إن التغيرات المناخية تمثل تحديا كبيرا أمام العالم، ولكنها تكون أكثر فداحة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وفى القلب منها العالمان العربي والإسلامي فوفقا لأحدث التقارير الصادرة عن البنك الدولي تحت عنوان (التأقلم مع التغيرات المناخية فى البلدان العربية) لعام 2012م فإن الخسائر الناجمة عن التغييرات المناخية بالنسبة للدول العربية تبلغ قيمته 12 مليار دولار، مع التحذير من غرق بعض المدن الساحلية بسبب ارتفاع مستوى مياه البحار، مثل الإسكندرية وعدن وجدة وكذا بعض المدن غير الساحلية، بسبب الفيضانات والسيول مثل الرياض. وما يزيد من خطورة التغيرات المناخية السيئة التي اجتاحت عددا من أهم المناطق الزراعية فى العالم، ارتفاع أسعار عدد كبير من المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة وفول الصويا والشاي خلال عام 2012 م. فوفقا لما أشارت إليه صحيفة (الفاينا نشيال تايمز) فإن سعر القمح وهو من أهم السلع الغذائية فى العالم، قد ارتفع حوالي 30% خلال عام 2012م. ويتوقع محللون وتجار، استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية في بداية عام 2013 م نتيجة التغيرات المناخية وانخفاض حجم الاستثمارات الزراعية، والمضاربات في العقود الآجلة للعديد من السلع الغذائية، مع استنزاف المخزون العالمي من المحاصيل الزراعية، و لعل هذا ما أدي إلي زيادة الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الغذاء في العديد من دول العالم، وبدأت دول كثيرة في فرض سياسات حمائية، كفرض قيود علي صادراتها أو تخزين المحاصيل الزراعية. ومن هنا تتصدر أزمة الغذاء لائحة اهتمامات العالم بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة، لاسيما مع القفزات غير المسبوقة وبمعدلات جامحة لأسعار السلع الغذائية، وتضاعف قيمة فاتورة الواردات الغذائية للعالم العربي، لتسجل أرقاما قياسية قوامها أكثر من 50 مليار دولار للسلع الغذائية سنويا، خاصة وأن الدول العربية تعتمد بشكل رئيسي على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية( 90% ) من الخارج. ولم يقتصر الأمر علي ذلك، فإلي جانب أن التغيرات المناخية التي اجتاحت معظم دول العالم أدت إلي انخفاض الإنتاج العالمي وتناقص مخزون الحبوب، مع توجه دولي جديد نحو استعمال محاصيل زراعية كالذرة وفول الصويا لتوليد الوقود الحيوي، فإن الاحتباس الحراري قد لعب دورا في ندرة المصادر المائية الطبيعية، وهي العماد الرئيس للنشاط الزراعي، ما أدي إلي حدوث حالة من الفقر الزراعي في العديد من دول العالم ومنها دول الشرق الأوسط. حيث أوضحت منظمة الأغذية والزراعة، أن محصول الذرة في جزء منه، وهو شمال أفريقيا، قد ينخفض بنسبة بين 15 : 25% بسبب ارتفاع درجة الحرارة فيها 6 درجات بشكل شهري، وفقا لتقرير البنك الدولي ومعهد أبحاث "بوستدام". وعلي ضوء كل ذلك، لابد من التعاون الشامل العربي والدولي لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية وتداعياتها دون المساس بحق جميع الدول في تحقيق التنمية المستدامة، مع ضرورة التزام الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ومساعدة الدول النامية ومنها الدول العربية لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ، مع قيام الأممالمتحدة بالاتفاق علي تعديل اتفاقية كيوتو، وتمديد بروتوكوله، وزيادة الدول المتقدمة لتمويلها ليبلغ نحو 100 بليون دولار بحلول عام 2020م. ويتعين إيجاد المعادلة المناسبة بين احتياجات الدول والمجتمعات للطاقة، ومتطلبات تقليص سلبيات التغيرات المناخية وتداعيات الاحتباس الحراري، وهنا يمكن الاستعانة بالتكنولوجيا لتحقيق ذلك، وذلك وفقا لما توصل إليه مؤتمر الأممالمتحدة للتغيير المناخي بالدوحة في 7 ديسمبر 2012م. وعلي الرغم من أن بعض الدول النفطية قد قطعت شوطا في حماية البيئة في بناء منشآتها النفطية، إلا أن المزيد من الجهود مازالت مطلوبة من الجميع و التوعية بهذه المشكلة البيئية والمناخية لاسيما في الدول العربية والإسلامية.إضافة إلي ذلك، لابد من تأمين الإمدادات الغذائية للدول العربية، من خلال معالجة جذور أزمة الغذاء في العالم العربي وأسبابها، سواء كانت ذات بعد زراعي أو مائي أو اقتصادي ..إلخ. ولا بديل عن الدخول في تحالفات استراتيجية، وشراكات واستثمارات مع مواقع الإنتاج في الدول المنتجة، سواء الدول الصناعية أو الزراعية، ودعم الجهود المشتركة العربية لعلاج وسد الفجوة في المواد الغذائية، من خلال التكامل الزراعي العربي لاسيما مع الدول العربية الزراعية مثل السودان ومصر واليمن، والاتفاق معها علي تخصيص أراض للاستثمار الزراعي (ولتكن السودان سلة الغذاء العربي والخليجي و المصري). ولا بد أن تبذل محاولة للبحث عن حلول للمشكلات المتسببة أساسا في أزمة الغذاء، علاوة علي التغيرات المناخية, ومنها معالجة مشكلة ندرة الموارد المائية وتوظيف الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة، لمواجهة الطلب المتزايد علي الطاقة. هذا مع النظر إلي ما أنجزته إسرائيل في مجال البحوث الزراعية، خاصة وأن إسرائيل تقع في نفس الإقليم المناخي للدول العربية، و تطوير للتقنيات الحديثة في استزراع الصحراء والإنتاج الحيواني والاستفادة من تكنولوجيا المياه حيث الاستمطار، ومعالجة المياه العادمة وتوليد الطاقة، مع تفعيل دور القطاع الخاص في مجال البحث الزراعي والتكامل العربي في مجال تطوير التقنيات الحديثة لخدمة الزراعية العربية.
ويمكن الاستفادة من التجربة الهندية في حل أزمة الغذاء، من خلال توظيف الإمكانيات والقدرات، وإحياء مشروع سلة الغذاء العربي، وتحقيق أقصى استفادة من المساحة المتاحة من الأراضي الزراعية، وتلك الصالحة للزراعة والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة في مجال الري والزراعة، وتقديم التيسيرات والتمويل للمزارعين الفقراء من خلال القروض الميسرة، و تقديم الإعفاءات لهم وإيلاء الأهمية لزراعة الحبوب الغذائية الضرورية (القمح والأرز) وإقامة مشروعات عربية مشتركة زراعية قائمة علي استثمار الأراضي السودانية والعمالة المصرية، والتمويل الخليجي لتوفير احتياجات الغذاء للعالم العربي. رابط دائم :