أكتب هذا الأسبوع حول قضية تبدو خاصة ولكنها شأن عام يتعلق بكرامة أساتذة الجامعات المصرية الذين يؤدون واجبهم في صمت مقارنة بالفئات الأخري التي تلجأ إلي لي ذراع السلطة بأساليب تعطل مصالح المواطنين وتضر بواقع ومستقبل مصر, وما دفعني لكتابة هذا المقال ما حدث الأسبوع الماضي من اعتصامات لأمناء وأفراد الشرطة لتحسين ظروفهم المهنية والمعيشية, والمدهش تلك الاستجابة الفورية والكاملة من جانب الحكومة التي أعدت تعديلات علي قانون هيئة الشرطة, والمجلس العسكري الذي أحال المشروع علي عجل لمجلس الشعب. ونذكر قبلها احتجاجات المدرسين وسائقي النقل العام وغيرهم, وقد لاقت هذه الممارسات استجابات من قبل أولي الأمر, بينما مطالب أعضاء هيئة التدريس يتم تجاهلها وهي مطالب مثارة من العهد السابق ولم تتم الاستجابة لها رغم مشروعيتها والتعبير الحضاري عنها بطرق سلمية وقنوات شرعية من خلال نوادي هيئة التدريس ونقابة علماء مصر ولجان مجلس الشعب والإعلام واجتماعات مع وزراء التعليم العالي المتعاقبين. والحقيقة المرة التي تؤرق أساتذة الجامعات هي أن الضرر الأكبر لقضيتهم جاء من أساتذة جامعات انحازوا للسلطة علي حساب استقلالية الجامعات وتحسين أوضاع زملائهم وذلك علي مدار عقود وهم في مراكز مؤثرة مثل رئاسة مجلس الشعب ورئاسة الوزراء بداية من حكومة عاطف صدقي ومرورا بحكومة عاطف عبيد وعصام شرف ثم الجنزوري, ومع ذلك يتم التسويف في مطالب هيئة التدريس وتأجيلها ولا يتم اتخاذ اجراءات ملموسة لتلبية الحد الأدني لهم في حياة كريمة وبيئة جامعية مواتية لابداعاتهم البحثية وجهودهم التربوية في إعداد وتنمية موارد بشرية واعدة تعبر بمصر من حاضر مضطرب إلي مستقبل مشرق بعون الله. ويعاني أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية من مشكلات كثيرة منها تدني الامكانات البحثية والموارد التعليمية التي تعينهم علي انجاز مهامهم في التدريس والبحث وخدمة المجتمع, بل انهم يعملون في ظروف غير مواتية بالمرة ولم يقصروا في رسالتهم التربوية ومسئولياتهم المهنية, ولعل أهم القيود التي تؤثر سلبا علي أداء أعضاء هيئة التدريس ما يتعلق بسياسة القبول التي تفرض أعدادا ضخمة علي الجامعات تفوق قدراتها المادية والبشرية. وأذكر أنه في عام2005 كان في زيارتنا وفد من جامعة فرجينيا الأمريكية'VCU', ودعوتهم لمحاضرة لي بتجارة حلوان وذلك في مدرج كبير وكان عدد الطلاب الحاضرين1200 طالب, وقدمت ملخصا للموضوع باللغة الانجليزية في دقائق, وبعد المحاضرة أبدي وفد الأساتذة الأمريكان دهشتهم وإعجابهم, وقال رئيس الوفد بكل المقاييس أنتم أبطال في الجامعات المصرية, كيف تدرسون لهذه الأعداد وبامكانات متواضعة ومع ذلك تحققون رسالتكم. أقول هذا ومعاناة أساتذة الجامعات المصرية مستمرة من سنوات ولكن بدأت في التفاقم خلال العشرين عاما الاخيرة, ومعلوم أن كادر مرتبات أعضاء هيئة التدريس لم يتغير منذ أربعين عاما, منذ صدور القانون رقم49 لسنة1972, ولكم أن تعلموا أنه طبقا لهذا القانون فإن المرتب الأساسي لأستاذ بعد عشر سنوات أستاذية لا يصل إلي600 جنيه, بينما بلغ المرتب الأساسي لأمين الشرطة الممتاز في تعديلات قانون الشرطة الجديد7872 ج, والصول4500 ج. ما هذا التسويف في مطالب أساتذة الجامعات بينما تلبي مطالب الفئات الأخري فوريا, وأخر الصعاب التي أعلن عنها في اجتماع رئيس الوزراء مع ما يسمي المجلس الاستشاري أن هناك قرارات جمهورية تقضي بان تسري أي زيادة في كادر أساتذة الجامعة علي فئات أخري, وأعتقد أن المقصود زملاؤنا في مراكز البحوث ولا بأس من سريان الزيادة عليهم أو اعداد كادر خاص بهم, وأتساءل نيابة عن زملائي الأساتذة ولماذا لم تطبق علي كادر أعضاء هيئة التدريس الزيادة التي طالت كادر فئات أخري مثل القضاة والسلك الدبلوماسي وضباط الجيش وأخيرا ضباط وأفراد الشرطة؟ لتعلموا يا أولي الأمر أن لأساتذة الجامعات المصرية كرامة يعتدون بها ورسالة سامية يؤدونها, ونحن لا نريد تصعيدا رغم أننا نملك أدواته ولكن نريد حلولا لمشكلاتنا بسرعة اصدار قانون تنظيم الجامعات وتعديل كادر هيئة التدريس بحيث لا يختلف كثيرا عن الكوادر الأخري وتوفير الموارد البحثية والتعليمية وذلك حفاظا علي كرامة أساتذة الجامعات أو دونها الاعتصامات والإضرابات.