لاتنحي من الذاكرة المباراة النهائية في بطولة أمم افريقيا في نسختها الثانية سنة1959 والتي أقيمت بملعب النادي الاهلي وكانت الإذاعة تنقل وصفها التفصيلي. وكنت أجلس علي خط التماس في الملعب الي جوار معلق المباراة الراحل حسين مدكور وكان طرف المباراة منتخب مصر وشقيقه المنتخب السوداني وفي هذه المباراة لمع نجمان كرويان لمعانا شديدا وقدما معا أجمل لقطات المباراة بحسبان إنهما مسجلا هدفي المباراة وبالتالي أوصلا المنتخب الي منصة التتويج فائزا بلقب البطولة وحاملا كأسها للمرة الثانية بعد فوزه بالبطولة الاولي التي أقيمت في الخرطوم سنة1957 أما هذان النجمان فهما عصام بهيج ومحمود الجوهري عصام بهيج لاعب وكابتن الزمالك الذي افتقدناه منذ رحيله قبل عامين قدم كل جهده واحرز هدف الفوز بلعبة لاتزال تذكرها الأجيال التي شاهدت المباراة في الملعب إذ لم يكن التليفزيون قد حل ضيفا علي الاعلام المصري وكانت الإذاعة فقط هي صاحبة الصولجان كان حارس مرمي المنتخب السوداني حارس الزمالك فيما بعد سمير محمد علي الذي ذاد عن مرماه ببسالة منقطعة النظير وكان التعادل الايجابي بهدف لكل فريق هو السائد حتي قبيل انتهاء المباراة الي أن كان لعصام بهيج رأي آخر في تغيير النتيجة فقد جاءته الكرة وظهره للمرمي السوداني فاذا به يلعب الكرة دبل كيك خلفية لتسكن المرمي وتفوز مصر بهذا الهدف الذي سجل سطرا مضيئا في مسيرة عصام بهيج, أما محمود الجوهري الذي كان يصعد سلم النجومية في سماء الكرة بخطي حثيثة ويكتب سطورا متتالية في سجل تألقه الكروي فانه كان حركة دائبة لاتهدأ طوال المباراة وكان يشغل موقع قلب هجوم المنتخب وكان يوالي هجماته بشراسة وكم أمسك سمير محمد علي بكرات خطيرة صوبها الجوهري نحوه ولعل تألق سمير محمد علي في هذه المباراة هو الذي دفع مسئولي الزمالك الي التعاقد معه حيث أصبح علي مدي سنوات عديدة الحارس العتيد الذي ذاد عن مرمي الزمالك ببسالة واتخذ من مصر وطنا ثانيا له واذكر انني لشدة اعجابي بالجوهري وعصام بهيج استضفتهما عقب المباراة وعلي الهواء مباشرة قدمت لهما التهنئة علي جهد رائع أثمر الفوز بالبطولة الافريقية ثم كانت استضافتي للجوهري بعد ذلك مرات عديدة وهو يؤدي أداء جميلا في المنتخب العسكري وتمرالايام واذا باللاعب الذي كان متألقا في نهائي أمم افريقيا سنة1959 هو نفسه رئيس الجهاز الفني للمنتخب الذي فاز بأمم أفريقيا في بوركينا فاسو سنة1998ليكتب تاريخ الكرة في مصر ان لاعبا من منتخبها فاز ببطولة كأس الامم حتي يصبح هذا اللاعب بعد38 عاما المدرب الذي يفوز بنفس البطولة واذكر انني كنت ضيفا في سهرة من سهرات اذاعة الشباب والرياضة عقب وصول المنتخب من بوركينافاسو وكانت فرصة هاتفت فيها كابتن جوهري مهنئا بالبطولة ومذكرا اياه ببطولة1959 والحوار الاذاعي الذي أجريته معه هو والكابتن عصام بهيج عقب المباراة, قبل ذلك بثماني سنوات كان الجوهري قد كتب اسمه بحروف من ذهب في سجل الخالدين عندما وصل بالمنتخب الوطني الي عرس الكرة العالمي في ايطاليا1990 بعد معاناة استمرت اكثر من نصف قرن حاولنا دون جدوي ان نصل الي كأس العالم منذ ان ظهرنا علي مسرحه1934 الي أن جاء الجوهري وحقق الحلم ومن عجب أنه في كلا المناسبتين كان القوالون وما اكثرهم يتنبأون بأن الجوهري لن يصل الي دور الثمانية في بوركينا فاسو وانه لن يصنع شيئآ في مسابقة كأس العالم وخالف الجوهري الظنون وحقق الحلمين والجوهري صاحب تجارب ناجحة فقد جاء الي الزمالك مدربا بعد سنوات عجاف بلا دوري ولا كأس فإذا به يصنع المعجزة ويفوز للزمالك ببطولة دوري اندية أفريقيا ثم يفوز علي الاهلي في السوبر الافريقي سنة1994 والذي أقيم في جنوب افريقيا وهكذا الجوهري هو نفس المدرب الذي يحقق للأهلي بطولات عديدة يصنع نفس الشيء مع الزمالك وهو متميزقلما يتحقق لمدرب من المدربين ويأتي زمان يضيق فيه صدر الجوهري بالمقالب الكروية والتي للأسف حاكها له تلاميذه ممن أصبحوا مسئولين كرويين وفي زخم هذا الضيق يفتح له الأردن الشقيق ذراعيه ويستقبله مدربا لمنتخبه فإذا بالجوهري يخرج من ارض الكرة الاردنية ثمرا يانعا صنع منه منتخبات أردنية تألقت في البطولات الآسيوية علي مستوي القارة وعلي مستوي منطقتها العربية وهاهو الجواد الاصيل يتوقف عن الركض واحراز الفوز في السباقات وما اكثرها وهاهو الفارس يترجل لتبكيه مصر والأمة العربية لأنه عندما كان يحرز فوزا لمصر وللاردن فإنه في نفس الوقت كان يحرز الفوز لامته العربية