في قول الله تعالي: فإنه نزله علي قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدي وبشري للمؤمنين مازلنا مع قوله: وهدي لنعرف لماذا جاءت نكرة, ومطلقة دون تقييد وماذا في ذلك من رد علي اليهود الذين لم يؤمنوا بما أنزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن جبريل لا ميكائيل هو الذي يأتي بالوحي؟ فقد عرفنا أن الهداية نوعان: هداية توفيق من الله, وهداية دلالة وإرشاد من استجاب لها وصل إلي تحقيق ما يريد من السعادة في الدنيا والآخرة, وذكرنا في النوع الأول بعض ما جاء من الآيات وهي كثيرة ومنها: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء, فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام.. وفي النوع الثاني ذكرنا الآية التي معنا.. وهدي وبشري للمؤمنين وهناك الكثير من الآيات ومنها: انا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ومنها: ألم نجعل له عينين, ولسانا وشفتين, وهديناه النجدين إلي غير ذلك من الآيات, وهداية الله لخلقه لا تدانيها هداية, وبيانه ليس بعده بيان, ولهذا جاء بها نكرة فقال هنا: وهدي وبشري للمؤمنين كما جاء بها نكرة في العديد من الآيات, ليبين لنا أن هذه الهداية هداية عظيمة, ومما يضيف لهذا تأكيدا وبيانا أنه أتي بها مطلقة فلم يقل بأنها هدي لأمر من أمور الدنيا والآخرة, إنما جعلها هداية عامة شاملة تحيط بمطالب الإنسان في دنياه واخراه قال تعالي: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا.. وحين نقول بأن هداية القرآن هداية عظيمة لا تطاولها هداية لا نقول هذا لاننا مؤمنون بالقرآن وما جاء به, وإنما هذه هي الحقيقة التي يؤيدها الواقع, والتي أثبتها غير المؤمنين بهذا القرآن فضلا عن أهل الإسلام وعلمائه, فهذه هدايته في إقامة الناس علي الايمان بالله ربا واحدا, وما ذكر من أدلة في الأنفس والآفاق هل هناك من يأتي بمثل ما أتي به القرآن, وتلك هدايته في العبادات والأخلاق والمعاملات, وما جاء به من بيان جلي, لا يدع فرصة لمرتاب, ولا يترك حجة لأحد إنما أقام أدلته ناصعة واضحة منيرة مشرقة ترشد إلي الحق وإلي طريق مستقيم. فإذا كان جبريل عليه السلام قد حمل هذا النور إلي رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم فطبعه علي صفحة قلبه الشريف ليبقي مسطورا فيه لا ينسي منه حرفا فضلا من الله وكرما, وليبلغه للناس في نصاعة بيانه وقوة حجته فهل من قام بهذه المهمة العظيمة وجاء بهذا الخبر, وحمل هذا النور يستحق من اليهود العداء؟ وهل يرفضون دعوة الإسلام لالشيء الا لأن جبريل هو الذي جاء بالقرآن وحيا لرسول الله صلي الله عليه وسلم ومن أجل ذلك يحكمون علي أنفسهم بالحرمان من هذه الهداية الربانية بكل مافيها من عز الدنياوسعادة الآخرة,وبكل مافيها من انتظام حياة الإنسان,وهدوء بالله واطمئنان قلب؟ ثم ان جبريل عليه السلام اختاره الله ليكون واسطة بينه وبين أشرف خلقه, فنزل بالقرآن الذي فيه كل هذا الخير فجبريل إذن ملك كريم نال الشرف والمنزلة العظمي عند خالقه ألايستحق هذا أن يكون محبوبا لكن هؤلاء الحمقي من اليهود عادوا وأبغضوه, ومن أجل أنه يتنزل بالوحي لمحمد صلي الله عليه وسلم رفضوا هذا الوحي الذي جاء مصدقا لمابين يديه وهدي وبشري للمؤمنين ونتساءل الأمر الثاني هو أن القرآن: بشري فماهي البشارة ولماذا كانت الهداية للمؤمنين؟ وماذا فيها من لوم لليهود علي رفضهم رسالة الإسلام لأن جبريل هو الذي يأتي بالوحي لرسول لله صلي الله عليه وسلم؟ ويقول بالله التوفيق البشارة كما سبق أن ذكرنا في قوله:وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات, هي الإخبار بما يسر. ومن عادة الإنسان إذا أخبر بمايسره ان تتهلل أساريره وتسري دماء الفرحة في عروقه فيبدو مشرق الوجه باسم الثغر وتلك هي بشرته, ومن هنا جاءت كلمة البشري ولكن: بشري بماذا؟ انها جاءت هكذا مطلقة لتعم كل ماجاء في كتاب ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة وهذه البشري ومعها الهداية الإلهية للمؤمنين لأنهم المستفيدون من الهواية, والمستنيرون بنور الله, والمستحقون للبشارة أما غيرهم فقد أصم أذنيه وأغلق عينيه ولم يشد بهدي الله, فليس له إلا أن ينذر بسوء المصير في الدنيا والآخرة, وهذا الخير الذي جاء به القرآن للمؤمنين من حمله لمحمد صلي الله عليه وسلم؟ إنه جبريل عليه السلام, فلماذا يكرهه اليهود ولماذا يرفضون لذلك دعوة الإسلام ؟ ألا إن ذلك هو الضلال المبين. فاللهم ألهمنا رشدنا واجعلنا ممن بشرتهم بالخير والسعادة وجنات النعيم. وللحديث بقية