يتوجه الصحفيون يوم الجمعة المقبل للمرة الثانية إلي مقر نقابتهم, لينتخبوا نقيبا جديدا وستة أعضاء لمجلسها, بعدما فشل انعقاد الجمعية العمومية الأول قبل عشرة أيام لعدم اكتمال النصاب اللازم لعقدها. وعدم اكتمال الجمعية العمومية كان أمرا متوقعا لحالة الإحباط التي أصابت معظم الصحفيين, وفقدانهم الثقة في نقابتهم بعدما انحرف بها المجلس القائم عن أهدافها, واغتال روحها بالصراعات الداخلية ومحاولات التسييس, ولم يول اهتماما للقضايا النقابية الحقيقية التي تشغل بال الأعضاء, وفي مقدمتها حماية الصحفيين من أخطار المهنة, والتي وصلت إلي حد تعرض بعضهم للقتل غيلة وغدرا, وأيضا مشكلة مئات من صحفيي الصحف المتوقفة, وفشل المجلس في إيجاد حل لمعاناتهم يكفل لهم ولأسرهم الحد الأدني من الحياة الكريمة, فإذا أضفنا إلي ذلك أن أيا من أعضاء المجلس لم يف بالوعود التي قطعها حين ترشح, لأدركنا مدي الإحباط وفقدان الثقة اللذين كانا وراء الغياب غير المسبوق, لاقتناع القاسم المشترك الأعظم من الصحفيين أن دور النقابة تقلص, بعدما سيطرت المصالح والشللية عليها وحولتها من نقابة رأي تضم صفوة مثقفي مصر, إلي شيء آخر بعيد عما يفترض أن تكون. وجاءت حادثة الاعتداء علي النقيب ممدوح الولي في حرم النقابة, لتؤكد حالة الفلتان واللامبالاة التي سيطرت علي النقابة, نتيجة المناخ الفاسد الذي عاشته في ظل مجلسها علي امتداد عام ونصف, لم يحقق فيها انجازا يذكر له بل علي العكس زادت الانقسامات. إن اجتماع الجمعية العمومية المقبل يشكل نقطة حاسمة في تاريخ أقوي نقابة مصرية وأكثرها تأثيرا في الرأي العام, فما حدث ويحدث فيها صورة مصغرة لما يجري في الشارع المصري, وإخفاقات المجلس المنتهية ولايته تضع علي كاهل المجلس الجديد أعباء ملفات وقضايا شائكة كثيرة ينوء بحملها الرجال. أول الملفات الساخنة التي لا غني عن مواجهتها العجز المالي الذي تواجه النقابة شبحه في ظل شح الموارد, وفشل المجلس علي امتداد دورتين في تأمين موارد ذاتية تحقق للنقابة الاستقلال المالي, وتغنيها عن اللجوء للحكومة لسد العجز في موازنتها, وما يعنيه هذا من خطر اضطرارها للرضوخ لابتزاز حكومي, قد يحول بينها وبين حرية القرار, ويحولها إلي أداة طيعة للسلطة. ثاني الملفات المفتوحة قضية الزملاء بالصحف المتوقفة عن الصدور, وهي قضية شائكة تستلزم جهدا, فلا جدال أن هؤلاء قد ظلموا وعانوا ظروفا قاسية إلي حد وفاة بعضهم كمدا, في وقت تقاعست فيه النقابة عن دورها في حمايتهم والبحث عن حل لمشكلاتهم, التي لم يكونوا صانعيها. ثم هناك قضية حبس الصحفيين وقضية الأجور, فحرية قرار الصحفي لا تقل أهمية عن حرية قرار القضاة, وهي لن تتأتي إلا بحمايته من إرهاب السلطة وتحصين كتاباته ضد الاجراءات العقابية, وتقرير دخل محترم يغنيه عن الوقوع في براثن البحث عن المال وخيانة ضميره, ورواتب الصحفيين لا تزال ضئيلة مقارنة بما يتقاضاه بعضهم في قطاعات أخري بالدولة كالنيابة وشركات البترول والكهرباء. ويتصل بهذا الملف قضية التدريب والارتقاء بالمهنة, فهناك من دخل النقابة من باب السكرتارية والخدمات الخاصة أو عبر مجلس الشوري, وهؤلاء لا ينتمون للمهنة بل هم بتصرفاتهم عبء عليها, لأنهم يسيئون لغيرهم من الصحفيين الشرفاء. يضاف إلي سلسلة المشكلات ملف الإسكان, وهو شائك عامر بالإخفاقات, فمشروع بالوظة مر عليه عقدان ولا يزال متوقفا, وكذا الحال في مشروع القاهرةالجديدة الذي أدي سوء تعامل النقابة معه إلي ازدياد أعباء المستفيدين منه دون ذنب جنوه, والشيء ذاته يقال عن مشروع6 أكتوبر المتعثر. وتبقي النقطة الأهم وهي حالة الانفلات الأخلاقي التي عرفتها النقابة في السنوات الأخيرة, والناجمة عن دخول الصراعات السياسية إلي أروقتها بفعل فاعل, مما قسم الإرادة الجمعية وأحدث إنقساما عميقا داخل الأسرة الصحفية, تعاملت معه المجالس السابقة بعدم مبالاة ولم تبذل أدني جهد لرأب هذا الصدع, الذي يهدد كيان النقابة وينذر بأيام أكثر سوادا. إن جموع الصحفيين مطالبون بالتحرك الواعي لإنقاذ نقابتهم من مصير مظلم يتهددها, ونبذ السلبية عبر حضور الجمعية العمومية وانتخاب نقيب لا ولاء له سوي للنقابة, ومجلس يؤمن بالأفعال لا بالأقوال, فقد مضي زمن السلبية وحان الوقت لانتشال نقابتنا من كبوتها وإنقاذها من الحرق فوق صفيح ساخن من التشتت والتمزق. رابط دائم :