا بالتغيير الذي جري في دول أوروبا الشرقية إذ سقط مع أول انتخابات ديمقراطية حقيقية لأنه لم يكن نابعا من الشعوب نفسها, وكان استجابة لاجندات خارجية لتحقيق مصالح دول اخري. وطالب البرعي بالفصل بين العمل السياسي والحقوقي وعدم الخلط بينهما, واستخدام ابواب خلفية, بإنشاء منظمات ومراكز حقوقية يديرها نشطاء سياسيون لأنها تضر بالحركتين السياسية والحقوقية. وقال ان علي الناشط السياسي ألا يتلقي أي تمويل من جهات أجنبية, فهذا تحايل علي القانون الذي يحظر في العالم كله علي السياسيين تلقي أي منح أو تمويلات لأنشطتهم. وأضاف في مقابلة مع الأهرام المسائي انه علي الحقوقيين ان يكونوا حذرين في عدم الخلط بين العمل السياسي والحقوقي, لأن أي خلط يخرجهم من تحت مظلة الاعلان العالمي لحقوق الانسان, مؤكدا ضرورة ان يحافظ الحقوقي علي مسافات متساوية بين كل المتنافسين السياسيين. فيما يلي نص الحوار: * هل يجوز الخلط بين العمل الحقوقي والسياسي؟ ** طبعا لا, لأن الناشط السياسي هدفه الوصول إلي الحكم, والحقوقي لا يهمه من يحكم, لكنه مهتم بطريقة الحكم, والحقوقي يجب عليه ان يحافظ علي مسافات متساوية بينه وبين كل أفراد اللعبة السياسية, ان جاز التعبير, ولهذا اعترض علي وجود وزارة لحقوق الإنسان, لأنه لا يجب علي الحقوقي المشاركة في أي عملية سياسية. * لكن هناك من يجمع بين العمل السياسي والحقوقي؟ ** هذا خطأ, ويضر بالعملية السياسية والحقوقية وفي عام1990 دارت نقاشات حادة بين مجلس أمناء المنطقة المصرية لحقوق الانسان, وكان هناك اقتراح بمنع من يعمل في السياسة أو أعضاء الاحزاب من الانضمام إلي مجلس الأمناء, ورفض أعضاء الاحزاب والمشتغلون بالسياسة ووصفوه بأنه نص غير دستوري, وهو ما تسبب في الانعكاسات التي حدثت في الجمعية العمومية المنعقدة في نهاية1993, وقيل وقتها انها مواجهة بين الماركسيين والناصريين, وهي دلالة علي خطورة الجمع بين العمل الحقوقي والسياسي * لكن البعض يعتبر ان ادانة الحقوقيين لجريمة التعذيب أو المطالبة بتغيير قوانين عمل سياسي؟ ** هذا كلام يراد به باطل, الحقوقي يعمل من أجل المجتمع كله, وجريمة التعذيب تحدث في حق المجتمع, والمطالبة بتغيير قوانين مكبلة للحريات, أو معوقة للعمل السياسي هو عمل من أجل التنمية السياسية في العمل كله. * لكنك في الاساس ناشط سياسي؟ ** نعم, لكنني عندما انضممت إلي مجلس أمناء المنظمة المصرية قمت بتجميد كل أنشطتي الحزبية, حتي أكون علي الحياد من كل المشتغلين بالعمل السياسي. الا يعتبر قيام بعض النشطاء السياسيين بتأسيس جمعيات ومراكز حقوقية تحايلا علي القانون الذي يمنع تمويل النشاط السياسي من جهات أجنبية؟ ** أي ناشط سياسي يعمل في المجال الحقوقي لا يجوز له ان يتلقي أي تمويلات خارجية, حتي لو كان يدير مركزا أو مؤسسة حقوقية, وهي مسألة ضمير قبل ان تكون قانونية, فالحقوقي يتلقي تمويلا من أجل التنمية السياسية في المجتمع كله, من أجل الحزب الوطني, والتجمع, والناصري, والوفد, وتمويل المنظمات الحقوقية مسموح به في العالم كله, أما الحركات السياسية فتمويلها مجرم أيضا في العالم كله, ولا يستطيع أي سياسي أمريكي أن يحصل علي دولار واحد من الخارج لتمويل أي نشاط سياسي. * وما النتائج التي تترتب علي تلقي النشطاء السياسيين منحا أجنبية لتمويل انشطتهم؟ ** هنا يصبح التغيير والحراك صناعيا, ويفسد العملية السياسية, كما ان السياسيين الذين يتحايلون ويحصلون علي تمويل للنشاط السياسي من خلال مؤسسات حقوقية لا ينطبق عليهم الاعلان العالمي لحقوق الانسان, وليس من حقهم الحصول علي حقوق النشطاء الحقوقيين. * وما رأيك في المراكز الحقوقية التي تدعو وتشارك في مظاهرات سياسية؟ ** كارثة, الحقوقي يراقب المظاهرة, ويراقب سيرها ويتأكد ان المتظاهرين لم يتعرض لهم أحد, لكنه لا يشارك فيها, كيف نراقب مظاهرة ونشارك فيها؟, كيف نصبح حكما وخصما في الوقت ذاته * هناك اتهام واضح لنشطاء سياسيين بتلقي تمويل من جهات أجنبية ودولية لتمويل المظاهرات والاعتصامات فما الدور الذي يجب ان تقوم به المنظمات الحقوقية؟ ** أولا الأنشطة ذات الطبيعة الاحتجاجية يجب أن تمول نفسها من خلال قيادتها وناشطيها, وعلي المنظمات الحقوقية ان ترصد ذلك, وتتأكد انه لا يتم استخدام أي أموال أجنبية في تصعيدها, وتعرف كيف تستمر هذه الاعتصامات والاحتجاجات دون ان يستغلها أحد في تنفيذ أجندات دولية لا علاقة لمصر بها, ثم ان مصر لا يمكن فيها اعادة تجربة أوروبا الشرقية, وكما ذكرت ما يحدث نتيجة التمويل الاجنبي يصبح حراكا سياسيا صناعيا لا أرضية له, والدليل ان الاحزاب التي صعدت للحكم في أوروبا الشرقية سقطت في أول انتخابات ديمقراطية كما حدث في أوكرانيا, أو بثورات شعبية مضادة كما حدث في قيرغستان. * وهل تنتبه الحركة الحقوقية لذلك؟ نعم تنتبه, وهناك عدد من كبار الحقوقيين بدأوا ينظرون إلي مسألة تمويل النشطاء السياسيين عبر مراكز ومؤسسات حقوقية, ويرون انها تؤدي إلي تأخر التطور الديمقراطي, كما انهم يعلمون ان هذه الأنشطة تسيء إلي الحركة الحقوقية, وقد تتسبب في ان تمنع الدولة التمويل من اساسه, فيفقد المجتمع الأنشطة الحقوقية, وهم يرفضون تمويل النشطاء, أو إقامة أي أنشطة ممولة مع الاحزاب حتي لو كان من أجل انتخابات نزيهة, وعلينا أن ننظر إلي معركة حزب الوفد الذي اتهم فيها محمود اباظة رئيس الحزب بتلقي تمويل من الخارج. بسبب ان بعض مؤيديه يعملون في العمل الحقوقي ويحصلون علي تمويل لأنشطتهم, وهو ما جعل الناشط الحقوقي محمود علي يستقيل من جمعية دعم التطور الديمقراطي, حتي يتفرغ للعمل السياسي و الصحفي. * وما الاجراءات التي يجب ان يتخذها النشطاء الحقوقيون لمنع الخلط بين السياسي والحقوقي؟ ** هناك مناقشات تتم بالفعل بين عدد من قيادات العمل الحقوقي, واعتقد انه سيتم فتح الملف عبر عدد من ورش العمل لنخرج بدليل يفرق بين العمل الحقوقي والسياسي, ويشارك في المناقشات المنظمة المصرية لحقوق الانسان, ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان, لأنه يجب أن تتحرك بشكل سريع ونمنع هذا الخلط كما يجب أن نناقش أيضا الخلط بين الدور المهني للنقابات والدور السياسي لأنها تخرج عن دورها أيضا.