عندما تتجول في شوارع وحواري حي الزبالين الضيقة بمنشية ناصر تشعر بالغثيان من روائح سيارات النقل المحملة بتلال من القمامة تلك التي تمثل كنزا للقائمين علي هذه القمامة. فإذا كان كبار الزبالين يظهرون في عز النهار بجلابية متسخة ورائحة لاتطاق اثناء فترة العمل إلا ان كل شيء يتغير تماما بمجرد حلول الليل حيث يتحولون إلي أشخاص أخرين يرتدون أغلي انواع البدل والمصوغات الذهبية ويستقلون الجيب الشروكي, وبالرغم من البيئة غير الصحية التي يعيشون فيها تجد هناك افخم انواع السيارات, مما يدل علي أن المخلفات كنز مكسبه من ذهب فالعقود التي يبرمها كبار الزبالين مع أصحاب الفنادق وتصدير المخلفات للصين وامريكا وغيرهما من الدول الاجنبيةبعد فرزها وتكسيرها جعلت منهم باشوات!.. الأهرام المسائي زار حي الزبالين وتجول في ارجائه.. ورغم الصعوبات التي وجدناها إلا أننا خرجنا منها في حالة من الذهول لما سمعناه ورأيناه هناك. في البداية يقول ناصر سالم33 عاما ويعمل جامع قمامة أنه ورث المهنة ابا عن جد ويعيش في الحي منذ مولده حينما كان الحي مجرد صحراء جرداء, مشيرا إلي ان90% من اهالي الحي اقارب وتبدأ حكاية الحي حينما هجر3 عائلات مسيحية وهم( البقطارة والحبايشة الكباريك) قرية( ديرتاسا) بصعيد مصرهروبا من الثأر وبحثا عن الرزق في القاهرة فتجمعوا في أحد احياء إمبابة وتزوجوا من بعضهم البعض وبعد حركة من التطوير للمناطق العشوائية بإمبابة قامت الحكومة بنقلهم الي منشية ناصر في منطقة اطلقوا عليها حي الزبالين وقاموا ببناء منازل من الطوب الاحمر, وبالرغم من إنعدام المرافق الصحية من كهرباء ومياه وصرف صحي بهذا الحي الا انهم استطاعوا المعيشة فيه لعشرات السنين حيث تقتصر حياتهم علي جمع القمامة وتربية الخنازيز. ويضيف جورج مينا جامع قمامة ان النسبة الأكبر من مصدر دخل الأهالي كان يعتمد علي تربية الخنازير حيث كانت مهمتها الاساسية هي فرز القمامة لانها تتغذي علي القمامة علاوة علي المجزر الكبير الذي كان يتم ذبحها فيه وبيع لحومها فكان من أكبر الأماكن التي يتوافد إليها المسيحيون لشرائه منها لرخص ثمنه حيث كان يباع الكيلو ب10 جنيهات فقط, ولكن بعد شائعة إنفلونزا الخنازيز نظمت الحكومة حملة تتكون من فرق امن مركزي اقتحموا فيها المنازل ودفنوا الخنازير حية تحت التراب, فما كان لهم سوي الإضراب عن جمع القمامة بالقاهرة لمدة شهر كامل ثم عاودوا العمل مرة أخري رغم انفهم من اجل لقمة العيش. ويقول جورج ان نسبة الإصابة بفيروس سي بين الاهالي مرتفعة جدا نظرا للقمامة المحيطة بهم والبيئة غير الصحية فلا تجد خرم إبرة بالحي يخلو من المخلفات والباعوض, وذلك بسبب قلة الوعي الصحي وانعدام المرافق التي تحميهم من الامراض حيث لاتوجد وحدة صحية او مستشفي علاوة علي عدم وجود نقطة شرطة او حتي مطافيء مما يعرض حياتهم دائما للخطر. ويقول رزقي يوسف ليسانس اداب انجليزي ونجل كبير الزبالين بالمنطقة ان زوجة نجيب ساويرس قامت بإنشاء معهد كبد لخدمة الاهالي بالحي بالإضافة إلي جمعية حماية البيئة التي كانت تعمل فيها علي تدوير القمامة وتشغيل العمالة من الاهالي حيث كان بمثابة مشروع استثماري يباع من خلاله السماد العضوي الناتج عن عملية التدوير, بالإضافة الي جمعيات اخري تقدم خدمات للحي من جراج وحضانة وانشطة ثقافية وعربات نقل بأجر رمزي كجمعية رجال جامعي القمامة وجمعية روح الشباب وهي علي اتصال بالجهات الحكومية, حتي ان فكرة انارة حي الزبالين بالطاقة الشمسية كانت منحة من الحكومة الفرنسية لجمعية رجال جامعي القمامة.. ورغم نجاح التجربة إلا ان نتائجها ضعيفة لان الإضاءة خافتة. ويقول المهندس باكر عبد الله مدير المركز المصري لحقوق الإنسان بمنشية ناصر ان حي الزبالين يمثل40% من المناطق العشوائية بمنشية ناصر والتي تنتشر بها مشكلات كالإدمان والبطالة والدعارة نظرا للعشوائية التي يعيشون فيها وإنعدام المرافق التي تجعل من الحي مكانا غير آدمي, لافتا إلي أن حي الزبالين من الأماكن المسموح بها بتربية الخنازير داخل الزرايب مما يساعدهم علي فرز القمامة بتكلفة أقل ولكن بعد كذبة النظام السابق والتي قضت علي كل الخنازير الموجودة هناك بدأ شباب المنطقة يفكرون في كيفية الاستفادة من المخلفات بطرق اخري حتي جاءتهم المنحة الفرنسية لوكاس لإنشاء نظام لإنارة حي الزبالين بالطاقة الشمسية ويسانده المعهد الفرنسي, وهي فكرة تحتاج إلي دراسة لاثبات مدي نجاحها وكيفية تعميمها. ويضيف ان حي الزبالين توجد به6 زرايب ومصانع لتدوير القمامة وكسارة المخلفات التي لا يقل ثمنها عن250 ألف جنيه تقوم بتجميع القمامة وفرز البلاستيك منها بعد مرحلة التكسير وتنظيفه وإعداده ليكون جاهزا لمختلف الصناعات ثم يتم تصديره للصين وأمريكا وغيرهما فتعود لنا في شكل منتجات باهظة الثمن, مشيرا إلي أن مهنة جامعي القمامة تعتبر كنزا ففي أغرب مشهد يمكن أن تشاهده فقط في حي الزبالين بمنشية ناصر تجد شيخ الزبالين أو كبار الزبالين يظهرون أثناء الدوام أو في فترة النهار بجلباب متسخ وبوجه شاحب ويستقل نصف نقل ولكن عندما يحل ظلام الليل يصبح شخصا اخر يرتدي البدلة الكاملة والسلاسل الذهبية ويستقل سيارة الجيب شروكي!. ويقول محمد عامر عضو جمعية روح الشباب ان جامعي القمامة بحي الزبالين مصنفون علي مستوي الشرق الأوسط فكبار جامعي القمامة منهم يقومون بإجراء اتفاقيات وابرام عقود مع أصحاب الفنادق الكبري حيث يقومون بجمع القمامة من داخل غرف الفنادق وخاصة زجاجات المياه المعدنية التي يتم ضغطها وتصنيعها من جديد ليستفيد كلاهما. ويقول إن جمعية روح الشباب أقامت مدرسة( لإعادة التدوير) مجهزة بأحدث أجهزة الكمبيوتر ومدرسي محو أمية وتعليم غير نمطي, يقوم الاطفال الصغار الموجودون بها بجمع نوع معين من القمامة حتي إن إحدي الشركات المتخصصة في صناعة شامبو الشعر أبرمت عقدا بينها وبين المدرسة لجمع زجاجات الشامبو الفارغة الموجودة بالقمامة مما يوفر عليها تكلفة صناعة زجاجات التعبئة من جديد وضمان عدم غش منتجاتها وبالتالي توفر دخلا للمدرسة يعود علي الطلاب الموجودين بها ويكون لكل منهم راتب شهري يسد حاجته فيتعلم مهنة ويكسب نقودا!. ومن جانبه قال اللواء عماد إمام رئيس حي منشية ناصر ان إنارة حي الزبالين بالطاقة الشمسية فكرة رائدة وناجحة تتيح لنا حل مشكلة نقص الطاقة الكهربائية في مصر وتخفيف الضغط علي المحطات إذا تم تعميمها وخضوع الفكرة لدراسة جادة من خلال الأجهزة المعنية, وانه مع التعميم يمكن معالجة عيوبها. واما عن مشكلات حي الزبالين من عدم وجود مرافق أو نقطة شرطة أو مستشفي لعلاج الأهالي فيقول انه اتصل بشركة الصرف الصحي لإكمال مشروع الصرف الصحي الجاري تنفيذه بالحي بأسرع وقت ممكن وبحد أقصي ستة أشهر, اما عن مشكلة المياه والكهرباء فيقول انه من الصعب إعطاء وقت محدد لحل المشكلة!, وانه جار الانتهاء من مستشفي ال150 سريرا وفي انتظار توفير الأجهزة الطبية من قبل وزارة الصحة ليتم افتتاحه.