الجبلاوي: الرئيس السيسي حافظ على سيناء بالنهضة والتعمير ومحاربة الإرهاب    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    استمرار انعقاد الجلسات العلمية لمؤتمر كلية الطب البيطري بجامعة كفر الشيخ    البداية من فجر الجمعة.. تعرف على مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024    محافظ القليوبية يوجه باستغلال الجزر الوسطى بإقامة أنشطة استثمارية للشباب    برلماني: مصر تبنت خطة تنموية شاملة ومتكاملة في سيناء    وزير التنمية المحلية يتابع مع البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    انقطاع الاتصالات والإنترنت عن وسط وجنوب غزة    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال يستخدم أساليبًا إجرامية بحق المدنيين العزل    عمارة: كلمة الرئيس فى ذكري تحرير سيناء حملت رسائل قوية من أجل الاستقرار والسلام    صحيفة: ليفربول يعلن سلوت مديرًا فنيًا للفريق نهاية الأسبوع    النيابة تأمر بتفريغ كاميرات المراقبة فى ضبط عصابة سرقة الشقق السكنية ببدر    إهناسيا التعليمية ببني سويف تنظم مراجعات شاملة لطلاب الثالث الثانوي (تفاصيل)    «بنات ألفة» يحصد جائزة أفضل فيلم طويل ب«أسوان لسينما المرأة» في دورته الثامنة    إيهاب فهمي عن أشرف عبدالغفور: أسعد أجيالًا وخلد ذكراه في قلوب محبيه    تامر حسني وأنغام نجوم حفل عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية    «الرعاية الصحية» تستعرض إنجازات منظومة التأمين الصحي الشامل بجنوب سيناء «انفوجراف»    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    السيطرة على حريق نشب أمام ديوان عام محافظة بني سويف    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    «المحامين» تعلن موعد جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بجميع الفرعيات    أنطوي: أطمح للفوز على الزمالك والتتويج بالكونفدرالية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي للفصل الدراسي الثاني 2024 محافظة القاهرة    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر والسيسي بالذكرى الثانية والأربعين لتحرير سيناء    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لعيد تحرير سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق الى 2020 : جابر عصفور يدافع عن الثقافة وينتقدها

الثقافة هي التحدي الحقيقي الذي نواجهه وليس السياسة معركتنا الحالية والقادمة علي عقول الناس لو غيرنا الحكومة بالكامل وجئنا بحكومة جديدة‏..‏ فلن تستطيع شيئا طالما التركيبة العقلية الحالية سائدة
في مدرسة الأقباط الاعدادية بنين بمدينة المحلة الكبري‏,‏ حيث تتلاصق الكنيسة مع مسجد أبوالفضل في مكان يعرف باسم سويقة الأقباط‏..‏ تفتح عقله علي حالة من التعايش والتنوع والتعدد كانت من أهم سمات مصر الثقافية‏,‏ شكلت كثيرا من وعيه في الصغر‏,‏ لذلك أصبح بعد ذلك أحد أبرز المدافعين عن الدولة المدنية القائمة علي المواطنة المتساوية والمتكاملة‏,‏ يرفض العزلة والانغلاق‏,‏ وسعي طوال عمله في الجامعة‏,‏ ومن خلال أهم المناصب الثقافية التي تولاها إلي نشر التنوير‏.‏
الدكتور جابر عصفور مدير المركز القومي للترجمة والنشر‏..‏ يستشرف مستقبل مصر بعد عشر سنوات بعين علي الثقافة التي يعمل بها‏,‏ وعين أخري علي الناس الذين جاء منهم‏,‏ ولا يزال يتواصل معهم‏.‏
سألته السؤال الأول في كل الحوارات عن أهم تحد تواجهه مصر‏..‏ وأنا أعرف أنه سيبدأ من الثقافة‏..‏ وكما توقعت تماما أجاب دون تفكير أو تردد‏:‏ الثقافة هي أهم تحد تواجهه مصر وليس السياسة‏.‏
‏*‏ سألته‏:‏ كيف؟
أجاب‏:‏ إذا آمنت أن التغيير يبدأ من الناس‏,‏ فهذا معناه أن تكون عقولهم مستعدة للتغيير‏,‏ ولديها صورة للمستقبل‏,‏ ولدولة مدنية حديثة‏,‏ ولديها أيضا كل الشروط التي تصنع التقدم‏,‏ لكن للأسف كل هذا غير موجود في عقول الناس حاليا‏.‏
‏*‏ وماذا يوجد في عقول الناس؟
عقول الناس أقرب إلي الثقافة التقليدية المحافظة والرجعية‏,‏ التي تتقبل بكل حماسة دولة دينية‏,‏ وليس مدنية‏,‏ لهذا أري أن التحدي ثقافي وليس سياسيا‏,‏ فحتي لو غيرنا الحكومة بالكامل وجئنا بحكومة جديدة‏,‏ فلن تستطع شيئا‏,‏ طالما التركيبة العقلية الحالية سائدة‏,‏ فلا فائدة‏,‏ ولا يمكن القيام بنهضة صناعية أو اقتصادية‏,‏ أو تعليمية‏,‏ أو أي شيء آخر‏.‏
‏*‏ إذن‏..‏ ماذا نفعل؟
أستدعي هذه الأيام الخلاف الذي دار بين محمد عبده وجمال الأفغاني‏,‏ كان محمد عبده يري أن الثورة الفورية والجذرية غير ممكنة‏,‏ والأولي أن يسبقها تغيير الناس وعقولهم‏,‏ وكان يري أن التعليم هو بداية هذا التغيير‏,‏ فثار عليه جمال الدين الأفغاني وقال له جملة شهيرة‏:‏ أنت مثبط‏..‏ وانتهي الأمر‏,‏ لكن التاريخ أثبت صحة رؤية محمد عبده لأن التعليم حين انتشر تغيرت عقول الناس‏,‏ وأصبحوا مستعدين للثورة‏,‏ بدليل أن من قام بثورة‏1919‏ هم أبناء البرجوازية في الجامعات والمدارس العليا‏..‏ الخلاصة أنه حين تعلم أولاد الطبقة الوسطي بدأوا يفهمون ماذا تعني دولة مستقلة‏,‏ وكانت شرارة ثورة‏1919‏ من مدرسة الحقوق علي وجه التحديد‏.‏
‏*‏ التغيير بدأ من المدرسة‏!!‏
نعم‏..‏ حين وجدت الطبقة الوسطي مدارس حديثة‏,‏ لكننا للأسف حكومة ومعارضة لا نفعل ذلك حتي الآن‏,‏ وأري أنه أجدر بالمعارضة الحقيقية أن تنشئ جمعيات أهلية تمهد للتغيير‏,‏ لكن تغيير نظام بنظام‏,‏ أو حكومة بحكومة في ظل الأوضاع الحالية‏,‏ لن يغير شيئا جذريا‏..‏ لأن التحدي الحقيقي هو عقول الناس‏,‏ يجب أن تؤمن العقول بالجديد‏,‏ وبدولة مدنية حديثة حقيقية‏,‏ وفي هذه الحالة سننتصر في معركة المستقبل‏.‏
‏*‏ وكيف ندير هذه المعركة علي عقول الناس؟
بالثقافة‏..‏ تبدأ ببناء منظومة ثقافية مكتملة قاعدتها الأولي هي التعليم‏,‏ ودون مجاملة أو مواربة‏,‏ فإن التعليم بوضعه الحالي وصل إلي أسوأ درجاته‏,‏ إلي كارثة حقيقية‏,‏ وللأسف فإن الوضع الحالي للتعليم يخرج أناسا مستعدين للتطرف الديني وقبول الخنوع والاذعان لأي قوة قمعية تحت أي اسم وبسرعة مذهلة‏.‏
فهذا التعليم لا يبني مواطنا متفتحا‏,‏ ولا متيقظا ولا لديه وعي نقدي يستطيع من خلاله التفريق بين الصواب والخطأ‏..‏ وإنما مواطن مذعن ذليل يستجيب لكل ما يؤمر به‏.‏
‏*‏ وهل التطور والتقدم والحداثة مرتبطة بالتعليم فقط؟
لا‏..‏ بعد التعليم في الأهمية ثلاثة أشياء متوازية تكون مثلثا متساوي الأضلاع قاعدته الإعلام وضلعاه الثقافة والأوقاف‏,‏ مثلا الأوقاف تشرف علي ما لا يقل عن‏150‏ ألف واعظ وخطيب في المساجد والزوايا التابعة لوزارة الأوقاف‏..‏ ونحن نتحدث ليل نهار عن الدولة المدنية الحديثة‏,‏ فيأتي خطيب في إحدي هذه الزوايا ليقول إن الدولة المدنية كفر‏,‏ وتصدقه الناس‏..‏ ولا يصدقونك‏!!‏
‏*‏ وكيف تكون البداية؟
دعنا نفعل ما فعلته الليبرالية المصرية الأولي‏,‏ مثلا جماعة البرادعي تجمع توكيلات لتعديل الدستور كما حدث في ثورة‏1919‏ ليس لدي اعتراض‏,‏ لكني ادعوهم إلي تكرار ما فعلته الليبرالية المصرية الأولي‏,‏ عملوا علي المدي الطويل لبناء مجتمع مدني صحيح‏,‏ وجمعيات أهلية‏,‏ هذه الجمعيات انشأت المدرسة المصرية‏,‏ حتي أن اغلب التعليم الأهلي استند علي تلك الجمعيات سواء كانت مسلمة أو قبطية‏..‏ حتي الجامعة المصرية اقامها المجتمع المدني‏.‏
‏*‏ لكن معظم جمعيات المجتمع المدني الآن الدينية تختلف كثيرا عن الجمعيات الخيرية الدينية التي نشأت في القرن التاسع عشر‏..‏ ولم تكن لها اجندة سياسية خفية؟
من يريد القيام بثورة وإحداث تغيير جذري عليه ان يعلم جيدا‏,‏ التغيير الجذري لن يتم بثورة عنيفة‏,‏ زمن الثورة الفرنسية لم يعد موجودا‏,‏ الدنيا تغيرت وقوانين العالم‏,‏ والاقاليم والاقطار نحن في عصر مختلف‏,‏ واصبحت الاقمار الصناعية والعلاقات الدولية تمثل تحديا حقيقيا لابد وأن نتكاتف معه‏,‏ وهذا يعني ان التغيير العنيف بين يوم وليلة‏,‏ او حتي سنة ليس واردا‏.‏
‏*‏ وماذا تفعل حتي تجعل هذا التغيير ممكنا ونوفر له شروط نجاحه؟
لابد من إيجاد ثقافة مضادة للثقافة السائدة‏,‏ خصوصا وان المثقفين واقعون بين مطرقة الوعي الاجتماعي المتخلف وسندان الحكومة المتحالفة مع هذا الوعي الاجتماعي‏,‏ وحتي نخرج من هذه المصيبة‏,‏ لابد من انشاء جماعات مدنية ومجتمع مدني قوي تعمل وتحارب من خلاله والتجارب تقول ان هذا المجتمع المدني نجح في بعض الاشياء في احداث اثر بما يعني اننا لدينا جماعات مدنية وليست الاحزاب مؤثرة خصوصا وان العولمة الاعلامية مفيدة‏.‏
‏*‏ لكن هذه الوصفة لتغيير المجتمع تستغرق وقتا طويلا؟
طبعا‏..‏ لكن المجتمع المدني هو البداية الصحيحة‏,‏ وحين تصل إلي وضع قوي‏,‏ وتحقق اهدافا متقدمة‏,‏ لابد ان تصل في يوم من الايام إلي ما تريد‏,‏ لكن المسألة ليست سهلة‏,‏ ولن تتم بين يوم وليلة‏,‏ ويمكن ان تأخذ حركة جيل بالكامل‏,‏ لكن المهم‏,‏ وضع البلد علي الطريق الصحيح‏,‏ وكلما حققنا انتصارا في جهة تقدمنا إلي الامام‏..‏ وكلما ضغطت علي الحكومة حصلت علي اشياء اخري‏.‏
‏*‏ انت طرحت موضوع جبهة البرادعي‏..‏ ماذا تريد منهم بالتحديد؟
أليسوا نوعا من الليبرالية الجديدة؟‏..‏ لماذا لايفعلون كما فعلت الليبرالية القديمة مع تغيير الزمن‏,‏ نريد منهم انشاء جمعيات تبني مدارس حديثة‏,‏ وانا شخصيا اعرف عددا من الرأسماليين المصريين الليبراليين مستعدون لإنشاء مدارس علي نفقتهم الخاصة والانفاق عليها من داخل جمعيات مدنية‏.‏
‏*‏ هذا يعني انك فقدت الأمل تماما في التعليم الحكومي؟
اذا لم أكن فقدت الأمل تماما‏,‏ فأنا علي وشك‏,‏ لان هذا التعليم لاينطلق من رؤية جذرية شاملة للمستقبل‏,‏ وانا شخصيا اعترف بأنني مازلت اعمل مع وزير الثقافة فاروق حسني حتي الامس لسبب بالغ البساطة‏,‏ وهو انه يتمتع برؤية سليمة للمستقبل‏,‏ وهي رؤية صحيحة بنسبة‏80%‏ علي الاقل ولو كانت عنده رؤية مثل الموجودة في التعليم لانسحبت منذ زمن وتفرغت للكتابة‏,‏ ولكان ذلك افضل مما احصل عليه من ارتباطاتي الرسمية الوظيفية‏.‏
‏*‏ وهل دور المثقف ان يكتب فقط؟
لا‏..‏ الوظيفة الأولي للمثقف ان يغير المجتمع إلي الافضل‏,‏ وان يسهم في هذا التغيير بكل وسيلة ممكنة‏,‏ الكتابة واحدة من هذه الوسائل‏,‏ ويمكن ان اضيف إليها الفاعلية في الجمعيات الأهلية لصالح القضية العامة‏,‏ وهي تقدم المجتمع وتغييره إلي الافضل‏.‏
ايضا ان يكون المثقف ناشطا سياسيا‏,‏ أوعضوا بارزا في جمعية أهلية‏,‏ أو حزب سياسي‏,‏ يعمل قدر ما يستطيع‏,‏ لان المثقف لايستحق شرف ان يكون مثقفا إلا اذا كان فكره يعمل في مجال التغيير نحو الافضل‏,‏ وهذا الافضل مقياسه الوحيد البسيط تحقيق مصلحة الناس وتحسين حياتهم‏.‏
‏*‏ والاصلاح؟
اصلاح اية‏..‏ والناس تعاني‏,‏ مصر تشكو من مشكلة مياه‏..‏ مصر لأول مرة في تاريخها تشكو من مشاكل صحية لم تكن موجودة‏,‏ مصر لأول مرة في تاريخها تشكو من عدد مهول من سكان العشوائيات مصر فيها قطار يحترق بالمئات‏,‏ وعبارات تغرق بالالاف‏..‏ كل هذا الخراب الذي يتكاثر تعيشه الناس‏,‏ واذا اردت الحديث عن التغيير فيجب ان يشعر به الناس‏,‏ انا علي سبيل المثال معاش تقاعدي من جامعة القاهرة بعد‏04‏ عاما من الأستاذية ألف جنيه كيف كنت ساعيش به انا وزوجتي لو لم تكن الكتابة مصدر قوتي لذلك لايمكن الحديث عن اي اصلاح إلا اذا شعرت الناس به‏,‏ وبدون ذلك لن تكون هناك مصداقية لأي حديث عن الاصلاح‏.‏
‏*‏ بما اننا تحدثنا طويلا عن تحدي التعليم‏,‏ فلا يمكن ان نغفل تحديا اخر وهو الأمية التي لاتزال في حدود‏29%‏ من السكان رغم مرور أكثر من خمسين عاما علي المشروعات القومية لمحو الامية كيف نتعامل مع هذه التحدي؟
ولامشروع‏..‏ ولايحزنون‏,‏ انا شخصيا لا اثق ثقة كبيرة أو حتي صغيرة في مثل هذه المشروعات القومية لمحو الأمية‏,‏ ماذا فعلت في كل هذه السنوات‏,‏ اذن انت لاتعرف‏,‏ فدع غيرك يعمل‏,‏ هذه مهمة المجتمع المدني‏,‏ وليس امامنا سوي هذا السبيل‏,‏ أو الضغط علي الدولة بطريقة فعالة توصلنا لتوجيه هذا الجهاز الذي لايفعل شيئا‏.‏
‏*‏ وكيف تقرأ تحدي الإسلام السياسي علي مصر في السنوات العشر القادمة‏!‏
من الذي أوجد الإسلام السياسي‏,‏ ولماذا استمر؟ يجب ان نبدأ بهذا السؤال‏,‏ والاجابة هي ان الإسلام السياسي خرج نتيجة مجموعة عوامل كلها مرتبطة بالدولة التسلطية التي عرفناها مع حكم ثورة يوليو‏1952‏ ومع التسليم بالأهداف النبيلية لهذه الثورة‏,‏ إلا انها أدت إلي مجموعة من التحولات أوصلتنا إلي دولة السادات التي تحالفت مع الاخوان وكان السياق مؤهلا لهذا التحالف‏,‏ حيث الثورة الخومينية في إيران‏,‏ ومحاولة نشر الوهابية‏,‏ والتحالف الأمريكي المصري السعودي للقضاء علي الدولة الشيوعية في افغانستان‏.‏
كل هذه الظروف أوجدت مايسمي بالاسلام السياسي المصنوع‏,‏ ولو لم تكن هناك تسلطية دولة ما كان يمكن للإسلام السياسي ان يصل إلي هذه الدرجة من القوة‏.‏
‏*‏ أجبت عن سؤالك الأول من الذي أوجد الإسلام السياسي‏..‏ ماذا عن الشق الثاني
من السؤال وهو لماذا استمر؟
السادات تحالف مع هذا التيار في السبعينيات واستغل هذا التحالف ونشر قواعده‏,‏ وساعده ان الثقافة الموجودة في المجتمع هي في الجذور ثقافة تقليدية‏,‏ فتشبعت به‏..‏ وانتشرت وحين وجه السادات ضربة لهذا التيار كانت فوقية وبعد السادات لم تحدث مواجهة فكرية علي جميع المستويات‏,‏ لا اقصد النخبة والاعلام‏,‏ وانما التعليم‏..‏ بمعني ان الدولة كانت تعلن الحرب علي الإسلام السياسي بينما هذا التيار يسيطر علي معظم مدارس التربية والتعليم‏.‏
يعني الدولة من فوق تسير في اتجاه‏,‏ ومن تحت تسير في اتجاه اخر‏.‏
‏*‏ وماذا فعلنا لمواجهة هذا التيار المضاد للدولة المدنية الحديثة؟
للأسف لم يمكن لدينا في أي لحظة من اللحظات استراتيجية ثقافية قوية‏,‏ علي سبيل المثال الدول الخليجية بسلوكها النفطي وعوائدها الجديدة التي اوجدها النفط تذهب إلي لندن وباريس وغيرهما من العواصم الأوروبية‏,‏ لكن لم يحدث اختلال في ثقافة هذه العواصم‏,‏ فلم تتغيير مثلا مسارح لندن في توجهها بسبب السائحين الخليجيين‏..‏بينما‏.‏
اهتز مسرحنا‏,‏ وعملنا مسارح تجارية تناسب هؤلاء‏,‏ وهذا يعني أن ثقافتنا هشة‏,‏ وقابلة أن يأتيها أي فيروس يهدها‏,‏ لأن الجهاز المناعي الثقافي المصري ضعيف‏,‏ بينما الجهاز المناعي الثقافي الأوروبي قوي جدا‏.‏
‏*‏ هذا الكلام سيغضب الكثيرين؟
‏*‏ يغضبون‏..‏ الثقافة المصرية ليست مجموعة مثقفين‏,‏ الثقافة هي دي الناس‏,‏ نحن طليعة‏,‏ لكن باقي الجسد يعيش‏,‏ والعلاقة بين الرأس والجسد ليست وثيقة‏,‏ علي سبيل المثال لو ذهب علاء الأسواني الذي احتفل قبل أيام بطباعة النسخة المليون ليخطب في أي قرية‏,‏ وذهب إليها أيضا الشيخ خالد الجندي‏,‏ سيخرج الناس ليستمعوا له‏,‏ بينما قد لا يجد الأسواني من يسمعه‏.‏
لذلك حين نتحدث عن الثقافة يجب أن نفرق بين شيئين‏,‏ المثقفين من حيث هم طليعة‏,‏ وباقي جسد الثقافة المصرية‏,‏ هذا الجسد ضعيف وهش تغلب عليه موروثات متخلفة‏,‏ لم تحدث لها مواجهة ثقافية جذرية منذ عام‏1952,‏ والثورة الثقافية ظلت ولاتزال مجرد قشرة لم تصل إلي الناس‏.‏
‏*‏ وكيف تقرأ حالة المرأة المصرية الآن‏..‏ وفي المستقبل؟
‏*‏ تتجسد فيها كل المشكلات‏,‏ والقمع الواقع علي المجتمع‏,‏ قمع الموروث‏,‏ فالمرأة عورة ناقصة عقل ودين‏,‏ وطبيعي جدا ألا ترث المرأة في الصعيد‏,‏ وهذا يعني أن القضية لا علاقة لها بالدين‏,‏ وإنما هي عرف اجتماعي يغلب في أحيان كثيرة علي قوة النص الديني‏,‏ لكن رجال الدين لا يريدون تصديق ذلك‏,‏ أو الاعتراف به‏.‏
‏*‏ والحل؟
‏*‏ ليس بالقوانين والتشريعات وتشديد العقوبات‏,‏ وإنما بتغيير العقول‏.‏
‏*‏ قبل أيام اختتمتم مؤتمرا عن الترجمة وتحديات العصر‏..‏ ماذا عن الترجمة كإحدي أدوات التغيير نحو المستقبل الذي نريده؟
‏*‏ إسبانيا تترجم سنويا‏20‏ ألف كتاب‏,‏ وبكثير من التفاؤل يترجم العالم العربي من ألفين إلي ثلاثة آلاف كتاب سنويا‏.‏
‏*‏ ما نصيب مصر منها؟
‏*‏ أكبر نصيب طبعا‏,‏ نقترب من ترجمة ألف كتاب سنويا‏.‏
‏*‏ هذه الترجمة المحدودة انعكاس لماذا؟
‏*‏ للتخلف الذي نعيشه‏,‏ بالمناسبة حاولنا توزيع الكتب من خلال دور الصحف الكبري فلم نجد استجابة‏,‏ باستثناء الموضوعات السياسية أو ما يشبه الحساسية الدينية‏,‏ ومع ذلك لدي حلم أن يصل ما تترجمه مصر إلي ألف كتاب في العام‏.‏
‏*‏ وماذا عن الترجمة من العربية إلي اللغات الأجنبية؟
‏*‏ لسنا مع هذه الترجمة الآن‏,‏ لكنها في خطة المركز القومي للترجمة حين يصل إلي وضع أكثر قوة ومتانة‏,‏ عندها سننتقل لهذه الخطوة‏,‏ وقد بدأنا الإعداد لها بالاتصال بالمؤسسات الدولية ودور النشر العالمية‏,‏ حتي نوقع اتفاقيات مع ناشرين عالميين يساعدوننا في التسويق‏.‏
‏*‏ الحملة القومية للقراءة للجميع تقترب من عامها العشرين‏,‏ كيف أثرت وتؤثر في نشر الثقافة في البلد؟
‏*‏ القراءة للجميع أفضل ما حدث علي المستوي الثقافي‏,‏ وهو في أوضاعه الأخيرة أفضل‏,‏ ووجود ناس مثل فوزي فهمي ضبطوا الدفة وحسنوا الاختيارات إلي أبعد حدود‏,‏ لهذا القراءة للجميع تحدث تأثيرا‏,‏ لكنه يحتاج إلي تراكم ووقت ووسائل مساعدة‏,‏ لأنه لا يمكن التقدم في مجال واحد فقط‏,‏ لابد من منظومة متكاملة‏,‏ ولو أعطيت وزارة الثقافة كل الإمكانات الممكنة لن تنجح في القضاء علي كل المفاسد والتخلف‏,‏ لابد من أن تعمل كل المنظومة‏,‏ الإعلام‏,‏ والتعليم‏,‏ والأوقاف‏,‏ ومراكز تدريب وتثقيف العمال‏,‏ والمجلس القومي للشباب‏.‏
‏*‏ وكيف تتعامل الجهات الحكومية مع ما تنتجونه من كتب مترجمة؟
‏*‏ وزارة التربية والتعليم تشتري منا أحيانا مائتين أو ثلاثمائة نسخة من كتاب‏,‏ وأنا أستغرب جدا لماذا هذا العدد بينما لدينا‏40‏ ألف مدرسة‏,‏ نحن لا نجد تشجيعا لا من وزارة التعليم‏,‏ ولا من المركز القومي للشباب برغم أن رئيسه صديق لكنه لم يشتر كتابا واحدا منا‏,‏ نريد أن يشتروا الكتب ويضعوها في المكتبات التي يقيمونها للشباب‏.‏
ومن خلال الأهرام المسائي أتوجه لوزارة التعليم لشراء ما نترجمه‏,‏ وللعلم رئيس مجلس الأمناء الشرفية حرم الرئيس‏,‏ والمجلس له مستشارون من نحو‏50‏ أستاذا جامعيا‏,‏ ونحن نترجم كتبا تفيد الناس‏,‏ نتمني أن نراها في مكتبات المدارس‏.‏
‏*‏ بما أن عصر الحروب العسكرية قد انتهي‏,‏ وحلت محله الحروب الثقافية‏,‏ وظهرت مصطلحات مثل القوة الناعمة‏..‏ ماذا نحن فاعلون في هذه الحروب الثقافية؟
‏*‏ لحسن الحظ اتفاقيات مصر الثقافية كبيرة جدا‏,‏ لكن هذه الاتفاقيات ليست مستمرة‏,‏ فنحن نفقد رأسمال الثقافة بالتدريج‏,‏ علي سبيل المثال لو لدينا عشرون متميزا بعد سنوات سيصبحون عشرة‏,‏ ثم خمسة‏,‏ لأنه ليست لدينا عملية إحلال وإبدال وتوليد أجيال جديدة‏.‏
أنا شخصيا حتي أنجح ويكتمل حلمي لابد قبل أن أترك المركز‏,‏ لابد من أن أقيم مركز تدريب ثابتا لتخريج أجيال جديدة من المترجمين نتحمل أخطاءهم حتي يقفوا علي أقدامهم‏.‏
‏*‏ وبالطبع لابد من أن يحدث ذلك في جميع المجالات؟
‏*‏ طبعا‏,‏ حتي الآن لدينا اتفاقيات جيدة‏,‏ لكن لابد من الحفاظ عليها‏,‏ ومن ظهور أجيال جديدة يشرف المجتمع علي تكوينها وفتح السبيل أمامها‏,‏ لدينا عقدة اسمها عقدة المشايخ برغم أن المجتمع الصاحي فقط لابد أن تكون فيه حركة تدوير للنخب الثقافية والسياسية‏,‏ وهو ما لا يحدث‏.‏
‏*‏ ماذا نفعل؟
‏*‏ لابد من استراتيجية هدفها تكوين أجيال جديدة بحيث تستمر‏,‏ وتستثمر أقصي طاقاتها‏,‏ ونساعدها علي العمل بكامل كفاءتها عن طريق حرية الفكر والإبداع والكتابة في الثقافة بكل أشكالها‏,‏ يعني لا تأتي بمفتي يقول الرسم حرام‏,‏ والفن حرام‏,‏ فهذا يعني أننا نفقد قوتنا في مكان‏,‏ ولن نستطيع المنافسة فيه‏,‏ ويوجد جوا عاما يعكر الإبداع‏,‏ ويؤدي إلي انكماش السينما وتقلصها‏,‏ لكن إذا استطعت الحفاظ علي هذه القوة الناعمة‏,‏ أي الثقافة والإبداع‏,‏ وتجديدها بشكل مستمر‏,‏ فستملك القدرة علي الصمود‏,‏ وتستطيع المنافسة ليس علي المستوي العربي فقط‏,‏ وإنما علي المستوي الدولي‏.‏
‏*‏ هناك آراء عديدة داخل العالم العربي تقول إن أهم تحديات المستقبل هي قدرة اللغة العربية علي الصمود‏..‏ وأنها تتعرض لأزمة‏..‏ ما رأيك؟
‏*‏ طبيعي أن تتعرض اللغة لأزمة‏,‏ لأننا في معركة العولمة‏,‏ التي تستتبع ما يسمي بالتغريب‏,‏ حيث تشيع المصطلحات الأجنبية‏,‏ وليس لدينا إنتاج علمي مكافئ‏,‏ ولا إنتاج لغوي‏,‏ مثلا نحن نستخدم مصطلحات الإنترنت غير العربية مثل تدلييت وتسييف‏,‏ لو لدينا لغة عربية حية ومرنة وتستحق القياس‏,‏ ومعاجم لغوية متحررة ومتجددة باستمرار نستطيع الحفاظ علي هذه اللغة وتجديدها‏.‏
‏*‏ وماذا يعني التطور اللغوي؟
‏*‏ إن المشرفين علي اللغة عليهم الاجتهاد الرحب في تعلم قواعد النحو واستخدام الصيغ القياسية‏,‏ مع نشاط مجتهد في الترجمة قادر علي صياغة مصطلحات جديدة للمصطلحات العلمية الجديدة التي تتدفق كالسيل‏.‏
‏*‏ كيف تقرأ مستقبل التعايش بين المواطنين؟
‏*‏ في خطر‏,‏ بجوار بيتي بين الدقي والمهندسين منطقة اسمها عزبة علام كلما اخترقتها أتذكر صرخة أبو ذر الغفاري عن الفقير إذا لم يجد قوت يومه‏,‏ وعلي كل مصري أن يأخذ باله من هذا اليوم‏,‏ لأن الناس سيأتي عليها يوم لن تقبل هذا‏,‏ ولن يحدث تعايش بين شخص لا يجد قوت يومه‏,‏ وآخر ما يلقيه في القمامة يكفي هذا الفقير في سنة‏.‏
‏*‏ والتعايش الديني؟
‏*‏ نحن نصل به بغباء ومن أطراف متعددة إلي إمكان انتقاله من مرحلة الاحتقان الطائفي إلي مرحلة العداء الطائفي‏,‏ ولابد من تكاتف العقلاء لمنع ذلك‏,‏ ومنع انفجار اجتماعي طبقي يمكن أن يحدث‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.