نظر الطفل في أرجاء غرفته وجلس يهمهم بكلمات متحدثا إلي نفسه أنا جيت الدنيا ليه وأطل علي ملابسه في دولابه الصغير وقد تراكمت عليها الأتربة, كان الطفل يرتدي بنطالا مهلهلا ضاق عليه وحذاؤه الصغير خرجت منه أصابعه وضحك في هستريا رافضا واقعه الذي يعيشه وبدأ يتخيل حياة الرفاهية التي فيها الأطفال يواصلون دراستهم في حياة هادئة في منزل متعدد الغرف ويخرجون بملابس جديدة يتمتعون بحياة كريمة.. هكذا كان يفكر فارس ذو الأربعة عشر ربيعا. وقطع حبل أفكاره صراخ أمه تعاتب أبيه العاطل عن العمل وتحثه علي الخروج بحثا عن وظيفة تعين الأسرة علي مشقة الحياة. وشعر فارس بأنه أتعس طفل, خاصة بعد أن قام الأب بصب جام غضبه عليه وضربه علي وجهه للمرة الألف طالبا منه الخروج من الغرفة إلي الشارع بعيدا عنه وهداه تفكيره إلي الهروب من جحيمه وظل يمشي في قريته هائما لايدري إلي أين يذهب حتي اختمرت في ذهنه فكرة الذهاب إلي المدينة ونظر بذهن مشتت إلي المحال والمطاعم من حوله تبهره الأضواء حتي بدأت معدته تئن عليه من الجوع ولم يكن لديه مال يلبي رغباته واحتياجه للطعام واستمر في النظر إلي المارة من حوله باحثا عن نظرة عطف ومن يمد إليه يده بالمال إلا أن الحياة ألهت الجميع وبدأ فارس يمد يده إلي المارة طالبا للعون والمساعدة من أهل الخير حتي تحصل علي بضعة جنيهات وتعب من التجول ولجأ إلي أحد الكباري للمبيت أسفلها هاربا من برودة الجو ونام بعد أن أيقن أن التسول طريقه للطعام. وبدأت تختمر في ذهنه فكرة اللجوء والنزول إلي القاهرة حيث تختلف الحياة ويزداد المارة ليتحصل علي مزيد من المال يساعده علي الحياة بالبحث عن فرصة عمل فبدأ يتجول أكثر وسط الشوارع والميادين حتي أستطاع تحصيل قيمة تذكرة الذهاب بالقطار إلي القاهرة طامعا في تغيير ظروف حياته إلي الأفضل ويتخلص من حياة البؤس والشقاء اللذين عاني منهما في قريته ولكن لم يعنه جسمه الضئيل علي العمل الشاق فعاد إلي مد يده للغير من جديد وفي هذا الوقت كان هناك ذئب بشري يفرز وجوه المارة والجالسين علي الأرصفة باحثا عن ضالته حتي وقعت عيناه علي الصغير فأظهر له طيبة وحنان الأب الذي فقده ودفء أسرته, وطلب منه العمل معه علي عربة مأكولات وتوفير سكن مناسب يحميه من برودة الليل وفرح الصغير كثيرا متخيلا أن معاناته قد انتهت ووجد من يعطف عليه ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن. وقع الطفل الصغير في براثن ذئب بشري متسترا خلف مهنة بائع قام بهتك عرضه وهدده بافتضاح أمره وسط الباعة الجائلين وأجبره علي العمل لديه دون مقابل واضطر الصغير إلي الخضوع والقبول خوفا من الفضيحة ولكن لم يستطع سليم أن يهنأ بجريمته شاهدتهما قوة أمنية وشكوا في البائع وناقشوا الطفل فأتهم البائع بهتك عرضه. تمكن الرائد محمد عبد الجليل والنقيب محمد علي بإدارة رعاية الأحداث بدائرة قسم شرطة الأزبكية وبصحبتهم القوة المرافقة من ضبطه وتبين أنه مقيم بمحافظة أسيوط حال عملهما بميدان رمسيس وبسؤال فارس قرر قيام البائع بالتعدي عليه جنسيا وهتك عرضه كرها عنه مقابل توفير مكان للمبيت بجوار عربة المأكولات مستغلا حاجته ونزوحه من بلدته. وبمواجهة المتهم أمام اللواء خالد عبد العزيز مدير الإدارة العامة لرعاية الأحداث أقر بارتكابه الواقعة, وناقش مدير الإدارة, الطفل فارس وهدأ من روعه وبث الطمأنينة في نفسه واستمع الطفل لحديثه الأبوي وهو يعاتبه علي ترك منزل والديه. حرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي تولت التحقيق وأمرت بحبس المتهم15 يوما علي ذمة التحقيق. رابط دائم :