لست سياسيا لكنني شاعر الناس وأحلام المثقف أبعد من السلطة نحن الأدباء في مأزق لأننا صرنا رغما عنا نمارس الأدب ممزوجا بالسياسة هذا ما أكده الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في حواره مع الأهرام المسائي. مؤكدا أنه دائما ينظر للأحداث المتلاحقة في مصر من وجه نظره كشاعر ومواطن عادي وليس من وجهة نظر السياسين فيجدها تزداد كل يوم صعوبة كما أكد الأبنودي علي ظهور جيل جديد من الشعراء أنجبته الثورة أسماه جيل شعراء الثورة وقال أنهم لم يخيبوا ظننا فيهم وكتبوا أجمل الأغاني معبرين عن ثورة حقيقية من واقع تجربتهم الحية وهذا ما فعلناه نحن في67 و73 وإلي نص الحوار * كيف تري المشهد السياسي في مصر الآن.. ؟ ** أفضل النظر للأحداث السياسية من وجهه نظري كشاعر ومواطن وليس من وجهه نظر السياسيين المحترفين ولأنني أعيش خارج القاهرة ومعظم من التقيتهم من الفقراء فأنني أري أن الأمور ازدادت صعوبة ولقمة العيش صارت بعيده عن الأيدي والمعاناة صارت شديدة القسوة في كل خطوة من خطي الحياة, فإذا كان الهدف الأساسي من الثورة هو استرداد حقوق أبناء مصر فإن من اختطف الثورة صنف المعاناة حسب الطبقات من المتوسطة إلي الأقل فالأقل فالأكثر فقرا, الجميع يعاني والجميع يشعر أن المعاناة مقصودة وهذا يعكس الغباء الاقتصادي الذي أدي إلي انهيار هذا الاقتصاد وجعل الحياة شبة مستحيلة وبالذات علي الطبقتين المتوسطة والفقيرة * ولماذا وصل الحال بنا لهذا المنحني برأيك.. ؟ ** أرجو عندما نتحاور أن تضعي في حسبانك أنني شاعر للناس أولا, ربما تكون لي رؤيتي وآرائي السياسة ولكني لست سياسيا بالأساس ولكني أعذر الجميع لأن الأوضاع السياسية سريعة الركض ومتقلبة الأحوال والألوان وبالتالي يتقلب معها أفكارنا وما يدور بخلدنا من خوف علي الوطن ومن توجسات إذ بعد كل هذه الحياة الطويلة التي عشناها بنمط واحد معتمدين علي كتاباتنا فقط في النضال ودخول أتون المعركة السياسية نقف إلي جانب مصر ضد الهجمات الجديدة والافكار الغريبة والسلوكيات المريبة التي تحاول أن تغير مصر المتحضرة. * ما رأيك في حالة الانقسام التي بدا عليها الشارع المصري مؤخرا.. ؟ ** هذا الانقسام أو الصراع صحي جدا إذ أن قوي الإسلام السياسي لا تؤمن بالحوار علي الإطلاق وكأن أراءها منزلة من السماء وهي تسعي لتحقيق مصالحها وبالتالي لا تطيق صوتا آخر بينما القوي الثورية تحاول استعادة مصر من أيدي هؤلاء وغيرهم ثم أن القوي الثورية هي التي لعبت الدور الأساسي في الثورة وكانت مفجرتها, فلا يصح أن نقول القوي الوطنية منقسمة وكأننا نحمل القوي الثورية هذا الأمر, لقد ذهبت للحوار مرة ومرات من قبل بينما قوي الإسلام السياسي تناور طول الوقت وبالتالي هي التي تسهم في استمرار هذا الصراع الدموي * ما القرارات التي يمكن أن يتخذها الشعب المصري في الفترة المقبلة وهل تتوقع حدوث ثورة جديدة.. ؟ ** لا يستطيع أحد التنبؤ بسلوك الشعب المصري ولا أملك من الغرور ما يسمحلي بأن أتنبأ بأن تكون هناك ثورة أخري ولكنني موقن تماما من ثورة الجياع لأن الواقع المعيشي للفقراء أصبح لا يحتمل وكما يقولون الجوع كافر مصر الآن مهددة بثورة الفقراء العمياء والتي من الممكن أن تحرقها. * وماذا عنكم كأدباء.. ؟ ** نحن الأدباء في مأزق لأننا صرنا رغما عن أنوفنا نمارس الأدب ممزوجا بالسياسة ونمارس السياسة بملامح أدبية ولكن نعود وننتقد هذا المشهد ونبحث عن ذواتنا وطرائقنا الأدبية للدفاع عن الذات الفردي والوطن والقومية. * حدثني عن مربعاتك الشعرية وهل كانت هي الطريقة الملائمة لك التي تعبر من خلالها عن ذاتك الأدبية في تلك المرحلة الحرجة.. ؟ ** المربع شكل شعري صغيرالحجم ولكن من الممكن شحنه بكلمات تؤدي إلي إيحاءات بعيدة في المعني تماما كما كان يستعمله الشاعر الشعبي شاعر السيرة الهلالية دائما في رواية السيرة يعبر أحيانا عن الغزل أو الصراع الحربي أو التأمل أو الرثاء أو الفخر أو الغربة وذلك هو الذي يعطي الملحمة ترفعها عبر مئات بل آلاف المربعات وفي صعيد مصر لا يستمعون إلي السيرة الهلالية إلا من خلال الشاعر الذي يسردها في مربعات ويعتبرون من يفعل عكس ذلك مجرد شاعر من الشعراء المرتزقة وعبء علي السيرة. * لماذا استبدلت كتابة المقال بالمربعات في أحد الجرائد.. ؟ ** عندما طلب مني كتابة مقال في أحد الجرائد وجدت أنني لن استطيع الكتابة النثرية التي اوقفتني عن الشعر خمس سنوات كاملة لأن المقالة فن يعتمد غلي الرفد العقلي لظواهر الحياة السياسية والاجتماعية بينما الشعر هو فن الوجدان الذي يرصد كل قوانين الحياة من خلال تأثيرها علي البشر ومنهم الشاعر فقررت أن أعود إلي الشعر الشعبي وأكتب مربعات لكن عصرية, فنحن لا نعيش الآن في القرن الخامس الهجري ثم أن القضايا اليومية والمتدفقة والمتباينة تحتاج إلي شكل لا يأخذ مساحة في الكتابة ولكن تأخذ مساحة كبيرة في التفكير وهو نوع من الشعر يجمع بين التلقائية والوعي والقصد ويلامس المشاعر اليومية التي تخلفها السلوكيات السياسية في الوقت الذي يظل الشاعر فيه قابضا علي مقود الشعر فإذا ما تحول المربع إلي عمل مباشر فأنه سيفقد قيمته الشعرية. * كيف تري استقبال جماهيرك لهذه المربعات.. ؟ ** سعيد باهتمام الشباب بها, لقد تناولها الشباب فيما بينهم وأراها كثيرا مكتوبة علي جدران المدن والأندية في القاهرة ودائما تفعل فعلها في ميادين الثورة وربما عرفني الشباب أكثر من خلال هذه المربعات خاصة ونحن نعرف أنهم لا طاقة لديهم بقراءة المطولات الشعرية أو المقالات السياسية * هل هناك علاقة بين المربعات و الرباعية.. ؟ ** الرباعية هي الصورة التي كتب بها عمر الخيام وصلاح جاهين وهي أيضا شكل رباعي يتكون من أربع أبيات متوحدة القوانين ماعدا البيت الثالث الذي يشبة الخرجة في الموشحات الآندلسية فيعود البيت الرابع ليغلق الباب وهو يصلح للتأملات الفلسفية أكثر كما نري عند الخيام وجاهين, أما المربع فهو يتناول الأشياء الفلسفية إلي جانب الأحداث الواقعية * هل عبر الشعراء عن ثورة يناير كما يجب أم أن الشعر مازال بعيدا عن الثورة.. ؟ ** لاشك أننا قادمون من زمن غير الزمن وثقل تجربتنا النضالية كانت في الستينات ولقد عرفنا فيها الاعتقالات والزنزانة, أما الآن فنحن ضيوف علي أصحاب التجربة الثورية الشباب, صحيح أن الشباب هم امتداد لنا إلا أننا نتعامل مع المسألة بحذر ولا نفرض أنفسنا عليهم, لقد كتبت في وهج الثورة قصيدة الميدان وتلقفها الميدان وكأنه كان ينتظرها وظلت هي إيقونة الثورة لزمن طويل وقد نبهت فيها ولفت نظر الثائرين إلي ما سوف يحدث أو ما يمكن أن يحدث من حالات اختطاف وغدر وخيانة للثورة حين قلت, وحاسبوا قوة من الديابة اللي في وسطكم وإلا تبقي الخيانة منكم فيكم وقد حدث وتحققت الرؤية تماما * هل عبر الغناء عن التجربة بصدق.. ؟ ** نعم لقد عبروا بأغنيات شديدة الصدق وقد سمعنا لهم أغنيات مثل أثبت مكانك والكريوكي و فلان الفلاني وهي أغنية بالغة الإحكام والصدق ومعبرة تماما عن تجربة شباب الثورة الذين حملوا جثث أصدقائهم ولطخت ملابسهم بدمائهم وما كان لي أن أستطيع وأنا بعيد أن أثقل تلك التجربة بتلك الحرارة. * وسط هذا الصراع الدامي والتخوف من سيطرة بعض القوي هل تري معاناة مقبلة سوف تلحق بالشعر في الفترة المقبلة.. ؟ ** الشعر لن يعاني سواء مع الثورة أو في فترات القمع, سواء أتيحت لنا مساحات من الديمقراطية أو حاولوا كتم أصواتنا و أظن الإبداع لن يقف أمام انتشاره موانع مهما كانت وكل القصائد القديمة التي كتبتها أيام السادات أراها اليوم وقد استدعاها الشباب من مكمنها القديم وقد أضاءوا بها بعض الأحوال في زماننا الموجود, الشعر الجيد يظل وسوف يقاوم ونحن نستمع ونقرأ أشعار صلاح عبد الصبور والبياتي وجاهين وحداد ومحمود درويش وأمل دنقل وهي زاد لنا وللأجيال الجديدة في كل الأحوال وعلينا أن نسلط الضوء عليها لتلامس الأجيال الجديدة. لن يستطيع أحد أن يقصف قلما أو أن يخرس صوتا لشعب مصر. * لماذا كتبت أغنية عدي النهار.. ؟ ** أغنية عدي النهار هي التي فتحت أبواب الأمل وكنت أعلم أن الشعب المصري لن يرضي بالهزيمة أبدا وسوف يقوم ويغير الحال وقد حدث هذا بالفعل في73 وكان عبد الناصر يتصل بالإذاعة شخصيا يسأل عن هذه الأغنية بالذات حين تغيب عن الإذاعة لفترة * لقد حبسك عبد الناصر في الستينات, كيف تراه كزعيم وهل تحتاج مصر في هذه المرحلة لزعيم مثله.. ؟ ** لقد حبسني عبد الناصر ستة أشهر ومعي بعض أبناء جيلي من الستينات و رغم هذا فأنا مؤمن بناصر ومؤمن بمبادئه ومواقفه وحتي الآن أري أن مصر عظيمة لأنه مر عليها زعيم مثل جمال عبد الناصر جعل منها زعيمة أمة. * هل يجب أن يقف المثقف دائما علي يسار السلطة.. ؟ ** المثقف الحقيقي لابد وان يكون دائما مع الفقراء ويقدم مجتمعه ويحلم به وله بما لا يستطيع أن يحلم به السياسي لأن السياسي إذا حقق حلما من أحلام المثقف يكون المثقف قد سبقه بمراحل, المثقف الثوري أحلامه أبعد من أحلام السلطة ويناضل باستمرار من أجل تحقيق هذه الأحلام.