في عيد الشرطة والثورة والوطن تختلج في صدري أحاديث وتساؤلات ورسائل أتوجه بها إلي الشرطي والثائر والحاكم من أبناء وطننا الغالي. * لرجال الشرطة تهنئة في عيدهم, تقديرا لهم واحتفالا بهم في هذا اليوم الرمز من خمسينيات القرن الماضي حين صمدت قوة صغيرة من الشرطة للمحتل المتغطرس دفاعا عن كرامة الوطن وشرفه العسكري. ولرجل الشرطة في نفسي مكانة خاصة, فلقد كنت مبهورا في طفولتي برجل الإطفاء, ذي الخوذة اللامعة, وسيارته الحمراء وناقوسها الذي ينبه الناس لقدومه فيفسحون له الطريق, مفتونا بدوره البطولي في مكافحة النيران. وحين كنا نلعب( عساكر وحرامية) في المدرسة الابتدائية كنت أختار دائما أن أكون في فريق العساكر. ولما كبرت قليلا كنت أري في ضابط الشرطة رمز الضبط والانضباط ومقاومة الاعوجاج أنظر إليه بتوقير وتقدير لمظهره المميز بنجماته الذهبية, ودوره السامي في إعلاء القانون وتنفيذه, فهو يستخدم قوته المشروعة لإحقاق العدل, يحمي الممتلكات, ويقضي علي الشغب والفوضي. وحين كبرت أكثر اهتزت تلك الصورة, فلقد رأيت ممارسات تجافي رسالة الشرطة التي في مخيلتي, فهي تستخدم قوتها غير المشروعة لتحمي نظاما فاسدا, وباتت( من أسف) أداة النظام في تزوير إرادة الناس وقهرهم والبطش بهم, ولما ثار الناس علي النظام ثورتهم المشروعة, كان من الطبيعي أن تطول الثورة رجال الشرطة أول ما طالت. الغريب أن بعض( أو أغلب) رجال الشرطة غضبوا من الثورة, وتمنوا زوالها وحاولوا وأدها, وتواترت الشائعات أن بعض الشرطة تتقاعس عن أداء واجبها الوطني قاصدة أن يفتقد الناس الأمن لينقلبوا علي الثورة والنظام الجديد, فتعود دولتهم البوليسية تخنق أنفاس الشعب المسكين. هم لا يدركون أن الثورة قامت لتعيد إليهم دورهم النبيل, وكان الأولي بشيوخ المهنة أن يغضبوا للمحنة التي وجدوا أنفسهم فيها حين تم تكليفهم بمهام تخالف شرف المهنة وتتعارض مع ضميرهم الانساني, فإما أن يخسروا وظائفهم أو يخسروا أنفسهم, وكان الأحري بشباب الضباط أن يغضبوا من شيوخ المهنة الذين حولوهم إلي أدوات الظلم وآلة البطش بالعباد, وأفهموهم( خطأ) أنهم أسياد الناس, وأن الحكام هم أسياد أسياد الناس, ولم يعلموهم أبدا أن مهمتهم هي دفع الشر عن المواطن, فأصبحوا رموز الشر في المجتمع. إلي ضابط الشرطة أتوجه إليك متمنيا أن تنحاز إلي عهد جديد وجيل جديد, وأن تمارس مهمتك الصحيحة فتشارك في مسئولية إدارة المواطنة, وتتفهم دورك المهم في رعاية السلام المجتمعي, وتسعي لإرساء العدل والحق, وقتها ستعود سيدا مهابا بين الناس بالحب والعطاء. * إلي الشباب الثائر الذي سجل بحروف من نور ملحمة الثورة, فأهدانا حلما جميلا التف حوله هذا الشعب العظيم, إلي شباب تواصل بأساليب العصر ليدعوا لثورة سلمية. جابه رصاص القناصة وهراوات البلطجية بحشد مترابط فعلم الدنيا العطاء والتضحية والإبداع. إلي الشباب الذي تصدي لأسلحة التشويه المعنوي, والمؤامرات السياسية والمال المشبوه, فتجاوزنا بهم ومعهم فترة انتقالية عصيبة. أتمني عليكم أن تستعيدوا توحدكم أمام القوي التي فرقتكم, وألا تسلموا القيادة لعقول شاخت وترهلت وأدمنت العبث بالدماء, والمتاجرة بالشعارات والمقدسات, وألا تطاوعوا قلوبا تمكنت منها الكراهية وشهوة الانتقام. أسألكم وأتساءل معكم أكانت تلك الثورة العظيمة وسيلة أم غاية؟ ألم تكن هي وسيلتنا لنرفض أن نورث ونصبح أحرارا, ولنشيد مؤسسات الحكم التي نختارها, أم أدمنا الفعل الثوري اللا مسئول الذي يحرق الأخضر واليابس؟ ما أحوجنا إلي مبادراتكم وتضافركم وإبداعاتكم التي ألهمتنا الثورة لنستكمل البناء, فهل شمرتم عن سواعدكم اليوم, وبذلنا معا العرق والجهد من أجل البناء والعمل, هكذا نستكمل الثورة التي بدأتموها لو كنتم تعلمون. * إلي الحاكم أتوجه, لقد اختارك الشعب في انتخابات نزيهة, وحصلت أنت وتيارك في جولتها الأولي علي خمسة من بين خمسين مليونا هي أصوات المصريين, أي عشرة في المائة فقط هم من أيدوك كأختيارهم الأول لقيادة الأمة, وحصل المنتمون للتيارات الوسطية علي نحو ثلاثة أضعاف ما حصلت عليه, ولكنهم خرجوا جميعا من السباق خاسرين يوم تعددت أشكالهم وتفرقت أصواتهم. وحين جاءت جولة الإعادة تأرجح الوسطيون بينك وبين منافسك, وانحاز الناس إليك( مع ضآلة الفارق) رغم أن إدارة الدولة وقتها انحازت ضدك. توقعنا استقرارا لم يتحقق, فلقد قامت الدولة العميقة بأجهزتها وشبكة مصالحها الفاسدة لإضعافك, ففي ضعفك قوتهم, وعملوا لإسقاطك ففي سقوطك عودتهم. بئس ما صنعوا, ولكن ماذا فعلت أنت لتحتوي الجموع الحائرة التي انحازت إليك أو تلك التي لم تنحز إليك؟ وماذا فعلت بوعود وعهود قطعتها علي نفسك؟ لقد أتتك لحظة التاريخ لصناعة مستقبل أفضل لأجيال تتطلع لحياة كريمة, ولا سبيل أمامك إلا المصالحة والمصارحة ولم الشمل, فهل اقتنصت فرصة التاريخ قبل أن تفلت من بين يديك؟ إلي الشرطي والثائر والحاكم نحن نحتاجكم جميعا أن تتضافروا لبناء الوطن الجريح. أهنئكم في عيد الشرطة والثورة والوطن, وأتوجه للمولي بالدعاء أن يحفظ مصر الغالية وشعبها الطيب من كل سوء.