يأتي عقد القمة الاقتصادية والاجتماعية بالرياض في أول يناير المقبل في ظل ظروف بالغة التعقيد لجميع الدول العربية وذلك بعد الزخم والنشاط الذي تولد عقب القمة الاولي بالكويت في عام2009 والقمة الثانية في شرم الشيخ في يناير2011. غير أننا نري أنها سوف تمثل فرصة لاستنهاض الهمم العربية لدول الخليج خصوصا لتعبئة الموارد وعلي الأخص بالالتزام بالعهود التي ألتزمت بها الدول العربية بتوفير2 مليار دولار لدعم وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في قمة الكويت2009 من خلال صندوق يخصص لهذا الغرض. ينبغي التحضير من الآن لاستعادة تنفيذ التوصيات التي تمخضت عنها كل من القمتين السابقتين بهدف تنشيط تطبيق تلك التوصيات وتذكير القادة العرب بها كما تمثل القمة القادمة في الرياض فرصة جدية للسعي نحو دراسة فكرة الاندماج والتكامل العربي بصورة جدية في المرحلة القادمة كمخرج للازمات التي تواجه الدول العربية جميعها. اننا نري أن اهم خطوة علي طريق الاندماج الاقتصادي العربي هي التسليم بحقيقة انه برغم مرور عقود طويلة, إلا ان الاندماج لا يزال املا اكثر من كونه حقيقة واقعة ومهما كان حسن النية في الماضي فان الجهود المبذولة في هذا الاتجاه لم تكن فعالة وبالتالي يتعين الاختيار ما بين ثلاثة بدائل عريضة اما التخلي عن مشروع الاندماج الاقتصادي العربي تماما ومواصلة العمل به عن طريق تحرير التجارة التفضيلي أو القيام بقفزة إلي الامام عن طريق الاستفادة من الخبرة المكتسبة حتي الان. يجب ان يهتدي الاختيار بالعوامل السياسية وليس الاقتصادية فقط وان اصلح اختيار للأمة العربية يقتضي الاستفادة من دروس الماضي المكتسبة لاستنباط بديل أو مسار اكثر طموحا للاندماج في المستقبل, ويكون له مردود اقتصادي واضح. واذا تم اختيار نهج اكثر وضوحا نحو الاندماج فان الخطوة التالية تكون استحداث رؤية مشتركة بشكل الشأن النهائي للاندماج علي الاقل مبدئيا فيما بين مجموعة صغيرة رئيسية مبدئيا من الدول العربية. كان من الواضح لمؤسسي الاتحاد الاوروبي ان الهدف من الاتحاد هو خلق سوق مشتركة لها سياسة تجارية خارجية مشتركة والسماح في نهاية المطاف بحرية انتقال السلع والخدمات والاستثمارات والقوي العاملة فيما بين الدول الاعضاء وكذلك فمن المهم للدول العربية ان تشرع في صياغة هدف نهائي واضح موضحا أن الخيارين الواضحين المطروحين اما في خلق سوق عربية مشتركة أو اتفاق تجارة حرة اعمق يمتد إلي التعاون بشأن السياسات التنظيمية والمؤسسات المشتركة والاختيار فيما بين هذين الخيارين يعتبر سياسيا بالدرجة الاولي, فيما يغاير الرؤية التي تري انه يجب فصل السياسة عن الاقتصاد. وما ان يتم الاتفاق علي رؤية فان الخطوة التالية هي اختيار الملائم لتحقيقها وفي حالة الاتحاد الاوربي فقد وفر تحرير التجارة الاقليمية اساسا لمزيد من الاندماج, وكان يتعين ان يلي ذلك حراك القوي العاملة وتحرير الاستثمار المباشر والجهود الرامية إلي تقليل الحواجز التنظمية التي كانت تجزئ اسواق الخدمات الوطنية, مؤكدا ان المسار الذي اتبع في الدول العربية بدأ بتحرير التجارة البينية في السلع علي الرغم من انه لم يتم وضع خطوات لاحقة بشكل واضح, فاذا وجدت الرؤية والمسار فان الخطوة التالية هي اعادة التفكير في المؤسسات الضرورية للاضطلاع بمشروع الاندماج. كما انه من الضروري القيام بمراجعات متأنية للمؤسسات القائمة وبالرغم من انه لا يمكن الحكم مقدما علي نتائج تلك المراجعة فان الاحتمال كبير بان تتطلب تدعيم كيان يقوم داخل جامعة الدول العربية للإشراف علي تصميم القضايا العريضة للاتفاق وإنفاذه, علاوة علي ايجاد كيانات جديدة لمعالجة مجالات اتفاق جديدة منها علي سبيل المثال حركة القوي العاملة وتحرير الخدمات. ونقترح في هذا الصدد اربع مراحل لتحقيق الاندماج والتكامل تأتي متدرجة ومتتابعة للوصول إلي التعاون الاقتصادي الكامل ولا مجال للقفزات المفاجئة. وأولها اقامة منطقة تجارة حرةFTA تتيح حرية انتقال السلع والخدمات من الدول دون رسوم وإلغاء القيود الكمية علي السلع ولكن تحتفظ الدول الاعضاء بتعريفاتها الجمركية تجاه الدول الأخري. والخطوة الثانية هي اقامة الاتحاد الجمركي وينطوي علي ازالة القيود الجمركية مع اقامة جدار جمركي موحد في مواجهة الدول الاخري وتفرض فيه تعريفة جمركية مشتركة. والخطوة الثالثة هي اقامة السوق المشتركة وتشمل الاجراءات السابقة في الخطوتين السابقتين بالإضافة إلي حرية انتقال عناصر الانتاج وتبني سياسات مشتركة والمرحلة الرابعة هي الوصول إلي الوحدة الاقتصادية والنقدية الكاملة مثل الاتحاد الاوربي وعملته الموحدة اليورو. [email protected] رابط دائم :