من البديهيات التي يجب ان يكون عليها رجل الدعوة أن يقف علي مسافة واحدة من كل التيارات فإذا أبدي انحيازه لتيار معين صار محسوبا عليه، وفقد مصداقيته في أداء رسالته، ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة حينما دعا في مكة ووصفه كفارها بصفات طيبة رغم اختلافهم معه في دعوته فأمنوه علي أموالهم وأعراضهم، وكذلك عندما دخل المدينة وفيها مختلف الناس من أصحاب العقائد السماوية كالنصرانية واليهودية، وغيرهما من المجوسية وعبدة الكواكب والأوثان ورغم ذلك كان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، بسبب وقوفه من الجميع علي مسافة واحدة، وهذا سر نجاح دعوته، واما الدعاة في الفترة الاخيرة فقد فقدوا هذا السر وظهر كثير من المشكلات. حولها وكيفية علاجها كان هذا التحقيق. في البداية يري الدكتور الاحمدي ابوالنور وزير الاوقاف الاسبق ان الداعية عليه الابتعاد عن الذوبان في خضم التيارات الطائفية بحيث يكون علي مسافة واحدة من الجميع يقدم لهم النصح ويقتدي به الشباب في كل التيارات السياسية، يتعلمون منه القيم الإسلامية وكل ما يجمع شمل الأمة علي كلمة الإسلام، وينقلها من الضعف إلي القوة، ومن الجهل إلي المعرفة ونور العلم. ويحذر د. أبوالنور من إندماج الداعية في حزب بعينه حتي يفقد موقعه الوسطي بين الجميع، ويتحول إلي عدو للآخرين إذا كان لسان حزب ما بسبب انفعالاته وانتماءاته لتيار سياسي بعينه، مشيراً إلي قدوة البشرية سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والذي أجاب عن علي "رضي الله عنه" عندما سئل عنه صلي الله عليه وسلم بقوله "وسع الناس بسطة "أي بشاشته" وخلقه فصار أبا لهم وصاروا عنده في الحق سواء وذلك كان في المدينةالمنورة والتي كان فيها المهاجرون من قبائل مختلفة والانصار من أوس وخزرج والمنافقون والوثنيون وغيرهم من الناس الذين شملتهم أبوته ورحمته صلي الله عليه وسلم علي اختلاف عقائدهم وطبائعهم. فلم يظلم أحداً علي أساس أنه مجوسي أو نصراني أو غير ذلك بل كان العدل هو الأساس الذي صار عليه النبي صلي الله عليه وسلم في تعاملاته معهم فكان لا يفضل هؤلاء علي أولئك، وهذا كان سر القضاء علي جميع المشاكل وأساسا لقيام دولة ذات حضارة استمرت لأكثر من عشرة قرون ملكت الشرق والغرب. ويطالب أبوالنور الأئمة والخطباء بالقراءة في كل المجالات حتي يثقفوا أنفسهم ثقافة عالية تمكنه من أن يكون رأيهم صادرا من مرجعية لها قدرها الفكري وبالتالي يقدره الآخرون ويستطيع قراءة مشكلاتهم وطرح الحلول المناسبة لها، فيكون دوره استشعار المشكلات من حوله في بدايتها والبحث عن علاجها كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم والذي وصفه ربه بالرءوف الرحيم، فالرءوف هو الذي يستشعر الضرر من بعد ويحذر منه، والرحيم الذي يجذب الناس إليه برفق ورحمة ليجنبهم والضرر، ويعيش هموههم ويحاول أن يخفف عنهم الآلام، ويكون حريصا عليهم جميعا مسلمين أو غير ذلك لقوله تعالي "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم". فضلا أن المصطفي صلوات الله عليه أوصي بأهل مصر وعهد إلينا ألا نسيء لأحد فيها لقوله في أكثر من حديث أوصيكم بأهل مصر خيرا فإن لنا فيها نسبا وصهراً بالاضافة لقول يوسف عليه السلام في القرآن الكريم "ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين" ومن ثم علينا أن نجعلها واحة للأمان فكل مصري مأمور بأن يؤمن أهله وجيرانه وكل من يدخل مصر فلا يليق بنا أن نكون مصدر ضيق أو سلب للأمن بالنسبة للمصريين أو الأجانب. ويلفت الدكتور أبوالنور إلي أن الوصول إلي هذه النتائج لا يتحقق إلا من خلال تخطيط علمي من جانب الأزهر باستمرار للائمة في كليات الدعوة والشريعة وأصول الدين، بالاضافة لخطط استراتيجية يعيشها ويتدرب عليها حتي يكون علي دراية بالمتغيرات المحيطة به من جميع الجوانب ويستطيع تشخيص الداء ووضع العلاج المناسب له ويتمكن من تطبيق ما تلقاه في دراسته وبعد الدراسة. ويتفق معه في الرأي الدكتور طه أبوكريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الاسبق مشيراً إلي أن إعداد الدعاة إلي الله عز وجل يبدأ منذ فترة الدراسة الازهرية في مراحلها الاولي سواء كانت في المعاهد الازهرية ثم في الكليات الدينية والعربية والمتخصصة مثل كليات أصول الدين واللغة العربية والدراسات الاسلامية والشريعة حيث إن هذه الكليات هي التي تدرس فيها كل المواد التي تتصل بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم فهما واستنباطا وأحكاما وما إلي غير ذلك من العلوم التي تدرس في تلك الكليات والتي يتم من خلالها إعداد الدعاة بما تلقوه من دراسات أصيلة ومعاصرة حتي يكون الداعية ملما بأصول الدين ومستحدثات الحياة العصرية حتي يستطيع أن يخاطب ويدعو كل فئة من فئات المجتمع فيما يتصل بتوجهاتهم وثقافاتهم بالإضافة إلي إحاطتهم علميا بكل أمور دينهم عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاقا، حتي يسيروا في حياتهم علي منهج صراط الله المستقيم في كل أمر يتصل بأمور دينهم ودنياهم ويؤكد أبوكريشة أنه بغير هذه الدراسات المتخصصة لن يكون الداعية قادراً علي أداء رسالته ويترتب علي ذلك ما يترتب من المفاهيم المغلوطة والسلوكيات التي لا تتفق مع الأصول الدينية التي تتنوع بين الغرض والواجب والمندوب والمستحب ويوضح الشيخ رضا حشاد من علماء الازهر أن تخريج جيل صالح من الدعاة يكونون شموسا تضيء للناس ومجاهدين يضحون بأوقاتهم وأموالهم في سبيل الدعوة التي أمنوا بها فعلينا ان نربيهم علي خصال منها الاخلاص ومعناه أن يقصد ربه جل وعلا في كل عمل ولا يقصد سواه ولا ينتظر الأجر فكلما زاد حب الداعية لربه وأخلص في دعوته اندفع بروح عالية وبحركية متواصلة لا ينتابها الكسل مؤمنا بقيمة رسالته أما إذا فقد الاخلاص فإنه سيفشل ويخيب وتتقطع أنفاسه ولا يصل إلي شيء كما يجب علي الداعية أن يتخلق بكل أخلاق الاسلام من الحلم والعفو والصبر وكظم الغيظ، وأن يكون دائما نصب عينيه رسول الله صلي الله عليه وسلم والذي كان يدعو وحده لله وسط الكفار، وهم الذين وصفوه بكل الصفات الطيبة لانها كانت عملية فأمنوه علي أموالهم واعراضهم ومن تأسي برسول الله أفلح ونجح فهؤلاء جيل الصحابة ما كان عندهم البخاري ولا مسلم ولا الترمذي ولا النسائي وإنما كان القرآن، أخذوه غضاً من رسول الله فكان أحدهم إذا صعد المنبر يبكي الحجر وكان يحدث تغيراً للناس في حياتهم وأعمالهم ولذلك وصل جيل الصحابة إلي أعلي القمم في الدعوة إلي الله وفتحوا البلاد بأخلاقهم بفضل دعوتهم بالعمل قبل القول فلابد وأن يسبق العمل الدعوة بالقول وينصح الشيخ حشاد الداعية ببذل وسعه في التعليم وطلب العلم من المصادر الموثوق منها ومن العلماء والا يعتمد في مبدأ أمره علي الكتب لأن العلم الشرعي يؤخذ بالتلقي كما أخذه جبريل من ربه وأخذه الرسول صلي الله عليه وسلم من سفير الوحي جبريل عليه السلام وتلقاه الصحابة من رسول الله، وعلي الداعية أن يتدرب علي فقه الواقع حتي يستطيع انزال النصوص علي مواردها ومواطنها بحيث لا تكون النصوص في جانب أو يسيء الاختيار في وضع النصوص علي الواقع وهذا سبب كثيرا من المشكلات التي نعاني منها الأن في المجتمع ومن جانبه يؤكد الدكتور جمال عبدالستار وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة أن الوزارة بصدد البدء في خطة النهوض بالدعاة والعلماء من خلال مراحل أولها تفعيل دور الحاصلين علي درجات الماجستير والدكتوراه والاستفادة من جهودهم وامكاناتهم في الناحية الدعوية ومجالات التدريب والنوافل وغيرها من الانشطة بجانب إعداد دورات تخصصية بمنهج علمي دقيق لتنهض بالامكانات الفكرية والمهارية للأئمة. كما أن الوزارة تحرص علي تفعيل دور المجلس الاعلي للشئون الاسلامية باصدارات علمية رصينة تغطي القضايا المعاصرة بابحاث فكرية وعلمية لإمداد العلماء والدعاة بما يحتاجونه لحل مشاكل المجتمع فضلا عن تفعيل إدارة البحوث الدعوية بمجموعة من الاكفاء ليقوموا بخدمة القيم والافكار التي تريد الوزارة إعادة غرسها في نفوس الأمة والمجتمع وأشار عبدالستار إلي أن الوزارة بصدد توظيف 3 آلاف امام وخطيب علي أعلي مستوي علمي ودعوي ليكونوا بمثابة الصورة المثلي للأئمة والدعاة.