ما فعلته مؤسسة الرئاسة بمطالبة بعض القوي السياسية بترشيح وزراء للحكومة المقبلة فيه قولان فإذا كان جادا فهو تحايل سياسي للتلاعب علي المكشوف مع تلك القوي اتفاقا أو استقطابا, وإن كان هزلا فهو تكرار لسيناريوهات نتوقع نتائجها قبل حدوثها تماما مثلما حدث مع الحوار الوطني والمجلس الوطني والنشيد الوطني والحكومة الوطنية التي تتفق في مسماها وتتباين في تقدير أولي الأمر لأهميتها وتخطيطهم المسبق لإسقاطها مع سبق الإصرار والترصد. وأري أن ما حدث ما هو إلا مجرد مناقصة منقوصة الشروط مشوهة المعالم فوضوية الضمانات مظاريفها لا تعرف طريقا للمواصفات وبندها الفني مجهول وخطاب ضمانها قرض بلا قيمة ولا تمتلك كراستها إلا جهة واحدة وهي مكتب الإرشاد الذي كان من بين القوي التي طلب منها ترشيح وزراء. وتفنيد تلك المناقصة لم يأت من فراغ وإنما يرجع لعدة أسباب, أولها أن القوي التي اختارتها الرئاسة للترشيح يغلب عليها الطابع الحزبي وهو أمر متعارف عليه دوليا ويمكن تبريره بثقل الحزب أو تمثيله برلمانيا, وثانيها أن مكتب الإرشاد يخص جماعة الإخوان أو جمعيتها حسب النظام الذي تفضله الجماعة, فهي حسب قانون الجمعيات لا علاقة لها بالسياسة إلا إذا كان تشكيل الحكومة القادمة سيرتبط بأمور البر والنذور ومساعدة الأيتام والأرامل والمشاركة في تنمية الأحياء الفقيرة. وثالثها أن مؤسسة الرئاسة لا تنظر للقوي السياسية بنفس العين التي تنظر بها لباقي القوي الآن ومستقبلا, والأهم من ذلك أن البعض ردد أن الدكتور هشام قنديل سوف يبدأ مشاورات ترميم حكومته وتشكيلها في حين أكدت قيادات إخوانية أن الجماعة سوف تقدم مرشحيها للرئيس وكأنها تعمل بنص غير مؤكد مضمونه أن قنديل مجرد حامل لمفاتيح الوزارات يضل عنوانها ويجهل دورها ولا يهتم بمن سيعمل معه فيها ويؤمن بأن الوزارة قدر لا اختيار فيه وأن هناك من يحمل الخيوط الرفيعة التي يراقص بها عرائس الماريونيت الوزارية. والأكثر أهمية أن قنديل نفسه لا يزال غير متفق عليه فالرئاسة تريده خشية أن تذهب صلاحياته التي كفلها دستورهم لغيره, والقوي السياسة لا تراه مؤهلا للعمل الحكومي في تلك المرحلة وهذا كله يشير إلي أن ما قامت به الرئاسة لا هو جاد ولا هزل ولكنه مجرد كلام للاستهلاك السياسي وتفويت الفرصة علي المعارضين بتطفيشهم وإجبارهم علي الاعتذار وتعجيزهم عن الاستمرار في الترشيح وتلبية ما طلبته منهم, وساعتها سيكون لديها مبرر بأنها طلبت من القوي السياسية أن تشارك وترشح ولكنها أبت خاصة في ظل تصريحات أحد جهابذة مستشاري الرئيس بأن الحكومة القادمة ليست سياسية, في تأصيل جديد لحكومات ما بعد الثورة المسروقة والتأكيد علي أن الوزير منصب بلا حراك ودور دون وظيفة. يا سادة: كفاكم تلاعبا في منطقة رمادية بين الجد والهزل; فمصر لم تعد قادرة علي تحمل تبعات تجاربكم المحكوم علي فشلها مسبقا!