استغربت الأوساط الجامعية ذلك الحكم النهائي الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في أكتوبر الماضي بإلغاء الحرس الجامعي, وما إن صدر الحكم حتي توالت التصريحات الرسمية, والكتابات الصحفية بأن أحكام القضاء محل احترام وتبجيل, وأنها تنحني لها الرءوس.. إلخ. والواقع أن الأحكام القضائية واجبة الاحترام, سواء كان الموضوع يتعلق بإلغاء الحرس أو غيره من الموضوعات, فاحترام الأحكام القضائية هو من سمات المجتمعات المتحضرة, كما أنه بديهية لا تقبل المزايدة, لكن الأحكام القضائية ليست نصا مقدسا كنصوص الإنجيل والقرآن, كما أن احترامها لا يعني أنها لا تقبل النقض والمراجعة من خلال القانون ومقتضيات المصلحة العامة, وهناك ألوف الأحكام القضائية التي تم نقضها والتراجع عنها, سواء بقوة القانون أو بمنطق المصلحة العامة. وإذا كان القضاء المصري من دعائم شموخ البلاد, فإن قوته مستمدة من حياده وتجرده عبر سنوات طويلة من الممارسة النزيهة, لكن ما هو الموقف إذا تبين باليقين أن حكما قضائيا يتناقض مع صحيح القانون؟ أو يتناقض تناقضا صارخا مع المصلحة العامة؟ في مقاله بجريدة الأهرام بتاريخ الخميس82 أكتوبر الماضي, أشار الدكتور سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام إلي ما وصفه بالأغلبية الصامتة, وهي الغالبية العظمي من الأساتذة والطلاب الذين تلقوا نبأ إلغاء الحرس الجامعي بالخوف والقلق, فهم يخافون علي الجامعة من أن تندس فيها فئات لا صلة بها بالنواحي العلمية, ولها أجندتها الخاصة, أو تصرفاتها العشوائية, بما يتناقض مع رسالة الجامعة, وهذه الأغلبية استبد بها القلق من أن تصبح الجامعة ميدانا للصراع الحزبي والديني, والانفلات السلوكي. وتتساءل الأغلبية الصامتة عن البديل للحرس الجامعي دون أن تجد إجابة منطقية علي تساؤلاتها فإذا كانت الجامعة ستنشئ وحدة أمن كبديل عن الحرس الجامعي, فهل هذا من اختصاص الجامعة؟ وكيف سيتم تسليح وتدريب هذه الوحدة؟ هل ستستعين الجامعة بشركات أمن مصرية خاصة؟ وهل في مصر مثل هذه النوعية من الشركات ذات المستوي الاحترافي بما في ذلك حمل السلاح؟ هل القانون المصري يسمح بذلك أصلا؟ هل ستستعين الجامعة بشركات أمن أجنبية مع ما لهذه الشركات من سجل حافل بالسواد؟ وفي حالة إنشاء وحدة أمن خاصة بالجامعة ألا يجوز أن تقوم هذه الوحدة في السر بأعمال تتجاوز اختصاصاتها بما يتناقض مع أمن الجامعة, وحريتها, واستقلالها؟ وهل ميزانية الجامعة المحدودة تسمح بأن تتحمل أعباء إضافية تثقل كاهلها؟ أليس من واجب الدولة توفير الأمن للجامعات وغيرها؟ ألا توجد قوات أمن تتبع وزارة الداخلية لتوفير الأمن للمحاكم والمستشفيات والوزارات وغيرها من المؤسسات؟ نسمع عن أن هناك تقارير أمنية يتم إعدادها بواسطة الحرس الجامعي, لكن التساؤل هو: هل هذا حقيقة؟ وبفرض أن هناك تقارير أمنية بالفعل, فهل هذه التقارير ذات طابع سياسي؟ أم أنها ذات طابع مهني بشأن أمن الجامعة وأفرادها ومنشآتها؟ وإذا كانت تقارير سياسية فهل يتم الأخذ بها؟ إن وجود الحرس الجامعي ضرورة ليس فقط لحماية المنشآت الجامعية من الإتلاف والتخريب والسرقات, لكنه ضروري أيضا لردع كل من تسول لهم أنفسهم الامارة بالسوء أن ينتهكوا قدسية الجامعة, كما أن وجود الحرس الجامعي يضمن حماية المجتمع الجامعي من السلوكيات المنحرفة أخلاقيا, ومن الحماقات المتطرفة التي يمكن أن تقوم بها أطراف لها مصالح معينة في اضطراب الأمن بالجامعة. والحرس الجامعي ضروري لأن يشعر المجتمع الجامعي بالأمن, وبالتالي أن تظل حالة التوجس أو الشك لدي البعض حيال المؤسسة الأمنية, فهذا التوجس ارتبط بممارسات أمنية في حقب سابقة أوجدتها ظروف معينة, ثم ذهبت إلي غير رجعة, ولم تعد التقارير الأمنية هي المرجعية التي تنظم حركة الجامعة وتحدد مصير منتسبيها, وليس من المنطقي أيضا اتخاذ الحرس الجامعي مجالا لاختلاق خلافات غير موجودة, أو لتصفية خلافات شخصية بما يربك العملية التعليمية, وتشغل الجامعة رسالتها الأساسية, وإذا كان هناك من يقول إن- الحرس الجامعي يناقض استقلال الجامعة, فإنه يمكن تنظيم أعماله ومهامه بما يضمن هذا الاستقلال.