في قول الله تعالي: قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله علي قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدي وبشري للمؤمنين إذا في قوله: مصدقا لما بين يديه/ من المعاني التي ترد علي اليهود ادعاءهم وافتراءهم؟ مازلنا في مقام بيان كيف رد الله علي اليهود ما ادعوه زورا وبهتانا من أن جبريل قلك العذاب فهم لذلك يكرهونه ويعادونه ولا يؤمنون بالوحي الذي جاء به فأوحاه إلي محمد صلي الله عليه وسلم, ولو كان الذي يأتيه بالوحي هو ميكائيل لتؤمنوا به لأن ميكائيل قلك الرحمة ؟ ولو عقلوا لعلموا أن جبريل تلك من ملائكة الله, له المنزلة العالية عند ربه, وأنه حين نزل بهذا القرآن علي قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما نزل بإذن الله, ولم ينزل من تلقاء نفسه, ثم إن هذا القرآن جاء مصدقا لما بين يديه من الكتب السابقة ومنها ما بين أيديهم من التوراة التي أنزلها الله علي نبيهم موسي عليه السلام, وهكذا ما أنزله الله من كتب وما أرسله من رسل, لم يأت رسول ليهدم رسالة من سبقه, ولم يحمل لقومه كتابا يخالف كتابا سابقا, إنما يحمل الرسول ليحيي معالم درست, وأخلاقا هزمت وهدمت, ومبادئ ضاعت وضلت, وليرشد الناس الي طريق الرشاد, ولما سبقت كلمة الله أنه لا رسول بعد محمد صلي الله عليه وسلم ولا كتاب بعد القرآن الكريم, جعل الله رسالة رسوله عامة لكل البشر: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا قل يا أيها الناس إني رسول الله رسول الله إليكم جميعا وأنزل معه الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه, ولذلك وجه الله الأمر إلي إلي بنو إسرائيل خاصة بأن يؤمنوا بهذا القرآن لأنه جاء مصدقا لما معهم, وذلك في أكثر من آية فقال: وأمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم, وتكونوا أول كافر به ولا تشتروا بأياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون وقال: ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ولاكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله علي الكافرين وبعد هذه الأية بأية واحدة يقول ربنا: وإذا قيل لهم أمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحو الحق مصدقا لما معهم ويناديهم فيقول: يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم.. الأية, وتري القرآن يتحدث عن التوراة والانجيل والقرآن مبينا أنها حلقات متصلة ترتبط لاحقتها بسابقتها, فتقرأ في آيات سورة المائدة ما ذكره في التوراة بقوله: إنا أنزلنا التوراة فيها هدي ونور, ثم يقول في الانجيل وعيسي عليه السلام: وقفينا علي آثارهم بعيسي بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة, وأتيناه الانجيل فيه هدي ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدي وموعظة للمتقين ثم تجيء الحلقة الأخيرة المتمثلة في القرآن العظيم فيقول المولي: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهينا عليه فإذا كان القرآن الذي نزل به جبريل علي قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم بإذن الله مصدقا لما بين يديه فلماذا التعنت والتحول واختلاق الأعذار للانصراف عن الدين القويم الذي جاء محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم؟؟ أليس هذا هو الضلال المبين؟ ونتساءل عطف الله علي قوله: مصدقا لما بين يديه أمرين أولهما ما جاء في قوله: هدي والثاني: وبشري للمؤمنين, وحسبنا أن نقف عند الأمر الأول لنعرف ماذا يريد بالهداية, ولماذا جاء بها نكرة ومطلقة هكذا دون تغيير, وماذا في ذلك من رد علي ما افتراه اليهود في القرآن ونبي الله محمد صلي الله عليه وسلم؟ ونقول الهداية نوعان: هداية توفيق, وهذه لا تكون إلا من الله, قال تعالي: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقال:قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين والمؤمنون يدعون ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب والآيات في هذا كثيرة, وهداية دلالة وإرشاد, وقد هدي الله الناس إلي توحيده وشرعه بما أنزل لهم في كتابه من دلائل صادقة, وبما أقام لهم من حجج واضحة, وكلف رسله بارشاد الناس ودعوتهم إلي الدين الحق, ومن بعد الرسل يقوم أتباعهم والمصلحون والعقلاء في كل أمة بهذه المهمة مهمة ارشاد الناس إلي طرق السعادة في الدنيا والآخرة, وهذا اللون من الهداية هو الذي جاءت به الأية الكريمة في قوله: وهدي وبشري للمؤمنين وللحديث بقية إن شاء الله: أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر