بدا كمال الشيخ(1919 2004) لصاحب تلك السطور اسطورة في عالم السينما لدرجة أن إمتنانه للرجل جعله يجنح في تصوره معتبرا إياه أقوي وأكثر تأثيرا, ولديه ما كان يعتقده من الاسباب, من الانجليزي الشهير الفريد جوزيف هيتشكوك(1899 1980), غير أن الراحل لم يخف تأثره الكبير من هتشكوك, ولعلي أتذكر الان, وخلال الحوار الطويل الذي اجريته معه في نهاية ثمانينات القرن المنصرم بشقته ذات الرقم المثير1313 والكائنة بالدور الثالث عشر بعمارة الايموبليا في شريف باشا والمطلة أيضا علي قصر النيل ثم امتد في اليوم التالي بمقهي الاكسلسيور بجوار سينما مترو بشارع سليمان باشا, مدي ولع الشيخ بالمخرج الإنجليزي لدرجة أنه اعتبره الاهم في تاريخ السينما البريطانية علي الاطلاق, وحينما سألته: ماذا تعني الاثارة والتشويق في ان تجعل المتفرج رهينة بين يديك, بحيث تجعله أسيرا يحبس أنفاسه قلقا ينتظر بفارغ الصبر نهاية اللغز وما أن تعود الشاشة إلي لونها الابيض الشفاف وفي وسطها حروف سوداء تقولTheEnd يخرج المشاهد وقد تحرر من قيود الإثارة دون أن يحمل عقله اثرا وكانه لم يشاهد شيئا, هذا ما حدث مع الطيور وقبله اطلب مميم للجريمة عام1954 وسيكو عام1960 إلي آخر تلك النماذج, بعبارة أخري وجدنا لغة سينمائية عالية وسيناريو محبوكا دون محتوي أو موضوع او تفسير يظل في الذاكرة, الشيخ خالف هذا الرأي تماما و قال التأثير البصري هو الباقي, ثم أن الولوج في عالم الاسرار داخل النفس الإنسانية كان قمة عطاء هيتشكوك للفن السابع ومضي كمال الشيخ قائلا من هنا لا بأس من التأثير والاقتباس لكن بطرح مغاير منطلقا من رؤية مختلفه, وهذا ما حاولت أن افعله في أعمالي هنا توقف كلام الشيخ وبدوري أضيف أن كمال الشيخ مزج عنصري الترقب والتشويق بالواقع الاجتماعي والسياسي فخرجت أفلامه حاملة أفكارا وقيما ورؤي بحيث تظل عالقة في ذهن المتلقي لا تبارحه من هنا تأتي أهمية كمال الشيخ في عالم السينما المصرية, صحيح أن مخرجنا نال الكثير من الجوائز الدولية قبل المحلية إلا أن موقعه لا يقارن بطبيعة الحال بهتشكوك والسبب بسيط جدا وهو هوليود الكاسحة والمهيمنة التي لا يوجد نظير لها في العالم حتي الان. وهو ما يعني سطوة الصيت' ولا الغني' التي حجبت الكثير من ابداعات لم تصل إلي عالمية المشاهدة, علي اي حال سيظل الشيخ ركنا مهما في تاريخ السينما الناطقة باللغة العربية ولمكانته هذه سنتوقف, هذا الاسبوع وكذا الجمعة القادمة, عند بعض, وليس كل, اعمال هذا المخرج لنتعرف علي ما تركه من ابداع سيظل محفورا في الذاكرة. الايقاع ينتقل من المونتاج إلي الإخراج بعد مسيرة طويلة مع المونتاج شملت40 شريطا مقاس35 مللي, بدأها باحلام الشباب إخراج كمال سليم((1923 1945) عام1942 وختمها بفيلم' عايزة اتجوز' والذي أخرجه احمد بدرخان(1909 1969) عام1952, بدأ كمال الشيخ يدشن اسلوبه المثير اعتبارا من عام1951 حيث أخرج أول اعماله معتمدا علي حكاية كتبها وهو بنفسه ووضع لها السيناريو والحوار علي الزرقاني(1918 1982) وعنونها باسم' المنزل رقم13' وقام ببطولته عماد حمدي(1909 1984) وفاتن حمامة ومحمود المليجي(1910 1983) وكانت خير بداية, لانها اظهرت بجلاء الامكانيات البصرية التي يمتلكها الشيخ أنه لم ينس المونتاج فقد ظل إيقاعه السريع المتدفق ملازما له وهو يدير مشاهده خلف الكاميرا, ولعل عشاق الابيض والاسود يدركون تلك اللقطات الحية بتدرجاتها اللونية وخلفياتها المثيرة من مؤثرات وأكسسوارات وايضاءات أضفت أجواء الاثارة والرعب في آ ن علي الفيلم, ثم صرخة عبد الرحيم الزرقاني(1913 1985) الشهيرة في قاعة المحكمة مدافعا عن موكله الذي وجد نفسه مدانا بجريمة لم يرتكبها قائلا لرجال المنصة انه التنويم المغناطيسي الذي كان حديثا في عالم الطب آنذاك وسط تعجب واندهاش الحاضرين في القاعة كل هذا جسدته كاميرا عرفت كيف تزرع الترقب لدي المتلقي الذي لم تنفرج اساريره إلا مع مشهد زفاف البطل والبطلة في نهاية الشريط الرائع. ثم تأتي تحفته في حياة أو موت عام1954 والذي يحكي عن رجل يصاب بأزمة قلبية عماد حمدي فيرسل إبنته ضحي أمير, وهي عمليا التي قادت قصة الحياة والموت معا في الشريط المثير, للحصول علي الدواء ولكن يكتشف الصيدلي بعد ذهاب الطفلة أنه اعطاها دواء مركبا آخر قاتلا دون أن يدري فماذا عساه أن يفعل وهكذا سارع بالاتصال بجهات الأمن وعلي الفور تقوم حكمدارية القاهرة بمحاولة البحث وإنقاذ هذا الرجل قبل تناول الدواء الملفت أن الشيخ في فيلمه الثاني سيترك الاستديو لينتقل إلي شوارع القاهرة, في واقعية بوليسية وضع هو بذورها, ولا ينسي أن تكون رؤيته لها هي رؤية الطفلة التي تشرع الخطي كي تصل لمنزلها لتعطي الدواء لابيها المريض ورغم وجود شخصيات ونجوم كبار مثل مديحة يسري ويوسف وهبي(1898 1982) ومعه مساعده رشدي أباظة(1929 1980) وحسين رياض(1897 1966) في دور الصيدلي إلإ ان بطلت الفيلم كانت بلا منازع الطفلة والتي شاركت بعد ذلك في ثلاثة أفلام ولم يعد لها أثر علي الشاشة. في منحي مختلف نسبيا يقدم الشيخ عام1956 تنويعة درامية قاتمة شديدة السواد مستخدما لغة سينمائية أثيرة جعلت من النسخة المصرية لرواية أميل برونتي والمعنونة بمرتفعات ويزرنج وبعد أن أخذت اسم آخر ألا وهو الغريب نموذجا يحتذي به بيد أنه تفوقت حرفيا علي التناولات الغربية لتلك القصة وتحكي كما قال الناقد محمود قاسم عن الحاج كامل الذي التقط صبيا صغيرا من الشارع, رفض أهله وأقاربه ايواءه بعد موت أبيه وأمه, وكفله في داره, فعاش كإبنه إلي جوار ابنته وابنه الصغيرين, وقد نشأ الابن الحقيقي محرز' محسن سرحان1916 1993 علي عداء مجهول مع الصبي المسكين غريب' يحيي شاهين(1917 1994), بينما أحبت الابنة الصغيرة ياسمين هذا الصبي, حبا ظل حتي ريعان شبابهما قامت بالدور' ماجدة' وتنتهي القصة بموت الحبيبة بين يدي الغريب وفي لقطات مفعمة بالمأساة والعبث ينطلق غريب هائما في الحياة. ثم يعود الشيخ إلي قالبه المحبب لقلبه وهو التشويق في قلب يحترق عام1959 عن قصة وحوار صبري عزت وكتب الشيخ السيناريو بنفسه ومع مفتش المباحث حمدي' عماد حمدي' نعيش حكايته ومنها نتبين كم كان سعيدا مع زوجته عايدة' مديحة يسري' وابنهما عصام, إلي أن دخلت حياتهما زوزو صديقة الزوجة هنا تنقلب الأمور وتعيش الاسرة أجواء لم تعتدها من دسائس وخيانة تفضي إلي خطف ابنهما الوحيد, وبعد عدة مطاردات يتمكن الضابط حمدي من القبض علي خاطفي أبنه ليعود الهناء والصفاء من جديد إلي حياتهما.