وقف رئيس النيابة حائرا بعد أن تجمدت الدموع في عينيه التي أخذ يخفيها خلف نظارته الطبية مستشعرا الحرج وأخذ يسأل نفسه تري من هم هؤلاء المجرمون والسفاحون الذين يتركون مثل هذه الطفلة بهذه الطريقة المهينة؟ اتاه الجواب باردا من أعماق عقله الباطن قائلا: وما الغريب في ذلك؟ ربما تكون الأم مغلوبة علي أمرها وتركت الطفلة خوفا من فضيحة انجاب طفلة سفاحا وربما يكون الوالدان ضحيتين وان أحد أصحاب القلوب المتحجرة قد خطفها لاستخدامها في غرض ما؟ فأطفأ سيجارته وبدأ يستمع لأقوال المواطن إبراهيم في محضر العثور علي طفلة أمام مسجد السيدة زينب بعد ان تلاشت الكلمات من علي شفتيه وشعر لأول مرة بأنه لا يستطيع الكلام بعد أن سرح بخياله لدقائق متسائلا بينه وبين نفسه قائلا: هل هذا رزق ساقه الله إليه.. أم مقلب شربه وكارثة حلت فوق رأسه؟ فكل ما يتذكره أنه عند دخول زوجة شقيقته عليه حاملة طفلة صغيرة لم يتعد عمرها4 شهور اخبرته حينها أنها تسلمت هذه الطفلة من احدي جاراتها التي اخبرتها بانها اخذت الطفلة التي لا يعرفون هويتها أو اسمها من بائعة شاي أمام مسجد السيدة زينب تدعي مني بعد ان ادعت أن زوجها بالمستشفي يجري عملية جراحية وانها تتكفل بالانفاق علي ابنتها بمبلغ50 جنيها تعطيها لجارتنا وبدورها تقوم باعطائها لشقيقة زوجتي. وأكمل إبراهيم القصة قائلا: بدأ الفأر يلعب في عبي بعد أن سمعت وشاهدت ما يحدث وتساءلت: كيف لسيدة غير قادرة تمتهن بيع الشاي أمام مسجد السيدة زينب أن تنفق50 جنيها في اليوم علي طفلة لم يتعد عمرها4 شهور؟ أصر إبراهيم علي أخذ الطفلة إلي منزله للعناية بها هو وزوجته وقام بالكشف عليها لدي أحد الأطباء الذي أكد له أنها تعاني من برد شديد وانها تعاني من سوء تغذية بسبب عمليات الرضاعة العشوائية ولم تستخدم البامبرز وترتدي ملابس ممزقة وكان من حسن حظها وحظ إبراهيم وزوجته أن لديهما طفلة يقارب سنها سن الطفلة المجهولة التي اطلقوا فيما بعد عليها اسم مريم بدأت تنتظم معها في عمليات الرضاعة الطبيعية من زوجته. بدأ إبراهيم يبحث عن حقيقة الطفلة التي يأويها وذهب إلي شقيقة زوجته وأخذها وذهب إلي جارتهم التي جلبت إليهم الطفلة وقابل شقيق زوجها الذي أخبره بأن الطفلة ليست ابنتها وانها جلبتها من بائعة شاي أمام مسجد السيدة زينب تدعي مني وعندما اراد الرجل ان يستخرج شهادة الميلاد وشهادة التأمين الصحي نصحه بعض جيرانه بأن يذهب إلي قسم شرطة حدائق القبة. وبتحرك قوة من مباحث قسم شرطة السيدة زينب تمكنت من القبض علي مني التي انكرت صلتها ومعرفتها بالطفلة تماما وباستدعاء الجارة أم أحمد التي جلبت الطفلة أكدت أن بائعة الشاي مني اخبرتها بان والدة الطفلة أتت بها إليها وتركتها وأوصتها بأن تعتني بها لانها ستقوم بزيارتها علي فترات متقطعة لكي تطمئن عليها واعطتها رقم هاتفها المحمول ولكنها اختفت وانقطعت أخبارها واغلقت هاتفها منذ أن رحلت واختفت تماما. وهكذا تفرقت هوية الطفلة بين النساء من الأم المجهولة أو الوهمية إلي مني بائعة الشاي وأم أحمد الجارة البائسة متحجرة المشاعر. وبعد القبض علي بائعة الشاي أنكرت التهمة المنسوبة إليها وأمرت النيابة بالافراج عنها بضمان محل اقامتها علي ذمة القضية مع وضعها تحت المراقبة باشراف اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة. وبعد طول إجراءات نصح رئيس النيابة إبراهيم بالاحتفاظ بالطفلة بحوزته حتي ظهور أهلها حيث ستأمر النيابة باجراء تحليل الحامض النووي(DNA) لأي شخص يدعي بان له علاقة بها. كان كل ما يشغل إبراهيم وزوجته ليس المأكل والملبس والمشرب ولكن شهادات وأوراق الطفلة الرسمية خاصة وأنهم لم يجدوا لها اسما ولكنه أطلق عليها هو وزوجته اسم مريم. وفي نهاية حديث الرجل إلينا ترك رقم تليفونه المحمول لنا لعل أحدا يتصل به ويخلصه من هذا الكابوس الجاثم علي صدره.