لقد تحررت المؤسسات الجامعية من التسلط الأمني الذي استلبها حرية القرار وجرح كرامة الأستاذ الجامعي, والثورة حررت الجامعات التي تمثل قاطرة التنوير في الأوطان, ولم يعد هناك سلطان علي الأساتذة إلا ضمائرهم العلمية, فهل تحررت جميع مؤسسات مصر؟ جاء الضيف إلي النادي العريق ذلك النادي الذي لعب دورا وطنيا مشهودا, وأبي إلا ان يكون لأساتذة جامعة الإسكندرية صوت ورأي ودور فيما يدور في الوطن من احداث. الضيف الكريم أحد رموز العمل العام منذ أن كان طالبا في كلية الطب, تحاور في شبابه الغض بكلمات شجاعة خلت من النفاق المعتاد, وأشارت بجرأة إلي مواقع الخلل في إدارة البلاد في لقاء طلابي جري منذ ما يزيد علي ثلاثة عقود حديثه المشهود كان وجها لوجه مع رئيس الدولة الذي اعتبر صراحته تجاوزا الشاب الصغير هو نفسه ضيف اليوم, ويزمع الترشح لرئاسة الدولة!! وقف الحاضرون احتراما وترحما علي أرواح شهداء الوطن الذين سقطوا في احداث الثورة وموجات الغدر المتلاحقة التي أعقبتها, داعين ان يحفظ الله مصر من كل سو, الحاضرون يتابعون بشغف وانفعال كتابه فصل مختلف من التاريخ, فاللقاء( الذي جري في الثلاثاء الماضي) يشهد علي التحول الذي تمر به البلاد, ويرسم خطا في لوحة الديمقراطية السيريالية التي نعيش في داخلها. لقد تغيرت الدنيا, ينزل مرشح الرئاسة, من عليائه ويأتي إلي الناس يتحدث اليهم, ويشرح لهم ويسمع منهم ويطلب تأييدهم. المشهد يثير شجونا, ويذكرني بمناقشات حامية, حين عتبوا علينا في السنين الماضية استضافة شخصيات سياسية في نادينا, طالبين منا فصل الجامعة عن السياسة, ورفضنا طرحهم ابتداء, فالجامعة فكر, والسياسة منهج حياة, فهل تستقيم الحياة بدون فكر؟ ثم اننا في نادي أساتذة الجامعة, لا سلطان لأحد علينا فيما نفكر أو نقول في نادينا وإذا كان عمل الأساتذة بالسياسة مرفوضا فلماذا هللتم لبرقية نادي هيئة تدريس الاسكندرية الشهيرة, التي كانت أول من أيد ثورة يوليو1952 ونحن في الحقيقة ننأي طوعا بنادينا عن الانغماس في السياسة بمعناها الفج, وننحاز للوطن لا لحكومة أو معارضة, فهل يفقهون؟ * دارت المناقشات بعقل مفتوح وأبحرت في هموم الوطن: وماذا بعد عام من الثورة؟ * لقد تحررت المؤسسات الجامعية من التسلط الأمني الذي استلبها حرية القرار وجرح كرامة الأستاذ الجامعي, والثورة حررت الجامعات التي تمثل قاطرة التنوير في الأوطان, ولم يعد هناك سلطان علي الأساتذة إلا ضمائرهم العلمية, فهل تحررت جميع مؤسسات مصر؟ * اسكتت الأصوات الغاضبة من حاول أن يجرح الثوار بكلمة نشاز, وتساءل الحاضرون من الذي يريد جر البلاد لمستنقع الفوضي والتخريب, الذي يطالب بالعدالة أم الذي يسعي لتعطيل العدالة؟ ومن الذي يعطل الاستجابة لنداءات الثورة بالعيش والحرية والكرامة والعدالة أليس محزنا ان المطالب الثورية لا تتم الاستجابة لها إلا ببذل الدماء؟ لقد قامت الثورة لبناء مصر وتطهيرها, ولم يكن مبتغي الثورة الوحيد هو منع التوريث, فالثورة مستمرة حتي تحقق البناء وتقضي علي الفساد, فهل ننفض الماضي ونلتفت للمستقبل, وكيف نفوت الفرصة علي من يريد إعاقة عجلة الديمقراطية؟ * مصر تواجه تحديين خطيرين أحدهما اقتصادي, فثرواتها نهبت ومصانعها بيعت, وإنتاجها تدهور وتوقف والتحدي الآخر امني( خارجي وداخلي), فحدودها الغربية مفتوحة, يتسلل من خلالها السلاح والمخدرات,فضلا عن بلطجية الأمن الداخلي( المعروفين بالاسم) والذين تسببوا في مجازر مصر, وما حدث في بورسعيد يثير تساؤلات عن المسئولية السياسية قبل الجنائية, فهل يعقل ان تعزي دولة بكل سلطاتها المخابراتية والعسكرية الأحداث الدموية لطرف ثالث مجهول؟ * تبادل الحاضرون الرأي بصراحة متناهية, البلاد ليست مهيأة بعد لنظام برلماني كامل, النظام السياسي المختلط قد يكون هو الأصلح حاليا, ولكن هل يصبح النظام البرلماني هو الأنسب حين تنضج التجربة الحزبية وتنتظم وتكتمل؟ * الرئاسة والدستور, مثل الدجاجة والبيضة, أيهما أولا؟ لابد من كسر تلك الحلقة المفرغة, لدينا استفتاء, ومعالم طريق, فلنتبعها, ولتكن الرئاسة فالدستور, ويعاد تقويم الأمر بعد ذلك. * الاستقرار في بقاء المجلس العسكري أم رحيله؟ طبقا للاستفتاء سيعود الجيش لثكناته ومهامه الدفاعية بعد انتخابات الرئاسة, ويبقي المجلس العسكري حتي يتمم تلك الانتخابات, فالاستقرار في رحيله ولكن بعد الانتخابات, وهو أول من نادي بذلك, فأين المشكلة؟ ويحسب للمجلس العسكري انحيازه للثورة في بداياتها, وإذا كان هناك من أخطأ فيجب ان يحاسب, حتي ولو كان رئيس الدولة, أليس ذلك هو درس الثورة المستفاد؟ * ويدور الحديث عن رائحة المؤامرات الخبيثة لإفراز انتخابات رئاسية تخضع لصفقات سرية لتأتي بمن يضمن أوضاعا خاصة, والجيش المصري اسمي وأرفع من ان يستدرج لمستنقع السياسة؟ وهل هناك أشرف من مهمة حماية الوطن والمواطنين علي الحدود؟ توجه رئيس نادي تدريس الإسكندرية إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة قائلا اناشدكم ان تحفظوا لأنفسكم مكانا في التاريخ, فما زالت أمامكم الفرصة سانحة. انفصل عقلي عن الزمان والمكان, تركت النادي ومن فيه, وطفت بأحداث العام الذي انقضي, وتساءلت بيني وبين نفسي, وكيف يحتفظون بمكان في التاريخ؟ لا أدري لماذا تذكرت عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب, ذلك الاسم المحفوظ في الذاكرة, استلم مقاليد السلطة بعد انتفاضة ابريل1985 م في السودان, وتولي رئاسة المجلس الانتقالي بتكليف من الأحزاب والنقابات والقادة العسكريين, وسلم مقاليد السلطة في العام التالي للحكومة الجديدة المنتخبة ورئيس مجلسها السيادي, وتفرغ بعدها لأعمال الدعوة رئيسا لمجلس امناء منظمة الدعوة الإسلامية خرج طوعا من معترك السياسة ودخل حبا واحتراما في قلوب الناس, وبقي اسم سوار الذهب محفورا في صدر التاريخ بحروف من ذهب!! تذكرت كلام رئيس النادي وتساءلت بيني وبين نفسي, هل ما زالت حقا الفرصة سانحة؟ جامعة الإسكندرية