امتلأت الأسواق المصرية بالغش التجاري والذي أصبح علامة سيئة للكثير منها. وقد طرقنا أبواب بعض هذه الاسواق بمغامرة صحفية ل الأهرام المسائي للوقوف علي حقيقة غش المنتجات الأصلية. ( وقد اكتشفنا أن هناك لوبي خفيا يقوم بغش كل المنتجات الأصلية غالية الثمن ومنها طلمبات رفع المياه الايطالية والتي يتخطي سعرها آلاف الجنيهات والكثير من قطع غيار السيارات التي تباع بسوق التوفيقية علي أساس جودتها وأختامها من بلاد المنشأ والحقيقة انه تم ضربها طبق الأصل بورش سرية بالمدن الصناعية وهو ما توصلنا إليه من معلومات علي لسان عمال الاسواق والمواطنين ولم ينكره المسئولون. بدأت المغامرة عندما ذهبت إلي منطقة باب البحر علي أساس أنني صاحب محل عصائر وبالفعل وصلنا وبدأنا عمل اتفاق مع سامبو الذي يتسكع بحواري باب البحر مدعيا أنه شيخ حارة البكر بالمنطقة وفي الحقيقة انه لا يعرف عنه الا الاسم المستعار وأنه يعمل سمسارا متنقلا بين الناس, ولا يمت لباب البحر بصلة. فقط يجلس علي المقاهي ويصطاد الزبائن الذين يريدون سلعا نادرة مثل المثبتات أو الروائح أو الأصنصات غير الموجودة في مصر أو المستوردة من الخارج وتباع بالجرامات ليبيع لهم المغشوشة بنصف الثمن. كانت في يدي زجاجة مياه معبأة مرفق عليها الاستيكر الخاص ببياناتها وقلت لسامبو: أريد عمل نفس الاصطمبة من هذه الزجاجة, فقال لي بالبلدي: لو عايز لبن العصفور هنا موجود فضحكت وقلت له: نبدأ بعمل نفس العبوة دي وأشوف الشغل وبعدها نكمل مع بعض في أعمال أخري فقال كم تريد؟ فقلت:10 دست فقال كمية ضئيلة لا توافق الورشة علي عملها وأقل شيء لكميات يبدأ من5 آلاف عبوة قلت له: لكني غير جاهز بالعربون بناء علي طلبه لتأكيد الجدية, واستكملت معه الحديث قائلا: مثلا ان احتجت إلي طلمبات لرفع المياه أو مواتير أخري للتجارة فهل لديك سكة لحصولي عليها ولكن بأسعار أقل من الموجودة بالسوق فقال لي سامبو: كله موجود بشارع نجيب الريحاني, أي ماركة تريدها, كل اللي عليك إنك تجيب بياناتها أو تشتري المكنة واحنا نعملك زيها في ورشنا بالمنطقة الصناعية سألته: بنفس الماركة فقال نفس الاصطمبة ماتفرقش بين الأصلية والمضروبة فقلت له: أي منطقة صناعية فقال ملكش دعوة, انت كل اللي عليك دفع العربون والباقي عند الاستلام, فقلت: احنا بنبدأ شغل يا ريس سامبو مع بعضنا ومن الضروري يكون فيه ثقة بينا فقال: المنطقة الصناعية بالبساتين, ودي فيها كل الشغل التقليد للأصلي, بس للعلم إذا فكرت تروح لوحدك هناك اعرف أنك مش هتطلع من من هناك إلا ميت يا بلدينا فقلت له: احنا رجالة ونفهم في الأصول ومانعرفش الخيانة لا مؤاخذة انا بس لازم اسألك علشان انت هتاخد مني عربون, وأنا لازم أعرف راسي من رجلي في أول عملية بيننا علي الأقل. نظر إلي سامبو متجهما وقال: انت عايز تاكل عيش حدد ميعاد وادفع العربون واستلم بضاعتك بعد48 ساعة, وأخذت منه ميعادا في اليوم التالي كي أدفع له العربون علي أن يتوسط لي لدي أصحاب الورشة كي يوافقوا علي عمل100 دستة بدلا من10 دست وودعته وذهبت. ذهبنا بعد لقاء سامبو إلي شارع نجيب الريحاني وتجولنا بالمحال التجارية التي تبيع طلمبات رفع المياه وتأكدنا من أصحاب تلك المحال والعاملين بها أن هناك مواتير وطلمبات إيطالي وصيني مضروبة لكنهم أكدوا أن غشها وبيعها يتم خارج سوق نجيب الريحاني وذلك نظرا لأن هذه السوق بها وكلاء الطلمبات الإيطالي والصيني والذين يحققون مكاسب شرعية من هذه التجارة بعيدا عن الغش التجاري وبالتالي فهم يحاربون غش تلك المواتير ويمنعون دخولها إلي الأسواق وذلك حتي لا يتم القضاء عليهم من جراء هذا الغش الذي يباع بسببه المنتج المقل بنصف ثمن الأصلي. سوق نجيب الريحاني ويقول حسن توفيق, عامل بمحل طلمبات ومواتير رفع مياه بشارع نجيب الريحاني: إن ضرب المواتير وغيرها من قطع غيارها له سوق كبير في مصر, ولكنه موجود خارج الأسواق الرسمية أو التي لها وكلاء والسبب الرئيسي في رواجها هو ان القائمين عليها يبيعونها لأصحاب العقارات التي تحتاج إليها بنصف أو أقل من نصف الثمن بعد أن يقنعوهم بأنها مهربة من الجمارك في لوتات من بلادها. وأضاف أن من يقومون بهذه الأفعال يستأجرون المخازن والورش بالمناطق الصناعية البعيدة عن أعين الرقابة مثل مدينتي العاشر من رمضان والسادات ويبيعونها بالطلب من عملائهم الموجودين بالأحياء البعيدة عن الأسواق المعتمدة وبالطبع هناك من أصحاب العقارات التي تحتاج إلي طلمبات الرفع من يقطن بالنزهة أو العبور أو أي منطقة بعيدة عن نجيب الريحاني بوسط المدينة. ويشير رائد دغمش مستوردإلي أن هناك غشا معروفا بالأسواق في طلمبات الكالبيدا ويزداد في أشهر يونيو ويوليو وأغسطس نظرا للحاجة إليها في تلك الشهور وتباع الطلمبة المضروبة التي لا تتجاوز الحصان الواحد بسعر500 أو600 جنيه مصري, في حين أن سعر الأصلية منها يصل إلي2900 جنيه مصري, ويتم غشها بضرب الأسلاك الداخلية بالألومنيوم والبلاستيك بدلا من النحاس لأنه غالي الثمن كما تباع أحيانا الطلمبات وغيرها و الكمبروسورات قوة نصف الحصان, أو الحصان علي أنها حصانان أو ثلاثة, وهذا ما لا يكتشفه الزبون لأن قوة الحصان لا تحدد بالحجم فبالتالي يكتب علي الطلمبة المغشوشة2 حصان وهي نصف حصان وهو ما يؤكد سهولة التلاعب والغش في الأحجام. ويضيف محمد جادو مدير مبيعات بإحدي شركات المعدات والآلات بشارع نجيب الريحاني أن المشكلة الحقيقية في الأسواق المصرية حاليا هي هبوط حركة البيع والشراء لعدم وجود استقرار سياسي, وهذا ما ينعكس عليه شراء التجار المصريين للبضائع الرخيصة من الصين وهو ما يجعل التاجر يسافر إلي الصين متخوفا من البضائع غالية الثمن وإن كانت جيدة لأنه يعلم حجم السوق المصرية ومدي القوة الشرائية بها, وهذا ما يدفعه إلي الاتفاق علي تكلفة محددة بالمصانع الصينية أو الورش, وعليهم أن ينفذوا طلبيته بناء علي تلك التكلفة البسيطة, وهذا يترتب عليه شراء بضاعة غير جيدة تدخل السوق المصرية وتكون كفاءتها رديئة جدا وتتهالك بسرعة ولكن للأسف الشديد فإن المصريين تعودوا علي شراء الرخيص ويتركون الغالي لمجرد أنه بسعر عال حتي وان كان جيدا ومتينا. ولذا أري, والكلام لجادو أن العيب فينا وليس في الصين أو أي دولة أخري, فالصين تصدر لأمريكا كما تصدر لمصر, ولكن الفارق هو أن الأمريكان يقدرون ثمن البضائع الغالية وقيمتها ولا ينظرون إلي السعر علي قدر ما ينظرون إلي الجودة, لهذا يتفق التجار الأمريكان علي الجودة قبل السعر, أما التاجر المصري فيعلم أن المهم عند المصريين هو السعر وليس الجودة, لهذا تجد أي سلعة رخيصة لها سوق في مصر, حتي وان كانت مغشوشة. وأضاف أن كل المعدات والآلات من كمبروسورات ومكن تقطيع نجارة ومخارط و بنس ومقصات وغيرها مصنعة في الصين وتدخل إلي الاسواق المصرية من خلال الجمارك التي من المفروض أن ترشد المستوردين وأن تحيط الشركات علما بشروط ومواصفات السلع والبضائع قبل دخولها إلي مصر حتي يتمكن المستورد من التحقق من المواصفات والاشتراطات. سوق التوفيقية لم ينته حد الغش التجاري عند سوق الطلمبات والبلاستيكات وضرب العبوات فقط بل طال صناعة مهمة وضرورية, وهي قطع غيار السيارات والمركبات الأخري وهو ما سمعناه علي ألسنة العاملين بها وأصحاب المحال الخاصة بها بسوق التوفيقية, حيث أكد لنا أحد أصحاب محلات قطع الغيار بالتوفيقية رافضا ذكر اسمه تخوفا من بطش من يساهمون في غش قطع الغيار أن أغلب المفروشات التي عليها قطع الغيار وهي لأصحاب محلات شهيرة مزيفة أو مضروبة طبق الأصل بمخازن وورش تابعة لهم بالمدن الصناعية, وجميعهم يعطي تعليمات بالعمل في ساعات الليل المتأخرة تخوفا من مباحث التموين, والكل يعلم هذا ويعلمون أسماء التجار وعائلاتهم التي ملأت سوق التوفيقية بالمنتجات المغشوشة, لكن للأسف أن الأوضاع لم تتغير فمازال هناك من يرتشون وهناك من يدفع لحماية مصالحه ويستخرج فواتير مضروبة وغيرها من المخالفات القانونية وفي النهاية يبقي الوضع كما هو عليه ويظل هناك من يحقق ملايين الجنيهات أرباحا بالغش التجاري والتحايل ويستفحل أكثر في السوق ويظل الضعيف لا يحقق إلا مكاسب ضئيلة يدفع منها الضرائب والمستحقات الاخري. ويضيف عزت رضوان عامل بأحد محلات الغيار بالتوفيقية أن المنتجات المغشوشة التي في السوق لا يتم التعرف عليها أو كشفها بسهولة لأنها مختومة بأختام مضروبة مكتوب عليها بلاد المنشأ الاصلية ولكننا أصبحنا نعرفها أخيرا عندما تعرض علينا للشراء بأن يأتي أحد الاشخاص علي أساس انه مندوب مبيعات أو أنه كان في رحلة إلي الصين وجلب معه400 أو500 جهاز انذار ويعرضها بنصف السعر والحقيقة أنها مغشوشة بورش لكبار التجار مكتوب عليها بلاد المنشأ, وما يساعد في رواج تلك السلع المغشوشة للأسف هم نفس التجار الكبار الذين يقومون بشرائها وبيعها مرة أخري, وهي دورة شراء يتم من خلالها عرض المنتجات المقلدة علي أساس انها صينية أو يابانية أو كورية المنشأ. ويشير علي كمال, عامل آخر إلي أن تقليد قطع الغيار أصبح شيئا معتادا بكل أسواق قطع الغيار نظرا لسهولة تقليد الكثير من قطع الغيار المصنعة من الاستانلس أو البلاستيك أو النحاس ويقوم بتقليدها طبق الأصل علي يد متخصصين يجيدون التقليد والمحاكاة كهواية مثل الرسام تماما فمنهم من لديه كفاءة علي النقل كأنه يشف أو يطبع صورة طبق الأصل لدرجة أن الجهات الرقابية نفسها لا تقدر علي كشفها.