قالها نجيب محفوظ في أحلام اليقظة. عندما يدرك المرء أن عاقبة الجبن أشد وطأة من عاقبة الشجاعة.. هنا ينال الناس حريتهم. وكما يقول الإنسان الشريف عندما يضع المرء المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية المباشرة.. فإن حظه في العيش الكريم في وطن حر.. مع كرامة إنسانية.. تكون مرتفعة.. تليق.. بشعب حر.. يري نفسه يستحق الأفضل في كل شيء. آعتقد أن الكثير منا.. وربما الأغلبية وجد نفسه في مفترق الطرق.. بأن يختار وينحاز إلي الحق المجرد والعدل المجرد والكرامة الإنسانية.. والعدل الاجتماعي وحق الإنسان في فرص متكافئة ومجتمع يعامل الجميع علي أساس واحد لايفرق بين أحد وآخر إلا بعمله وكفاءته وخلقه.. وبين أن يغرق في مصالحه الشخصية المباشرة.. وأنا هنا أتحدث عن أكل العيش.. هكذا بمنتهي البساطة.. وثانيا الإحساس بالأمان المباشر. أي القدرة علي ممارسة حياته البسيطة دون أن يتعرض إلي كوارث أمنية مقصودة تطول عائلته وأمانها في حياتها اليومية العادية. هكذا وصلنا جميعا إلي تلك النقطة التي أرادها لنا أعداء الثورة. خطة شيطانية جريمة متكاملة الأركان.. وضعت العام والخاص في مقابلة كل منهما الآخر هكذا ببساطة واجه الناس العاديون الاختيار الصعب فليس كل الناس أبطالاً .. ثوريين .. قادرين علي الارتفاع عن الأمان الشخصي والتضحية بالمال والنفس من أجل القضايا الكبري والقيم النبيلة. التي قد نستفيد منها جميعا لو كتب لها النجاح ولكن قليلين فقط هم المستعدون لدفع الثمن أو هم الذين نتوقع منهم أن يحملوا أوزار نتائج الثورة علي أكتافهم. هؤلاء نجدهم في كل مكان وفي جميع المجالات.. الأبطال.. الذين يضحي بهم من أجل.. رفعة الآخرين إذا نجحوا.. فلهم الشكر أو نكران الجميل علي حسب الظروف. وإن فشلوا دخلوا السجون .. ونحن محميون في جدراننا الأربعة آمنين .. محميين بفضل جبننا ومشينا جنب الحائط وسكوتنا وغض طرفنا عن أي ظلم نراه أو حتي تجاوز بسيط في حقوق الآخرين.. سكتنا جميعا وصمتنا عندما كان علينا أن نصرخ ونوقف الظلم. تفرقنا عندما كان علينا التوحد إنقاذا لنا جميعا من يد البطش والقهر والذل والهوان. ودفعنا جميعا الثمن فلا أعتقد أن أحدنا (نجا) من تلك المعضلة. من إحساسنا من عدم احترامنا لذاتنا لأننا تركناهم يفعلون بنا كل تلك الأفاعيل التي أوصلتنا لما نحن عليه الآن. ثورة تقتل وعاد الجميع إلي قوقعة الصمت طلبا للأمان اليومي لقمة العيش والأمان الشخصي .. عرفوا كيف يلعبون علي هذا الوتر جيداً. وضعوا الأسباب التي طبخوها ليصلوا بنا إلي النتائج التي خططوا لها من أول يوم.. التنحي.. الذي كان من أجل إنقاذ النظام وليس حماية الثورة. ❊❊❊ عندما ذهبت أنا شخصيا إلي انتخابات الإعادة كنت حزينة غاضبة كارهة العريسين المتقدمين لي شخصياً شفيق ومرسي. فأنا من مريدي التيار الثالث تيار الثورة التي تريد النجاح لمصر بفقرائها وعاطليها ومرضاها ضحايا نظام مبارك العفن الذين سقطوا صرعي الثالوث الرهيب السرطان والكبد الوبائي والفشل الكلوي. كنت أريد ببساطة.. شيئا بسيطا أن ننجو جميعاً من مستقبل لايحمل رائحة عار الماضي. عار صمتنا ورضانا أن نعيش عبيدا لمماليك العصر الحديث يليق وعندما كان يعارضني أحد في ال 11 مرشحاً الرئاسيين السابقين وعدم ارتفاعهم إلي مستوي يليق بمصر العظيمة كنت أسخر سخرية المبتلي وأقول: اختشوا لقد حكمنا البقرة الضاحكة الضحل عديم الموهبة والكفاءة والوطنية الكاره لشعبه.. المحب لذاته لدرجة المرض.. ثلاثين عاما.. بالتمام والكمال. بعده .. أي إنسان سوف يعتبر عملاقا إذا قورن بالماضي وعندما يغضب مني محدش يقول: لقد قمنا بثورة من أجل محو هذا النوع من الحكام من حياتنا أقول نعم عندك الحق. ولكن المتاح أمامنا .. نتيجة لتفوقنا وأنانية المدعين الوطنية حتي وضعنا رقابنا مرة أخري بين فكي الرحي. عودة نظام مبارك أو الوقوع في ظلامية الإخوان وبراجماتيتهم والاتفاقيات السرية وخيانة الثوار وتركهم يسحلون ويقتلون ما إن وصلوا إلي مجلس الشعب.. وبدأوا يرددون .. ويكيلون نفس الاتهامات التي كان مبارك ونظامه.. وشفيقه وعمر سليمانه يكيلونها لهم: وكانت الصدمه الكبري المصورة تليفزيونيا للخيانة الكبري للجماعة للثورة والثوار أما شفيق فتلك حكاية مخزية .. فاجرة. إن مجرد وصوله إلي الترشح هو إهانة بلون الدم للشهداء. ❊❊❊ أكتب هذا المقال مساء الجمعة فلا أعرف من منهم نجح، فكلاهما بطعم العلقم في فمي. إلا أن نجاح شفيق بالنسبة لي هو حكم إعدام فعلي للثورة والثوار. نجاح شفيق كان يعني لي مباشرة عودة النظام السابق مع عودة ممارسات الشرطة وأمن الدولة بقيمة مضاعفة للانتقام من الثوار علي ثورتهم علي الداخلية بالذات وأمن دولتها الذين اغتصبوا الشعب كله برجاله ونسائه عمليا ومجازيا. قهرونا وعذبونا وكشفوا عوراتنا وانتهكوا أعراضنا وأذلوا فقراءنا ودفنوا شبابنا أحياء ووجدنا بقاياهم هياكل عظمية في أقبية أمن الدولة المقتحمة بيد أفرادها لغرض في نفس يعقوب عرفنا أسبابه في شكل الطرف الثالث أو اللهو الخفي. الذي أصبح اللهو الشرس الذي لم يعد خافيا علي أحد.. تلك الصورة البشعة أو الصورة الذهنية التي روعتني وأمرضتني طريحة الفراش فعليا حيث انهزم جسدي تماما من هول فكرة عودة مبارك في صورة شفيق. وجدتني أسترجع. السرقة والفساد وتقسيم البلد علي مائة شخص وجدتني أسترجع أننا نستعبد وقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا وجدتني أسترجع بيع مصر بالكامل لأعدائها. تحطيم أي محاولة لاستنهاضها وقف أي مشاريع فيها أي مصلحة للشعب وفتح بطنها من أجل حفنة من رجال عصابة يسمونهم خطأ رجال أعمال. هالني من استحضره ذهني بعودة شفيق علي حمار أعرج ليقول لنا إنه من الثوار وإنه يريد الخلاص لمصر.. الخلاص .. ممن ؟ وجدتني أسترجع المحاكمات التي لم تحكم علي أحد إلا علي قتلة سيد بلال لأن أربعة منهم هاربون مثل أمين الشرطة المشهور السني الذي حكم عليه وحده بالإعدام. وعندما عاد النظام مؤقتا وبرئ القتلة عاد وأخذ البراءة. إذن حتي قتلة سيد بلال .. الذي عذب حتي الموت.. لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. إذا جاء شفيق إلي الحكم ستعود كل موبقات حكم المخلوع مثني وثلاث ورباع.. المليارات التي خرجت علي يد شفيق وضحكوا علينا بالمحاكمات العادية وليس الثورية من أجل استعادة الأموال.. فلا حوكم القتلة ولا عادت الأموال. افتقر الشعب كله .. إلا رجال النظام السابق تصوروا بعد الثورة أوقفوا الحال فافتقرنا جميعاً أما حرامية النظام فملياراتهم قد حمت ظهورهم منهم من ظل في قصوره. ومنهم من هرب إلي الخارج بنفسه أو هرب أمواله إلا قلة شلة (طرة) المسجونة بالأجسادا المحررة بالأموال الهاربة في حكم شفيق إلي الخارج.. عانينا كلنا أهالي مصر المحروسة. فقراؤها.. عشوائيوها.. طبقتها الوسطي.. عمالها المؤقتون في كل مكان.. عمال مصانعها التي أغلقها أصحابها وفروا بالأموال. وتركوهم في الميادين يصرخون ويتهمون بالمطالب الفئوية وتلك كانت ضحكة الموسم. مطالب فئوية؟ أم حقوق من أجل أن تستر عورتهم من العوز والحاجة. الملايين يتلقاها مماليك وجواري نظام مبارك الذين ظل أغلبيتهم في مراكزهم وفي مناصبهم في طول البلاد وعرضها إلا قليلاً. وعاني الشعب وعوقب علي ثورته. وأوصلوه لأن يلعن الثورة التي للغرابة لم تحكم ولم تفرض الفوضي الأمنية ولم توقف المراكب السائرة للاقتصاد المصري. وإنما فعلها من يحكم البلاد. ولكنهم استطاعوا ببراعة نرفع لهم القبعة عليها. أن يلبسوا حزب الكنبة أو الشعب الذي لايفهم من السياسة سوي أنها توفر له أكل العيش وله الحق في هذا. استطاعوا أن يقنعوه مش عارفة إزاي والله إن السبب هم الثوار!! إزاي معرفش وأوصلونا إلي الجدار العازل لإرادتنا إلي النقطة التي خططوا لها من أول يوم. ❊❊❊ عندما قامت الثورة في أيامها الأولي وتصور الإعلام أن الأمور قد دانت لهم قبل أن يكتشفوا الخديعة ويتحول من تحول من عبيد مبارك إلي عبيد للثورة ثم العودة مرة ثالثة إلي عبودية نظام شفيق القادم أو هكذا تصوروا إلي كشف كل خطايا نظام مبارك وخاصة الممارسات الأمنية الفجة في حق المواطن وكرامته خاصة في أقسام البوليس. التي كانت أقبية الرعب والتعذيب المنهجي ليس للمعارضين السياسيين أو هكذا كنا نظن. إنما التعذيب لمجرد توصية صديق علي واحد اختلف معه لأي سبب؟ ركنة عربية خناقة بين المدامتين أو محاولة سرقة شقته أو سرقة أرضه .. أو مشروعه. أو أي شيء تافه مثل سرقة شغالة لبلوزة من حاجة المدام. فتذهب إلي القسم لتلاقي الأهوال من تعذيب واغتصاب وإعطائها لقمة سائغة إلي جنود القسم المحبطين. تباري الجميع لإظهار تلك الانتهاكات وعرفنا أضعاف ماكنا نعرفه. وشبنا جميعا من أهوال تلك المعرفة. فهل تستعجبون عندما قيل إن الناس في ثورة 52 يناير قد هاجمت أقسام الشرطة؟ وإن الذين قتلوا علي أبوابها هم بلطجية وموتهم ليس جريمة قتل ومن ثم أخذوا جميعا البراءة. ضباط الأقسام الذين دافعوا عن أنفسهم ادعوا أنهم كانوا يحمون مكان عملهم ومن ثم هو دفاع شخصي عن النفس برئ أيضا قاتلو ثوار التحرير والميادين وهم المتظاهرون العزل؟ هذا هو نظام شفيق مبارك العائد بقوة للانتقام؟ ونسوا أنه من هاجم القسم هاجم مكانا كانت ترتكب فيه جرائم ضد الإنسانية بمعناها العميق المباشر!! ومن تلك النقطة بالذات لعب عليها حتي يقول الناس خاصة الذين مشوا جنب الحيط وكانوا يخافون من المشي بجانب سور أي قسم بوليس ناهيك عن الدخول إليه إلا بواسطة كبيرة حماية للكرامة من أصغرها ملازم أول. حتي يقول الناس حقي برقبتي. وفعلا .. لعبوها .. لعبة معلم مثل لعبة موت مبارك سريريا لتبرير نقله لمستشفي المعادي.. لعيبة .. فعلا. وضعوا الناس بين أمرين كلاهما مر: إما أن يضحوا بالحرية والكرامة والديمقراطية وأن يعودوا نادمين آسفين يا ريس. وإما أن يجوعوا ويروعوا وهكذا صوت الملايين لشفيق أو هكذا أظنه ومنهم أقرب الناس إلي وقالوهالي بصراحة. كفاية بهدلة ووقف حال وسرقة وخطف. لقد أوشكنا علي الجوع ونفدت أرصدتنا التي وفرناها لليوم الأسود الذي طال حتي عرانا. وما الذي تغير بعدما دفعنا ثمنا للثورة كما تصرخين في وجوهنا في كل مرة نشكو منها من الأزمات المرسومة لنا بالدقة. للثورة ثمن يجب أن يدفع ولكننا دفعنا الثمن ولم نجد أي أمارة للتغيير الثوري في حياتنا؟ سرقة هي هي .. الرشاوي زادت وأكثر ورجال مبارك محميون بالكاب والبيادة!! علي إيه بقي.. زهقنا وتعبنا واتخرب بيتنا. خلاص انهزمتوا اعترفوا بقي بلاش مكابرة والنتيجة 21 مليوناً اختاروا شفيق حسني مبارك من أجل كل ماسبق؟ البديل ليس مشجعا وليس حبا في شفيق إنما خوف وكره للجماعة!! ❊❊❊ قبل ساعات من كتابة المقال عرضت قناة CBC فيلم الباب المفتوح للكاتبة الثائرة الحرة لطيفة الزيات فيه كانت البطلة تعيش ضعيفة مقهورة .. لا تستطيع أن تخرج عن الأصول كفرت بالحب وظلت عاجزة عبدة للتقاليد وعندما خيرت بين الحب وحريتها وبين مذلة الزواج بمن يكفر بالحب والحرية معا.. ومن أراد الزواج منها لأنها مطيعة وهادئة وتنفع له والزوجة التي تخدم الزوج ولا تتزوجه حبا وكرامة. ظلت عاجزة خائفة من إيجابية وقوة.. حرية الاختيار. ثم جاء الحب والثورة والعدوان الثلاثي علي مصر ليعطيها القوة لاتخاذ الخطوة الهامة. كسر جدار الخوف لتعدو لتلحق بقطار بورسعيد الذي يقلها هي وحبيبها. لنصرة الثورة ولاختيار الحب والحرية وكان الباب المفتوح علي الأمل كانت صدفة أم رسالة من السماء. رغما عن ثمن الثورة الذي دفعته ماديا وأعني ماديا لعمل عائلتي بالسياحة فإنها تستحق كل مليم خسرته. فالحمد الله الذي ابتلانا بنقص في المال وليس في الأنفس.. الحمد لله الذي لم يبتلنا بالجبن وعدم حب الوطن فليسقط شفيق ومرسي.. معا. وتعيش الثورة والمجد للشهداء!!