تعالي رنين جرس التليفون بإلحاح شديد في غرفة الإخصائية الاجتماعية بمؤسسة رعاية الأطفال مجهولي النسب, وفور أن ردت الإخصائية علي المكالمة. حتي فوجئت بصوت ميري حاد, يرد بلهجة شديدة ليقول لها, إحنا يا أفندم سجن النساء بدمنهور, البيه المأمور عايز حضرتك تشرفينا علشان عندنا مشكلة كبيرة محتاج يناقشها مع حضرتك, وبعد لحظة صمت قطعها نفس الصوت الحاد علي الطرف الآخر قائلا: احنا منتظرين حضرتك غدا الساعة10 صباحا, وانقطع الاتصال, وجلست الإخصائية في صمت لم يقطعه إلا صوت زميلتها وهي تقول لها أيه الحكايه, وبعد ما حكت الإخصائية لزميلتها عن المكالمة تنهدت وقالت, ياخبر بفلوس بكرة يبقي ببلاش, وفي اليوم التالي ذهبت رجاء إخصائية مؤسسة رعاية الأطفال المجهولي النسب إلي سجن النساء بدمنهور, وقابلت المأمور الذي فاجأها بدخول طفل في عامه الثاني في حضانة أمه السجينة بالسجن, ووجب خروجه من السجن لإنهاء فترة الحضانة, لكن المشكلة أن هذا الطفل ليس له أقارب لتسلمه, وأن أمه تنكر اسم أبيه, وبالتالي لم يستدل عليه, والأسوأ من ذلك أن الطفل ولهذا السبب ليس له شهادة ميلاد طوال السنتين السابقتين لإصرار الأم علي إنكار اسم الوالد, وطلب مأمور السجن من الإخصائية تسلمه بهذه الطريقة المخالفة للقانون واللوائح التي تنظم عمل المؤسسة, وفي الوقت نفسه لا يستطيع مأمور السجن الإبقاء علي الطفل لمخالفة ذلك للوائح ونظم السجون, ووقف الجميع حائرا أمام تلك الحالة الفريدة من نوعها, وأصبح الطفل مهددا بالإلقاء في الشارع, وما بين حيرة المأمور والإخصائية وبكاء الأم, اتفق الجميع علي ضرورة البحث عن حل يصب في مصلحة الطفل, وأثناء البحث عن حل نظمت الإخصائية الاجتماعية عدة جلسات بحثية اجتماعية ونفسية مع الأم, عرفت من خلالها أن الأم بعد أن هربت من أهلها في الصعيد, رمتها الأقدار في طريق أحد الشياطين الذي أخطأت معه, حيث وعدها بالزواج, وخلف وعده لها بل تركها حاملا وهرب لإحدي البلاد العربية ولا تعرف له مقرا أو أهلا, فلجأت للعمل في البيوت, حيث زين لها الشيطان سرقة أحد تلك البيوت, فضبطت وأحيلت للمحاكمة, وحكم عليها بالسجن7 سنوات, حيث وضعت مولودها بعد أشهر قليلة بالسجن وظل في حضانتها حتي الآن, ولا تعرف له أبا ولا أسرة, خاصة أنها بعد هروبها من أسرتها بالصعيد, لا تستطيع العودة لهم وعلي كتفها طفل, حتي لا يقتلوها, من بين دموع الأم ورجائها للإخصائية, أن يقبلوا طفلها بالمؤسسة, بدأت مشاعر الإخصائية تتحرك لإنقاذ هذا الطفل, حيث أخذت خطابا من مأمور السجن بالواقعة وتحركت به إلي النيابة التي تفهمت الوضع وأصدرت قرارها بتسليم الطفل إلي المؤسسة بوصفه مجهول النسب, واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو استخراج شهادة ميلاد له باسم الأم, وفي خانة الأب توضع كلمة مجهول, وعلي الفور تم تسلم الطفل واستخراج شهادة ميلاد له باسم( غريب) واستقباله بالمؤسسة ووضعه مع إخوته أبناء المؤسسة, وتوفير حياة كريمة له, مع توفير زيارات مستمرة لأمه بالسجن لتحقيق الوئام الأسري بين الطفل وأمه لحين خروجها من السجن, وهكذا أصبح( غريب) ابنا من أبناء المؤسسة الإيوائية, يعيش في الحياة وحيدا حائرا وغريبا عنها, لا يعرف له أبا ولا مستقبلا, وفي انتظار أم سجينة قد تخرج في يوم من الأيام, ويعلم الله هل سيلم شمل الطفل وأمه أم ستذهب الأم في طريقها, ويظل( غريب) غريبا في الحياة.