لايخلو أي مجتمع من الأزمات والكوارث التي تطرأ عليه بين الحين والآخر لتكون بمثابة نقطة تحول ومقياس لمدي قدرة القائمين علي شأن هذا البلد علي تحدي الصعاب واجتياز الأزمات. .ولأنها حقيقة وواقع مرير لايمكن إنكاره قررت بلدان العالم المتقدم مواجهتها من خلال إنشاء إدارات تعكف علي رصد المتغيرات في المجتمع للتنبؤ بالأزمات قبل وقوعها ومن ثم التعرف علي أسبابها واستئصالها من جذورها..لتجعل من الأزمات فرصة ذهبية تصب في صالح النظام وتزيد من شعبيته لدي المواطنين..تلك المرحلة التي لم نصل إليها بعد.. إذ لا تراودنا فكرة إنشاء إدارة للأزمات إلا عقب حدوث أي كارثة كما أنها سرعان ما تتلاشي وسط زخم المشكلات الطاحنة التي نعيشها..وللأسف الشديد فالسياسة المصرية لاتفتقد علم التنبؤ بالأزمات فحسب بل إنها لاتحسن إدارتها أو التعامل معها حال وقوعها..حيث تأتي ردود الأفعال متأخرة..بطيئة.. ضعيفة..مما يزيد الأزمة اشتعالا مثلما حدث في آواخر عهد المخلوع.. وباستعراض أمثلة لبعض الأزمات التي طالما عانت منها الدولة المصرية حكومة وشعبا أجمع خبراء الإدارة والاقتصاد والأمن أن مصر في حاجة ماسة لإنشاء إدارة للأزمات بمفهومها الحقيقي لتسهم في القضاء علي العديد من المشكلات في مصر الثورة. في البداية يقول الدكتور محمد العزازي أستاذ إدارة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أن أساليب الإدارة المصرية تفتقد المفهوم الأمثل للتنبؤ بالأزمات وإدارتها, وهو مايتطلب وجود لجان دائمة من الخبراء المتخصصين في شتي المجالات داخل جميع القطاعات والهيئات بالدولة, والتي تقوم علي الاجتماعات اليومية لرصد وتحليل المتغيرات علي مختلف الأصعدة للتنبؤ بالسيناريوهات المتوقعة للأزمات قبل وقوعها ومن ثم طرح الحلول اللازمة لها, مما يمكنهم من التصدي في أسرع وقت وبأقل خسائر ممكنة وفقا لمعلومات متراكمة ودراسات علمية وآليات صحيحة. ويلفت إلي أننا نفتقد وجود مسئولين وخبراء يعكفون علي الدراسة المستمرة والمتابعة والرصد الدائم للظواهر وتحديث البيانات علي مدار ال24ساعة, وبالتالي فنحن دائما مانفاجأ بوقوع الكوارث والأزمات دون سابق إنذار, علي أن تبدأ خطوات دراسة الأزمة وتحليلها إثر وقوعها ممايهدر مزيدا من الوقت والجهد ويعظم من خسائرها المادية والمعنوية. ويوضح أن مصر تمتلك من الكفاءات والقدرات مايمكنها من تشكيل مثل هذه اللجان, التي تتصاعد أهمية وجودها خاصة في ظل الظروف المليئة بالأزمات التي تشهدها البلاد بعد الثورة, لافتا إلي ضرورة وضع حد لما أسماه السير بالبركة ويوافقه في الرأي الدكتور سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة مؤكدا وجود قصور واضح في الاهتمام بعلم الإدارة من الناحية العملية والأكاديمية, وبالتالي فإننا نعتمد علي الإدارة العشوائية في التعامل مع الأزمات, والتي تتمثل في وضع مسكنات للأزمة بعد وقوعها بدلا من وضع حلول جذرية والقضاء عليها بشكل كلي. ويوضح أن إدارة الأزمات في مصر تقتصر علي مجالات بعينها دون الأخري, كما أنها تفتقر إلي الخبرات اللازمة لتطبيق مفهومها الصحيح, مشددا علي ضرورة أن تتضمن كل وزارة ومحافظة وهيئة إدارة للأزمات مكونة من خبراء علي أعلي مستوي, علي أن تكون تابعة مباشرة لمتخذ القرار حتي يتسني لها رفع توصياتها مباشرة له, وذلك إيمانا بأن أي مشكلة لا يمكن مواجهتها إلا بطرق علمية محددة ومدروسة جيدا,لامن خلال التجربة والخطأ. ويشير إلي أن نقص المعلومات وتضاربها أحيانا داخل الأجهزة المعنية بجمع المعلومات يصعب عملية إدارة الأزمة أوالتنبؤبها,كما أن عنصر الوقت هو بمثابة كلمة السر في إدارة أي أزمة,حيث أنه المحدد الرئيسي لزمن الأزمة وآثارها السلبية علي الأفراد والمجتمع..ومن جانبها تؤكد آية مصطفي ماهر أستاذة إدارة الموارد البشرية بالجامعة الألمانية وعضو المجلس الأعلي للثقافة أننا أبعد مايكون عن علم الإدارة بمفهومه الصحيح,حيث إن السياسة المصرية أقرب إلي الارتجال من التخطيط المسبق الذي يمكن الحكومات من إدارة ما تواجهه من أزمات متلاحقة. وتوضح أن إدارة الأزمات بصفة عامة تتطلب وضع استراتيجية واضحة للدولة تعلن فيها عن أهدافها في المقام الأول, وبناء عليها تتبني كل الوزارات والهيئات خططا مستقبلية لتنفيذ هذه الأهداف,علي أن تتضمن التوقعات بإمكانية وقوع الأزمات,ومن ثم التعرف علي سبل الوقاية منها مسبقا وبدائل الحلول للقضاء عليها حال وقوعها, مشير إلي أن ذلك يتطلب قدرا كبيرا من التنسيق وتضافر الجهود بين مختلف الجهات بالدولة,للحد من القرارات المتضاربة والتي من شأنها أن تزيد الأزمات تعقيدا. وتطالب أية ماهر بضرورة تفعيل دور وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلي جانب تفعيل دور هيئة إدارة الأزمات التابعة لمجلس الوزراء,علي أن تضم عددا من الخبراء التكنوقراط في شتي المجالات, للعمل علي إدارة الأزمات من خلال التنسيق بين الأجهزة المعنية بالدولة وبالاعتماد علي ماتستمده من بيانات من مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء, لافتة إلي ضرورة التوعية بأهمية علم الإدارة في القنوات الثقافية والإعلامية إلي جانب وضع مناهج متكاملة في المدارس والجامعات لتأصيل هذا الفكر في جميع جوانب الحياة التي لاتخلو من الأزمات علي اختلاف حدتها رابط دائم :