في كل يوم ينكشف لنا ان مصر تمر بمرحلة اكثر من حرجة وان حالة عدم الاستقرار التي نعاني منها مصدرها الانقسام.. ولكن من المؤكد ان مصادر ذلك الانقسام متعددة ومختلفة وان ما وقع من احداث حول قصر الاتحادية يؤكد ذلك.. لقد عادت هذه الأحداث بمصر إلي احداث25 يناير ولكن علي خلفية مختلفة فقد كانت المعارضة كلها موحدة في مواجهة النظام ورموزه وكان الهدف واحد هو اسقاط النظام.. كانت مختلف القوي والتيارات السياسية خلال ثورة25 يناير كلها تقف في التحرير يدا واحدة من إسلاميين وعلمانيين ومختلف اطياف الشعب المصري حتي ولو لم يدم ذلك التوحد.. اذ سرعان ما ظهر بوضوح اختلافها وتنوع اجنداتها مع سقوط النظام وبدت هناك احلام شخصية لم تبرز أو يصبح لها وجود إلا بعد سقوط النظام لدي بعضهم والذي لم يكن له اي سابقة في العمل السياسي.. وقد تغلب التيار السياسي الإسلامي الذي وجد فيه الناس ضالتهم المنشودة بعد ماكفروا بكل ماهو سياسي نتيجة تلك الفترة الصعبة والمجدبة التي قضوها في ظل النظام السياسي السابق.. وقد كان الاختيار في بادئ الأمر علي خلفية الدين لا السياسة مع أول انتخابات برلمانية وحينئذ حدث الانقسام ما بين القوي السياسية والتيارات السياسية التي لم يكن لها اي وجود حقيقي قبل ثورة يناير ولكنها ايضا قد سعت للحصول علي مكاسب سياسية بعد الثورة وتحريك الدفة لصالحها.. بيد أن ضعفها لم يمكنها من الصمود امام القوي الإسلامية التي اتسمت بالتنظيم وكذلك وجود قواعد لها داخل الشعب بالنظر لنشاطاتها المتعددة التي كانت تتخذ قالبا خيريا وليس سياسيا وهو ما شكل رصيد اله وكان هو المرجح لكفتها.. والمتذكر وقتها ان القوي السياسية بعد ان وصل الاخوان أو بتعبير أوسع الإسلاميون إلي السلطة وكان وقتها الجيش هو الذي يدير دفة الحكم في فترة انتقالية قامت بترديد شعارات معادية ضد الجيش وتطالب بسقوط حكم العسكر ووقتها رأي الكثيرون بأن ما يحدث من تطاول علي المؤسسة العسكرية يمكن أن يؤدي إلي اسقااط الدولة وليس النظام وتصاعدت حينذاك المخاوف بحدوث انهيار في الدولة. فالقضية الاساسية هنا هي أزمة الثقة مابين الثوريين ومختلف المؤسسات السياسية في الدولة من جهة وأيضا القوي السياسية والنظام الحاكم من جهة أخري. أزمة الثقة هذه تقول إلي حالة من التعتيم والتخبط الذي مصدره عدم التوافق والتخوين وأيضا عدم الوصول إلي صيغة توافقية حول ما يجب أن يكون عليه حكم مصر.. من المؤكد أن تأتي بعض التصرفات من الحكومة والرئاسة في ظل هذه الحالة الانتقالية والتي يشوبها الاضطراب علي نحو غير موفق, وقد تكون في معظمها قرارات رد فعليه أي تقع في دائرة رد الفعل وقد يأتي تراجع الحكومة ومؤسسة الرئاسة عنها للاستجابة لمطالب الشارع السياسي ومحاولة لتهدئة الأوضاع في غير صالح الحكومة التي قد يصفها البعض بعدم القدرة علي الرؤية الصائبة واتخاذ القرارات الصحيحة وايضا التردد وعدم الحسم وهو ما يضع الحكومة والرئاسة في موقف صعب.. ان كم القضايا والمشاكل التي تواجه مؤسسة الرئاسة والحكومة من الضخامة التي ينوء بها كاهل أية حكومة, وان عدم صبر الناس عليهم وتطلعاتهم المتزايدة والفورية لاتصب في صالحها بأي حال من الاحوال.. ولكن من المؤكد أن غياب التفاهم والتوافق هو الآفة الكبري التي تهدد بانهيار الدولة السياسي والاقتصادي والدخول في تلك الفوضي العارمة.. ان فشل هذه الحكومة واي حكومات تعقبها سوف يكون مرتهنا بعدم الاستقرار السياسي, وأيضا بعدم الوافق والوصول إلي المنطقة الوسط التي يقف عليها الجميع. وأيضا في النفور وعدم التعاون معها.. وهناك سبب اخر هو عدم قدرة هذه التيارات والقوي السياسي علي العمل في ظل اطار سياسي متفق عليه بمنح الفرصة للحكومة والرئاسة لكي تأخذ فرصتها في ممارسة لعبة السياسة والحكم ومن ثم الحكم عليها.. لاندافع هنا عن الحكومة أو عن أدائها وكذلك مؤسسة الرئاسة وما قد يصدر عنها من قرارات وتصرفات قد يكون لديها مبرراتها ولكنها قد تؤدي إلي نتائج عكسية وتنسج شباكا من الشك حولها تؤدي إلي مقاومتها وهو ما يعني المزيد من الاختلاف والشقاق الذي يقود إلي المزيد من عدم الاستقرار السياسي والاسراع بالاقتصاد بالتهاوي نحو القاع.. تلك هي قصة مايحدث في مصر قصة السقوط إلي الهاوية وعدم القدرة علي ايقاف العربة من التهاوي والامساك بلجام الخيل الجامح المتمثل في طموحات وتطلعاتن القوي السياسية التي قد لايكون ذلك بالتوقيت المناسب لها. ولعل ذلك وراء صم الآذان امام أي دعوات للحوار فالوقت الآن قد لايكون ملائما للحديث عن أداء حكومة الاخوان وموسسة الرئاسة وما قد آتته من أفعال بغض النظر عن رأي البعض فيها الوقت الآن هو محاولة لانقاذ الدولة من الانهيار وايقاف نزيف الدماء ولكن فيما يبدو أن وهن القوي السياسية وانفصالها عن الشارع السياسي لم يمكنها من تفعيل أي مبادرة أو خطوة نحو الوفاق ووقف نزيف الدم ففي الوقت الذي أعلنت فيه مبادرة الازهر لوقف العنف واللجوء إلي الحوار وقد وافقت القوي السياسية من خلال رموزها التي حضرت ذلك اللقاء الذي ركز علي وقف العنف ورفضه وادانته والتلويح به وقد وقعت عليه القوي السياسية.. إلا أنه كان قد أعلن الطرف الآخر بيانات أعلنتها القوي الثورية دعت إلي التظاهر في مظاهرات حاشدة لمحاصرة قصر الاتحادية وهو ما حدث بالفعل وادي إلي تلك الحالة من العنف مابين المتظاهرين وقوات الامن بعد حصارها لقصر الاتحادية, واشعال النيران وفيه انسحاب رموز جبهة الانقاذ كاعلان عن تبرئها مما حدث ورفضها له ولكن هل ذلك وحده كاف؟ فالاجابة واضحة وكاشفة ويتوالي نزيف الدم الذي لايأتي إلا بالمزيد من الدم مع علو الاصوات التني تطالب بالقصاص وهنا نقول القصاص من من تلك هي المعضلة ودائرة العنف المجنون الذي دخلت فيه مصر مع ضبابية المشهد الذي لابد وأن يؤدي إلي المزيد من الانهيار لا للحكومة أو مؤسسة الرئاسة ولكن الدولة والذي بدأ بالفعل كالكابوس الليلي المرعب.