غادر الشيخ ياسين المسجد بعد صلاة العشاء وهو يسبح بحمد ربه ممسكا بمسبحته, وما أن خطا خطوات قليلة حتي سمع صوت بكاء مكتوم يصاحبه أنين ينبعث من ركن مظلم. فالتفت نحوه ليفاجأ بمصدر البكاء طفلة لا يتعدي عمرها4 سنوات ممزقة الثياب, حافية القدمين, جالسة القرفصاء, زائغة النظرات, فاتجه نحوها واقترب منها سائلا اياها عن اسمها ومن أين جاءت؟ ولماذا تبكي؟ ولكنه لم يتلق ردا سوي ارتعاشة في جسدها وارتفاع في صوت نحيبها, فاحتضنها محاولا بث الطمأنينة في نفسها, وعاد بها إلي المسجد حيث مازال بعض المصلين لم يغادروه بعد والذين أسرعوا لاحضار بعض الملابس والطعام لها, فشعرت الطفلة بالشبع والدفء ومنحها الوجود في بيت من بيوت الله الهدوء والسكينة وبدأت تسترجع ذاكرة النطق, وكانت أولي كلماتها الصادمة( قتل أمي ورماها في الترعة) فنظر الشيخ ياسين لمن حوله بذهول واعاد السؤال علي الطفلة أنت اسمك ايه ومين اللي قتل أمك؟ فردت الطفلة بصوت متقطع ومخنوق أنا أسمي مديحة وأبويا اسمه لطفي وهو اللي قتل أمي صابرين فازداد ذهول الحاضرين وتصوروا أن ما تقوله الطفلة ناتج عن حالة الخوف والهلع التي كانت عليها, ولكن ما استرعي انتباههم هو اصرارها علي ان أباها كان يريد أن يبيعها وانها مستعدة ان تدلهم علي الترعة اللي فيها أمها وهي مقتولة فخيم الصمت علي الجميع واستولت الحيرة علي الحاضرين في المسجد حتي قطع هذا الصمت صوت الشيخ ياسين مقترحا ضرورة أخذ الطفلة وتسليمها إلي قسم الشرطة لاخلاء مسئوليتهم ولمعرفة الحقيقة وبالفعل توجهوا بها إلي قسم الشرطة الذي أثبت الواقعة في محضر رسمي تم بعده اصطحاب الطفلة إلي مكان الترعة موقع قتل الأم, حيث تم البحث في قاعها, وكانت المفاجأة, العثور علي جثة الأم صابرين فبدأ التعامل بجدية مع أقوال الطفلة التي افادت بأمور أكثر تفصيلا, ومع تكثيف التحريات عن طريق المباحث الجنائية بالبحيرة بقيادة العميد محمد الخليصي مدير المباحث اتضح أن لطفي أبا الطفلة قد تعرف منذ أكثر من خمس سنوات علي صابرين قبل زواجه منها حيث نشأت بينهما علاقة أثمة نتج عنها حمل الأم الذي آثمر عن مديحة قبل الزواج, وبعد الحاح صابرين وافق علي الزواج منها واستخرج لها شهادة ميلاد باسمه, وهكذا أصبحت صابرين زوجة لطفي ومديحة ابنتهما وعاشوا معا حتي حملت الأم مرة أخري فتغيرت معاملة الزوج لزوجته وللطفلة معايرا الأم بانه غير متأكد من أبوته لمديحة التي سجلها في شهادة الميلاد باسمه لذلك فانه يريد أن يبيعها لاحدي الأسر, فرفضت الأم, لكن استمرار الأب في طلبه أدي إلي تكرار الشجار بينهما حتي كان اليوم الذي أخذ فيه الأب الطفلة وأوثقها بالحبال وحملها وذهب بها ليبيعها, فاعترضت الأم وحاولت منعه واشتبكت معه وفكت وثاق ابنتها ودفعتها للهرب, فما كان منه إلا أن خنقها حتي فارقت الحياة والقي بجثتها في الترعة وفشل في الامساك بالطفلة التي فرت من المكان باكية بدون وعي حتي وصلت إلي جوار المسجد حيث عثر عليها الشيخ ياسين وسلمها للشرطة التي عثرت علي جثة الأم, وكثفت بحثها عن الأب الجاني, حيث تم القبض عليه وبمواجهته انهار واعترف بارتكاب جريمته, فتمت احالته إلي النيابة التي باشرت معه التحقيق ووجهت له تهمة القتل العمد واحالته لمحكمة الجنايات وأودعت الطفلة البائسة دار رعاية الأيتام لانها ليست للبيع!!!