اشتهر حي الزبالين بمنشية ناصر بتجميع وفرز القمامة ومخلفاتها.. لكنه اليوم يقدم تجربة رائدة تستحق المحاكاة والتعميم في سائر مناطق جامعي القمامة بمصر فمن الخير أن نضئ شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام!! تتلخص التجربة المتميزة لحي الزبالين في قيام جمعيات أهلية بإنشاء مدرستين مفتوحتين غير تقليديتين لمحوأمية أبناء وبنات الزبالين واكسابهم مهارات حرفية في تدوير القمامة وتصنيع السجاد والمفروشات العامة وغيرهما إلي جانب مساعدة من يريد التعلم حتي بلوغ الشهادات العامة والجامعية لمن يريد لقاء أجر أو مقابل مادي وذلك بمعاونة بعض رجال الأعمال الوطنيين وإحدي الشركات الأجنبية. "المساء" زارت المدرستين علي الطبيعة ورصدت جوانب مضيئة وانجازات تستحق التسجيل والإشادة والتقت المسئولين بالمدرستين وبعض الطلاب والطالبات واستطلعت آراءهم في التحقيق التالي. يقول عزت نعيم مدير جمعية روح الشباب لخدمة البيئة بحي الزبالين بمنشية ناصر: إن الجمعية تعمل علي تحسين الظروف المعيشية لجامعي القمامة في القاهرة والجيزة والقليوبية و15 مايو ودمجهم في القطاع الرسمي للدولة وخلق هوية قانونية لهم لذلك قامت بافتتاح مدرسة تدوير مخلفات القمامة من البلاستيك منذ عام 2004 لتقديم خدمة تعليمية غير نظامية بالمعني المعروف للمدارس فهي تقدم عدة برامج لتطوير عقلية الأطفال الذكور فقط من سن 8 سنوات حتي 18 سنة. يضيف: تقتصر برامج التعليم علي العربي والحساب للحصول علي شهادة محو الأمية وبرنامج تنمية الهوايات من مسرح وكورال وتوعية صحية ومساعدة التلاميذ وتشجيعهم علي استكمال تعليمهم الإعدادي والثانوي والجامعي لمن يرغب وبرنامج تعلم الحاسب الآلي.. والمدرسة مفتوحة طوال ساعات اليوم والحضور حسب رغبة التلميذ وبدون زي مدرسي.. وقد تخرج في المدرسة 85 طفلاً حصلوا علي شهادة محو الأمية واستكمل 25 منهم تعليمهم الإعدادي والثانوي.. أما باقي الخريجين فقد حصلوا علي رخصة القيادة للعمل كسائقين.. ومنهم من تاجر في العبوات البلاستيك وتدويرها. أكد أن جذب أولاد الزبالين الذين يعملون منذ نعومة أظفارهم مع آبائهم في تجميع القمامة وفرزها للتعليم والتفرغ له من الصعوبة بمكان لحاجتهم لمصدر رزق.. لذلك اقمنا مشروع المدرسة بتوفير برامج التعليم وتشجيعهم علي حرفة تجميع العبوات البلاستيكية وخاصة عبوات الشامبو الخاصة بشركة عالمية توزع منتجاتها في السوق المصري بسعر يتراوح بين 10 قروش و40 قرشاً حسب حجم العبوة.. بالإضافة إلي تعليمهم كيفية تدوير هذه العبوات وتكسيرها بكسارة تم تزويد المدرسة بها.. وإعادة بيع مسحوق التكسير لورش تقوم بتحويله لمنتجات بلاستيكية كالشمع وأكياس البلاستيك السوداء وسلال جمع القمامة وغيرها. أضاف: أن ميزانية المدرسة يتم توفيرها من تعاقد الجمعية مع الشركة الألمانية لتوزيع ماركات عبوات "الشامبو" لحماية منتجاتها من الغش الذي يمارسه البعض بملء هذه العبوات بسوائل مجهولة المصدر وبيعها مما يضر بسمعة هذه الشركة التي تدفع 13 ألف جنيه سنوياً كمصاريف للمدرسة مقابل تجميع مخلفات عبواتها وإعادة تدويرها وبيع منتجات التدوير لحساب تعليم التلاميذ لمحو أميتهم كما تنظم المدرسة برامج ترفيهية من رحلات وأيام رياضية ومعسكرات صيفية وأنشطة فنية وتشارك كل فرقة بإنتاجها الفني في الحفلات ومسارح الدولة وساقية الصاوي. قال نعيم إننا في طريقنا للتوسع في مشروع المدارس التي تربط التعليم بالحصول علي مقابل مادي وتعلم حرفة تدوير القمامة في جميع المناطق ولكننا نحتاج لتمويل كبير في سبيل جذب الأولاد وتشجيعهم علي الانخراط في التعليم ومحو أميتهم. يقول إبراهيم بخيت "16 سنة": إنه التحق بالمدرسة منذ 4 سنوات وحصل علي شهادة محو الأمية ويستعد الآن لامتحان الشهادة الإعدادية بنظام "المنازل" حيث توفر المدرسة المدرسين ومجموعات التقوية لتلاميذها إلي جانب توفير فرصة تعلم مهنة جمع عبوات الشامبو من مخلفات القمامة وإعادة تدويرها بمقابل مادي. أضاف: أحضر للمدرسة صباحاً وأذهب مع والدي للعمل ليلاً لتجميع القمامة وعبوات الشامبو حتي نقوم ببيعها للمدرسة ومصمم علي استكمال تعليمي حتي أحصل علي الشهادة الجامعية وسوف أقوم بعمل مشاريع لخدمة أولاد وشباب حي الزبالين. يقول موسي نظمي "16 سنة": إن المدرسة تساعده علي تنمية مواهبه في تعلم اللغة الإنجليزية حتي أصبح يقوم بدور المترجم لأي زائر أجنبي للمدرسة والجمعية ويتسابق مع زملائه ليلاً في تجميع وشراء عبوات الشامبو من أقاربهم وإعادة بيعها للمدرسة بضعف الثمن. تؤكد ماجدة منير "مدرسة" ان التعليم بالمدرسة غير تقليدي لتشجيع الأولاد علي التعلم وربطهم بالمدرسة في سبيل الحصول أيضا علي المال وتعلم صنعة تجميع وفرز وتكسير مخلفات البلاستيك وإعادة تدويرها أي الاستفادة من مهنة أجدادهم وآبائهم التي تحول القمامة لفلوس إلي جانب تعليمهم استخدام أدوات الأمن الصناعي لحماية أنفسهم أثناء تكسير المخلفات.. كما أننا نقوم بعمل زيارة منزلية للأسر لتشجيعهم علي إلحاق أولادهم بالمدرسة للحصول علي فرص التعليم والمال. تقول حنان رشدي "مسئولة برامج التدريب الخارجي بجمعية حماية البيئة بمنشية ناصر" إن الجمعية بدأت نشاطها عام 1987 بمساهمة مجموعة من رجال الأعمال للاستفادة من نشاط عزبة الزبالين وتحويل مخلفات القمامة لصناعات مفيدة.. وكانت البداية بتحويل مخلفات الخنازير لسماد عضوي.. ثم تحول النشاط عام 2000 لمدرسة لمحو أمية النساء من سن 12 سنة وبدون حد أقصي.. إلي جانب تعليمهن حرفة تصنيع السجاد أو تفصيل المفروشات اليدوية من بقايا مصانع الأقمشة والملابس الجاهزة التي تصل للجمعية من تبرعات أو بالشراء. تضيف أن الجمعية تهدف لتنمية وتطوير الفتيات بتوفير فرصة تعليم غير نمطي إلي جانب توفير مصدر رزق من مهنة مفيدة للمرأة لخدمة نفسها وأهلها من سكان حي منشية ناصر كما أن هناك حرفة أخري وهي تدوير مخلفات الورق من القمامة وإعادة تحويله ليصنع منه رسومات وأظرف وأكياس وشنط هدايا واكسوارات حريمي وتحصيل الفتاة علي مبالغ مالية لكل منتج تبدأ من 5 جنيهات حتي 100 جنيه. تؤكد أن الجمعية في سبيل توفير مستوي معيشي متطور للمرأة في حي الزبالين تقوم بتسويق المنتجات التي تصنعها المشتركات في المدرسة أو ورش السجاد أو مشغل خياطة المفروشات في معرض داخلي بالجمعية أو معارض خارجية وتصديرها لدول أجنبية.. كما حدث بتصدير شحنة سجاد ومفروشات لأمريكا تصنع داخل الجمعية أو في المنازل.. وان عائد بيع المنتجات يعود كمصاريف لشراء أنوال جديدة بورش السجاد ولوازم المشغل وماكينات إعادة تدوير مخلفات الورق القديم والمستعمل.. أي أن هدف الجمعية هو حماية المرأة وتنوير عقلها بالتعليم وضمان وظيفة ثابتة لها. تقول سامية وديع مسئولة وحدة السجاد والمشغل إن مدرسة تعليم الفتيات تخرج فيها ما يزيد علي 500 فتاة منهن من اكتفين بشهادة محو الأمية ومنهن من أكملن تعليمهن وحصلن علي الدبلوم التجاري أو مؤهل جامعي وهناك كثير من الفتيات والسيدات فشلن في التعليم والحصول علي شهادة محو الأمية.. واكتفين بتعلم حرفة صناعة السجاد أو الورق وتفصيل المفروشات بالمشغل حسب قدرتهن حيث لا تشترط الجمعية الحصول علي شهادة التعليم قبل التدريب حيث تحصل المتدربة علي دورة تدريبية لمدة 3 أشهر لتتعلم الصناعة اليدوية مقابل أجر يومي 10 جنيهات علي صناعة السجاد و5 جنيهات في مشغل الخياطة. تضيف أن جهودنا في تعليم الفتاة تنجح في السن الصغير حيث يكون هناك استعداد للحصول علي شهادات تعليمية حتي الجامعة وكثير منهن تخرجن في الجامعة ويعملن في إدارة الجمعية والمدرسة وجميع الأنشطة وبعد التدريب 3 أشهر تبدأ المتدربة العمل وتتحول إلي منتجة ونزودها بالمواد الخام من قصاقيص القماش ومخلفات مصانع الملابس الجاهزة والنسيج ويكون لكل قطعة تنتجها حساب خاص يبدأ من 5 جنيهات حتي 500 جنيه.. وتقوم الجمعية بتسويق منتجات طالبات المدرسة أو من تتقدم فقط للتدريب وتعلم الحرفة من سجاد ومفروشات ومنتجات ورقية سواء في المعرض الداخلي لأهالي الحي والزوار.. أو في المعارض والمحلات بالأسواق في جميع محافظات مصر. تقول كل من نرجس نسيم وقديسة عشم إن الجمعية تساعد المرأة علي توفير وظيفة أو تعليم حرفة توفر لها مورد رزق ثابتاً يساعدها في توفير احتياجاتها الأسرية بدلاً من التفرغ لفرز القمامة فقط.. كما أنها تشجع الفتيات الصغيرات علي التعليم إلي جانب ضمان وظيفة صناعة السجاد أو المفروشات مما يمثل حافزاً كبيراً للقضاء علي أمية المرأة في حي الزبالين. تشاركهما الرأي رشا كرم ومريم صدقي بأن كل وحدة منهما شقت طريقها في التعليم بالمدرسة بعد الحصول علي شهادة محو الأمية حتي حصلت كل منهما علي شهادة جامعية وأصبح لهما كيان في المجتمع إلي جانب حصولهما علي وظيفة في الجمعية للإسهام في تعليم فتيات حي الزبالين الصغيرات ورد الجميل لهذا المكان الذي يقدم عملاً جليلاً لمحو أمية المرأة.