استأذن القارئ العزيز في قطع سلسلة' التعليم.. لماذا وكيف ؟!' لنتوقف حينا عند حجر ألقي في بحيرة المحاكمات الكنسية المتجمدة, بصدور قرار قداسة البابا بعزل احد الكهنة الذين يعملون في خدمة الكنيسة المصرية باليونان وهو القس الدكتور أثناسيوس حنين, والذي يحمل درجة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية, وتأسس القرار علي قيام الكاهن بمخالفات عقائدية خطيرة, رفض المقر البابوي الإعلان عنها. وبحسب المعلن يلف الغموض هذا القرار, ولا يصلح تبريرا للاقتضاب القول بالحرص علي سمعة الكاهن واسرته, فنحن لسنا يصدد اتهامات خلقية أو فساد مالي, بل أمام مخالفات عقائدية, وهو أمر يستوجب الإعلان والمكاشفة. وهو قرار يعيدنا للمربع' صفر' لأنه يحمل نفس الأركان التي تعرضنا لها قبل ما يقرب من عشرين سنة,1992 1994 علي صفحات مجلة مدارس الأحد, وتناولها قداسة البابا قبلنا بنحو سبع وعشرين سنة 1965 علي صفحات مجلة الكرازة في اصدارها الأول, وكأن أحدا لا يقرأ, أو لا يحرك ساكنا إذا قرأ!!. ماذا قلنا وماذا قال قداسته ؟, طبعا لن اكرر الكلام بنصه وإنما أجمله, فإشكالية المحاكمات الكنسية, لا يمكن النظر إليها بعيدا عن رسالة الكنيسة وطبيعة تكوينها, ولا يمكن حصرها في جانبها الإجرائي الغائب علي أهميته وحسب, أو باعتبارها شأنا كنسيا يختص به الإكليروس وحدهم, إذ تمتد آثاره لكل الكنيسة, فتطول المدنيين أيضا, بحسب قراءة واقع الحال والنماذج العديدة التي طالتها, ولعل علامة الاستفهام التي تبحث عن إجابة, هي كيف يستساغ وقد عبرنا مشارف القرن الواحد والعشرين, وفي ضوء حتمية التوثيق والتقنين, مازلنا نتعاطي ضبط العلاقات البينية في مؤسسة بحجم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفقا للعرف والتقدير الشخصي؟!, وبحدة مشخصنة تمتد آثارها إلي الأبدية, بحسب الذهنية القبطية الشعبية. وتمثل المحاكمات الكنسية, واحدة من الإشكاليات المتفجرة كنسيا, ليس فقط لغياب القواعد القانونية المكتوبة المجردة والعامة والملزمة لكل الأطراف, الأمر الذي يدفع لإعمال العرف والتقدير الشخصي, بل أيضا لإسنادها إلي أحد المطارنة المتشددين, حتي إن إحالة أي من رجال الإكليروس إليه تعني إدانته مسبقا. كانت إشكالية' المحاكمات الكنسية' تؤرق أسقف التعليم الأنبا شنودة حتي إنه أفرد لها افتتاحية مجلة الكرازة( يناير وفبراير1965), أي المقال الأول للعدد الأول من المجلة الجديدة, وهي بمثابة بحث كتابي آبائي موثق يستعرض فيه أهمية المحاكمات الكنسية وضوابطها, ثم يختتمه بسؤال وإجابته; كان السؤال: ماذا يفعل الأسقف بالخاطئ بعد معاقبته ؟... وكانت الإجابة: يقول الآباء الرسل في الباب الرابع من الدسقولية[ أحد أعمدة الكتب القانونية الكنسية التراثية), والذي مال ياأسقف أعده],, لا تدعه خارجا بل اقبله.. الذي ضل, اسأل عنه], بل يصل حنان الآباء الرسل إلي حد قولهم فليحمل الأسقف علي نفسه إثم ذاك الذي أخطأ, ويصيره خاصة له. ويقول للمذنب ارجع أنت. وأنا أقبل الموت عنك, مثل سيدي المسيح. وظلت إشكالية' المحاكمات الكنسية' تؤرق الكنيسة, في سنوات الأزمة, الأمر الذي دفع مجلة مدارس الأحد(1992 1994) قبل العصف بها وبسببها إلي تناولها في العديد من مقالاتها ضمن اهتمامها بالإشكاليات الكنسية الأخري آنذاك. وهي اشكالية يفضل المدققون تسميتها التأديبات الكنسية لاتساق هذا المسمي مع طبيعة هذا الإجراء وهدفه بحسب تعليم الكتاب المقدس والآباء' ايها الاخوة إن ضل أحد بينكم عن الحق فرده أحد, فليعلم أن من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا' يع5:20. ويؤسس ق بولس في رسالتيه الي كنيسة كورنثوس منهجا كنسيا رائدا في قضية التأديب الكنسي, فبعدما أصدر قراره لشخص ارتكب واقعة زني محارم, في رسالته الأولي: فأنتم منتفخون وبالحري لم تنوحوا حتي يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل. فإني انا كأني غائب بالجسد ولكن حاضر بالروح قد حكمت كأني حاضر في الذي فعل هذا هكذا. باسم ربنا يسوع المسيح اذ انتم و روحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح.ان يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع. ولأن الكنيسة لا تقر العقوبة المفتوحة, وهي تعاقب بحنو الأبوة, كما أكد أسقف التعليم في ختام مقاله المشار إليه, فقد بادر ق. بولس في رسالته الثانية بطلب العفو عن هذا المخطئ, لأنه أي القديس بولس يعيش في حالة حزن من أجله بكل مشاعر الأبوة فيقول لهم: لاني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت اليكم بدموع كثيرة لا لكي تحزنوا بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم. ولكن ان كان احد قد احزن فإنه لم يحزني بل احزن جميعكم بعض الحزن لكي لا اثقل. مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الاكثرين.حتي تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك اطلب ان تمكنوا له المحبة. لأني لهذا كتبت لكي اعرف تزكيتكم هل انتم طائعون في كل شيء. والذي تسامحونه بشيء فأنا ايضا لاني انا ما سامحت به ان كنت قد سامحت بشيء فمن اجلكم بحضرة المسيح. لئلا يطمع فينا الشيطان لاننا لا نجهل افكاره.' يؤكد اسقف التعليم وهو نفسه البابا شنودة حاليا أن الظالم في حكمه يخرج الحكم من فمه علي نفسه, فإن الله لا يأخذ الخاطئ بهذا الحكم الظالم, ويدعم مقولته هذه بنص من كتاب الدسقولية في الباب الرابع ,' إن البار إذا قتل بلا سبب, يكون في راحة عند الله إلي الأبد, هكذا من يخرجه الأسقف باطلا', ويقول تحت عنوان لا حكم بغير محاكمة: لا يجوز للأسقف مهما علا سلطانه أن يقول لإنسان بدون محاكمة' اذهب, أنت محروم' أو' اذهب, أنت ممنوع'... أو غير ذلك من الأحكام. إنما لابد من محاكمة عادلة, قبل إصدار الحكم. وإلا فإن الكنيسة تكون قد انحدرت إلي درجة لم يقبل أهل العالم في عدلهم أن ينحدروا إليها..!! ويواصل قداسته طرح رؤيته بقوله: إن القاتل يضبط وفي يده السكين, وملابسه ملطخة بالدماء, وإلي جواره القتيل, ومع ذلك لابد من تحقيقات طويلة قبل الحكم عليه... وعلي الرغم من كل هذه الأدلة المادية الواضحة, لا يؤخذ القاتل إلي الإعدام.. وإنما يمر في سلسلة من التحقيقات: تحقيق يجريه البوليس, ثم تحقيق آخر تجريه النيابة, ثم تحقيق ثالث تجريه المحكمة.. وتعطي فرصة للمتهم أن يجيب عن نفسه, ولابد من دفاع يترافع عنه, وإن لم يوجد من يدافع عنه, تنتدب المحكمة من قبلها محاميا يترافع عن هذا الذي ضبط في ذات الفعل... وقد تستمر المحاكمة شهورا حتي تصدر المحكمة حكمها.. وقد ينتهي الأمر بحكم مخفف, لأسباب نفسية أو أسباب عقلية أو غير ذلك من الأسباب.... فهل يليق والكلام مازال لأسقف التعليم بالأسقف وهو خليفة الرسل ووكيل الله, أن يلقي الأحكام بدون فحص ولا تحقيق, ودون فرصة للدفاع عن النفس؟!.. كل ذلك بسبب دسيسة من مغرض أو من متملق أو من عدو!!. ويختتم قداسته هذه الفقرة بقوله: لهذا اشترطت قوانين الكنيسة أنه لابد أن: لا يكون الأسقف سماعا أين هذا مما يحدث بيننا.. دعونا نواصل البحث عن اجابات في مقال تال [email protected]