خامسًا:من هو جد ربنا؟ الشبهة: من هو هذا الجد؟ وكيف يطلق عليه لفظ تعالي وهو اسم خاص بذي الجلال؟ الجواب: من المغالطات الشنيعة والجهل الفاضح باللغة التي نزل بها كتاب الله وهي "بِلِسَاني عَرَبِيّي مُبِيني" "الشعراء:195" أن يعمد جاهل إلي لفظ ورد بعدّة معان في اللّغة يحدّد السياق المراد منها ما جاء في هذا التساؤل. ف "الجد" في اللّغة يطلق علي والد الأب ولم يرد في القرآن كُلّه بهذا المعني مطلقا. إنما ورد هذا اللّفظ علي معني القدر العظيم لربّ العزّة حتّي تعالي وارتفع عن أن يكون له زوجة أو ولد. بل إنّه سبحانه وتعالي:"لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ". "الإخلاص:3". فكيف يكون له جد وهو ليس له والد؟ كما أن هذا اللّفظ قد ورد في اللّغة بمعني الحظ والرّزق. وعليه جاء قول الشّاعر: الجَدّ بالجد والحِرمَان بالكَسَل فانصَب تُصِب عن قريبي غَايةَ الأمَلِ ولعلّ هذا السّائل لا يخلط في نطق هذا البيت المشهور. ف "الجد" الأوّل- بفتح الجيم- بمعني الحظ السعيد. و"الجد" الثّاني- بكسر الجيم- بمعني الاجتهاد . ويبدو أن المشوّشين علي القرآن قد استغلّوا في هذه الأيّام جهل شبابنا بلغتهم وقرآنهم فأثاروا هذه الخزعبلات. سادسًا: شبهة موافقة القرآن لكلام سيدنا عمر: الشبهة: وردت في القرآن علي لسان الوليد بن المغيرة قوله: "إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ" "المدثر:25". وقال محمد إن قرآنه وحي من الله. وواضح أن القرآن حوي أقوال عمر بن الخطاب التي دونها محمد باعتبار أنها نزلت من السماء. فمرة قال عمر: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي فجاء قرآن يقول: وَإِذ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي" "البقرة:125" إلي غير ذلك من أمثلة ونماذج. الجواب: سيدنا عمر بن الخطّاب كان من أشدّ النّاس حرصًا علي تعظيم ما عظّمه الله. والبعد عمّا حرّمه الله. وقد أنزل الله في كتابه أن من آيات البيت الحرام مقام إبراهيم في قوله تعالي: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتي وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًي لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتى بَيِّنَاتى مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ" "آل عمران: 96.97". فتقدّم بهذا السؤال علي سبيل التمنّي بأسلوب "لو" علي أساس أنّه مادام هذا المقام آية من آيات الله فلنتشرّف بالصلاة لله فيه. أي فلنجعله مكانًا لعبادة الله. فجاءت الآية هنا آمرة كُلّ المؤمنين أن يتّخذوه مُصلّي. وهذا دليل علي أنّ أمر التشريع وبخاصة في العبادة ليس لأحد حتّي النّبيّ صلي الله عليه وسلم ولكنّه لله وحده. ثم هي دليل علي لطف الله باستجابته لمطالب المؤمنين في رغبتهم بأداء الصّلاة في هذا المكان الطّاهر.. وهذا الموقف من عمر مشابه لموقفه من الخمر حين نزل قوله تعالي: "لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكَارَي" "النساء:43" فشرب بعض الصحابة بعد صلاة العشاء ثم تسامروا فحدث بينهم شقاق. فقال عمر لرسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢ادع الله أن يبيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا¢ . فنزل قوله تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِنَّما الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجسى مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلكم تُفْلِحُونَ" "المائدة:90". إنّه إذن الحرص علي الطاعة. والحرص كذلك علي تجنّب المعصية وأسباب الشقاق. رضي الله عن عمر. وعن صحابة رسول الله أجمعين.. أين إذن دخول كلام البشر في كلام الله؟! سابعًا:شبهة وصف التّوراة بأنها إمام ورحمة: الشبهة: جاء في القرآن الكريم وصف التوراة بأنها إمام ورحمة» قال تعالي: "أَفَمَن كَانَ عَلَي بَيِّنَةي مِن رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدى مِنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَي إِمَاماً وَرَحْمَةً" "هود:17". وقال: "وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَي إِمَاماً وَرَحْمَةً" "الأحقاف:12". وجاء وصف التوراة أيضا بأنه الكتاب المنير. قال تعالي: "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَد كُذِّبَ رُسُلى مِن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِير"ِ "آل عمران:184". وأن: "التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ" "المائدة:43". هذا مما جاء في القرآن في وصف التوراة التي أنزلها الله علي موسي عليه السلام. وقد فهم أصحاب الشبه والضلال أن في هذه الآيات ما يدل علي أفضلية التوراة علي القرآن. ورتبوا علي ذلك كثيراً من النتائج» منها أن التوراة مصدر أساسي للقرآن. وأن القرآن نفسه يحث أتباعه علي الاقتداء والاهتداء بهدي التوراة وما جاء فيها. الجواب: وصف القرآن الكريم ما سبقه من كتب بأنه جاء مصدّقًا لما فيها من عناصر الإيمان بالله ومن بشارات بالنّبيّ الخاتم وببعض الأحكام الثّابتة التي لا تتغيّر بتغيّر الكتب والرّسل. مثل رجم الزّاني المحصن الذي شكّك فيه اليهود حين ادّعوا أن عقوبته لديهم التجريس والتّحميم. فجاء قوله تعالي: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُم التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًي وَنُورى" "المائدة:43.44". لكن هذه التّوراة قد نالها التّحريف والتّزييف علي يد اليهود. وقد بيّن القرآن ذلك في آيات عديدة. منها قوله تعالي: "فَوَيْلى لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلى لَهُم مِّمَّا كَتَبَت أَيْدِيهِم وَوَيْلى لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ" "البقرة:79". وقوله: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" "النمل:76". وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُم مِن قَبْلِ أَن نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَي أَدْبَارِهَا أَو نَلْعَنَهُم كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا" "النساء:47". وحين أنكرت العرب إرسال الله لنبيّه مُحمّد صلي الله عليه وسلم وهو من البشر طلب منهم أن يسألوا أهل الكتاب: هل كانت رسلهم من البشر أو الملائكة؟ ولهذا المعني جاء "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لا تَعْلَمُونَ" "النحل:43 . والأنبياء:7" . فليس معني هذا الأمر بسؤال أهل الكتب السّابقة أن يكون كتابهم مرجعًا للقرآن كما يدّعي هؤلاء المخرّفون. وينطبق هذا المعني كذلك علي وصف القرآن للتوراة بأنها "إمام ورحمة" فكلام القرآن في هذا منصب علي إثبات بشريّة الرّسل. وعلي ما كان في التّوراة من هداية ونور قبل أن تُحرّف. ثامنًا:شبهة كيف وُصِفت مريم بأنها أخت هارون؟ الشبهة: ورد في القرآن عند الحديث عن قصة مريم. قوله تعالي: "يَا أُخْت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءي وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيّاً" "مريم:28". وقد اعتبر فريق من النصاري. أن القرآن قد وقع في خلط.. الجواب: حين استنكر بنو إسرائيل علي مريم إتيانها بولد وهي لم تتزوّج. كان ذلك اتّهامًا منهم لها بالفاحشة. واستلزم هذا الاستنكار التبكيت بأن يذكّروها بأصلها وشرفها وشرف أسرتها الذي لوّثته. فهي من نسل هارون النّبيّ. وأبوها وأُمّها من ذوي الأخلاق والسمعة الطّيّبة. فجاء التعبير القرآني عن ذلك بندائهم لها: "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرَأَ سوْءي وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِياً" "مريم:28". والتعبير بالأخوّة عن الانتساب إلي الأصل. شائع في اللّغة والقرآن. فهل إذا قال العربيّ لصديقه: يا أخا العرب. كان ذلك ادّعاء بأنه أخوه من النّسب. وأنّه أخ لكُلّ العرب؟! وهل إذا قال الله تعالي عن الرّسل بأنّهم إخوة لأقوامهم في مثل "وَإِلَي عَادي أَخَاهُم هُوداً" "الأعراف:65. وهود:50". وقوله: "وَإِلَي ثَمُودَ أَخَاهُم صَالِحا" "الأعراف:73. وهود:61". وقوله:"وَإِلَي مَدْيَنَ أَخَاهُم شُعَيْباً" "الأعراف:85. وهود:84. والعنكبوت:36".. هل يقتضي ذلك أن هؤلاء الرّسل إخوة فعلاً في النّسب لكُلّ فرد من أقوامهم؟! وإذن فليس معني ندائها بأنّها أخت هارون. أنّها كانت في زمن هارون وموسي فبينهما مئات السنين. ومن يدرك بلاغة القرآن وأساليب لغته الفصحي لا يمكن أن يتطرّق إليه هذا الوهم ثم إنه قد ثبت أن الناس تسمي أولادها باسم الصلحاء والأنبياء كما نسمي الآن أولادنا بمحمد وموسي فلماذا لا يكون لمريم أخ صالح سماه أبوه بهارون؟ وهذا مما أفحم به نبينا محمد وفد نصاري نجران.