هممت لأتوضأ بعد غفلة القيلولة لأصلي العصر وإذا بهاتفي يستقبل مكالمة من شقيقي الذي بادرني بإلحق العيال عملوا حادثة في القنطرة شرق سقط الهاتف من بين يدي وقتها وتسمرت قدماي وقتها ولم استطع الحركة. وتوقفت الكلمات في حلقي لدقائق فقد شعرت بأن هناك فاجعة فالأولاد قبل السفر ودعوا الجميع علي غير المعتاد وأيقنت وقتها أن الحادث لن يمر علي خير خاصة وأن زوجتي منذ سفر الأولاد تهاجمها كوابيس لا تبشر بخير. بهذه الكلمات بدأ عم عيد والد الشهيد نبيل حديثه وهو يروي للأهرام المسائي قصة الحادث الذي ابتلع فلذة كبده وكبد أخيه ومعهم آباء آخرون, واستطرد قائلا: عندما علم أهالي عزبة عويس وكامل التابعتن لمنشأة عاصم بالحادث تجمع الأهالي أمام بيوت أصحاب الحادث للمساعدة, وتحركنا بعشرات السيارات إلي الاسماعيلية وذهبنا إلي مستشفي القنطرة شرق لنجد الفاجعة بمصرع أبناء بني سويف الأربعة وخامسهم ابن شقيقي محمد أخبرونا بأنه مصاب وعلي قيد الحياة وهو ما لم يمنع أحدا من البكاء فالشهداء الأربعة أبناء للجميع. قسمنا أنفسنا مجموعتين الأولي قامت بنقل الشهداء لبني سويف والانتهاء من الاجراءات تسلم جثثهم وكذلك الوقوف علي التحقيقات وأسباب الحادث, والمجموعة الأخري تولت رحلة البحث عن المصاب محمد ابن شقيقي نادي الذي جذب أطراف الحديث ليحكي لنا عن الأهوال التي تعرض لها بعد أن علم من الإسعاف بأنها قامت بتوزيع الجثث والمصابين علي العديد من المستشفيات بالاسماعيلية والزقازيق. وبالفعل طفت تلك المستشفيات بحثا عن ابني المصاب ولكن دون جدوي وبحثت في سجلات المرضي التي خلت من اسمه وكان المصاحبون لي يحاولون أن يهدئوا من روعي واضطررت للدخول بعدها لثلاجة الموتي بكل المستشفيات أبحث بداخلها لعلي اعثر علي جثة ولدي وكانت كل وجوه زملائه في الثلاجة تشبهه ومبتسمة وفجأة صرخ في وجهي ابن عمي وقال لي: أنظر أليست هذه ملابس ابنك محمد تلك الملقاة في أحد أركان ثلاجة الموتي بمستشفي القنطرة شرق. ارتميت عليها لأقبلها وأشتم فيها وعندما سألت المغسل: أين صاحب هذه الملابس ود قائلا صاحبها.. وصمت قليلا ثم أكمل حتي كاد قلبي يتوقف في لحظات الصمت: هذه الملابس كان يرتديها سائق السيارة التي كانت تقلهم أثناء الحادث فعلمت وأدركت بسرعة بأن ولدي أخذ ليدفن بالخطأ مكان السائق الذي كان يقطن بالقنطرة شرق فذهبت أنا ومن معي لأسرة السائق فوجدنا منظرا مهيبا خشينا أن نفاجئهم بالأمر. حيث كان هناك أكثر من3 آلاف من قرية السائق يصلون علي جثمان ولدي وبعدها وضعوه في اللحد ولم يعلم أحد بالأمر بعد قمصيبتهم لا يشعر بها سوي مصاب في قلبه مثلي. وذهبت بعدها لعقلاء وكبار العرب وثصصت لهم ما حدث فقاموا بإحضار والد السائق وذهبوا به للمستشفي وطلبوا منه أن ينظر بدقة في وجوه بعض جثث الحادث, وبالفعل استطاع الرجل أن يتعرف علي جثة ولده بصعوبة وعلم بالأمر فتوجهوا جميعا إلي قسم شرطة القنطرة شرق الذي ساعدنا في تبادل الجثث ولكن حدث ما لم يكن أحد يتوقعه والحديث مازال علي لسان والد الشهبد محمد حيث رفض الأهالي أن يعطوني جثة ولدي خوفا من انتهاك حرمة المدفون فسقطت علي الأرض باكيا وأخبرتهم بأني رجل من الصعيد ولا أستطيع القبول بغير دفن جثثنا إلا في مقابرنا فهو أمر كالشرف والكرامة وتفهم الأهالي الأمر بعد تدخل رجال الدين وتركوني أحمل جثة ولدي لأعود بها إلي عزبتنا ببني سويف. واستقبل الأهالي بعزبتني عويس وكامل الشهداء الخمسة في مشهد مهيب بعد أن امتلأ المكان من حولهم بالرجال وخالف النساء العرف ولبسوا الأبيض بعد أن تيقنوا من الشهادتين التين لقيهما أبناء القرية الأولي للصيام والثانية للموت أثناء العمل وتمت الصلاة عليهم وزفافهم إلي قبورهم ليلاقوا جنان الرحمن وقد التقي الأهرام المسائي بعدها مع بعض أفراد من أسر الشباب الخمسة حيث تحدث إلينا مجدي شقيق الشهيد نبيل عيد وابن عم الشهيد محمد نادي من عزبة عويس قائلا: لم تكن هذه الفاجعة هي الأولي التي تصيب القرية فمنذ عدة أعوام توفي شقيقنا الأكبر شعبان ومجموعة من شباب العزبة في ظروف مماثلة حيث احترقوا في أثناء حفرهم بأحد مشاريع الصرف الصحي بالغاز المتسرب أسفل الأرض ولم يسأل عنا أحد من وقتها. وأكمل قائلا: ذهب شقيقي نبيل ومعه ابن عمه محمد بصحبة أصدقاء لهم من عزبة كامل للعمل باحدي شركات المقاولات بالإسماعيلية وللأسف كانت الشركة تقوم بنقل العمال من الشباب إلي المواقع بسيارات أجرة ربع نقل لا تصلح لنقل البشر وإنما تصلح لنقل البضائع فقط, لذا بمحرد أن قطعت عليهم السيارة النقل الطريق واصطدمت بهم ماتوا جميعا. وأقسم باكيا أنه سيقاضي تلك الشركة لما تسببت فيه من قتل شقيقه وتوقف مجدي عن الكلام ناظرا لوالده الذي انخرط في البكاء وبعد أن واساه البعض أكمل مجدي حديثه مضيفا: كان مقررا اتمام زفاف نبيل ومحمد في الأضحي وكانوا يعملون ليل نهار, من أجل الانتقال لعش الزوجية وكان قلبهما كان يشعر بالذي سوف يلقيانه فخرج الشهبدان قبل سفرهما ليودعا الجميع بل وقام نبيل بترك الدبلة لخطيبته هي وشقيقه محمد ابن عمه في ذات الوقت خوفا عليها من الضياع في موقع العمل والأدهي من ذلك قيامه بالمبيت قبل ليلة السفر للاسماعيلية في حضن والدته وكأنه طفل صغير وعلي العكس فعل محمد ذلك مع أبيه وهو ما جعل الكل يفطن بفطرة الفلاحين بأن خطرا ما يحدق بشقيقنا وعندما سافرا كان محمد ونبيل دائمي الاتصال بنا علي غير العادة ويتبارزان أمامنا بقراءة القرآن في الشهر الكريم. وطالب آباء الشهداء من المسئولين النظر بعين الرحمة لهؤلاء الشباب الذين لا ذنب لهم سوي الجري وراء لقمة العيش ليحاسبوا أصحاب الشركات المقصرين في حقهم ويعاملونهم بشكل غير أدمي كما عابوا علي المسئولين ببني سويف حيث لم يقم أحد منهم بذكر هؤلاء الشهداء أو حتي تقديم واجب العزاء فيهم. وكان اللواء محمد عيد مدير أمن الاسماعيلية قد تلقي اخطارا من مركز شرطة القنطرة شرق يفيد باصطدام السيارة رقم20098 أجرة شمال سيناء قيادة محمد سرحان35 سنة سائق مقيم ببالوظة بسيارة مقطورة كانت قد قطعت عليهم الطريق ولاذ قائدها والتباع بالفرار تاركان السيارة. أسفر الحادث عن مصرع10 أشخاص هم: محمود حمدي30 سنة مقيم بأسوان ومحمود غانم30 سنة وهاني حسين27 سنة مقيمان بعزبة كامل بمنشأة عاصم ببني سويف ومحمد رسلان مقيم بالقنطرة شرق وعطية حسن37 سنة ووليد فوزي40 سنة مقيم بفايد ومحمد عبدالله 28 سنة تم التحفظ علي الجثث بمشرجة مستشفي القنطرة شرق والاسماعيلية والأحرار بالزقازيق.