في أحد أيام الشتاء الذي تظهر فيه الشمس علي استحياء لفترات قليلة من بين ثنايا السحب لتبدد قليلا من برودة الجو في حديقة دار المسنين أو ما يطلق عليه تجميلا( دار كبار السن) تجلس أم سيد علي كرسي متحرك. وقد اغلقت عينيها مرتخية الجفون شاردة الذهن تنتابها ذكريات الماضي البعيد كوميض خاطف سرعان ما يزول حيث تحاول ان تبعدها عن مخيلتها لما تسببه لها من حزن وآلام ولم لا وقد فقدت في تلك الذكريات ابنيها قابيل وهابيل أو السيد المقتول وعادل القاتل الذي ينتظر حكم الإعدام, وبنفس الصعوبة التي تحاول بها( أم السيد) فتح عينيها تجد صعوبة في طرد ذكرياتها الحزينة فتراها وكأنها كانت بالأمس القريب يوم خروجها إلي المعاش وانتهاء حفلة تكريمها بالمدرسة التي عملت فيها( كعاملة) طوال40 عاما, وعودتها إلي شقتها وحيدة ولكنها كانت فرحة لأنها أخيرا ستشعر بالراحة, خاصة بعدما وفق الله ولديها( السيد وعادل) في الالتحاق( كعاملين) بأحد المصانع وتزوجا وعاش كل منهما مع أسرته.. طاف بذهنها المرهق كل تلك الذكريات الجميلة, فلاح علي وجهها شبح ابتسامة سرعان ما تبددت واختفت بعد أن ازاحتها الذكريات الحزينة, تلك الذكريات التي كان شيطان الطمع المحرك الرئيسي لاحداثها والتي بدأت يوم جاءها ابنها الأكبر( السيد) طالبا منها أن تترك شقتها الكبيرة التي تعيش فيها وحدها وتقيم عنده, أو يأتي هو وزوجته وأولاده ويقيمون معها في شقتها لكي يتمكن من رعايتها, ومن بين ذكرياتها الضبابية تري كيف ان ابنها الأصغر( عادل) عرض عليها العرض ذاته خوفا من استيلاء شقيقه( السيد) علي الشقة باعتبارها ميراث والدتهما وله حق فيها, وفجأة غابت الشمس بمرور سحابة كثيفة حجبت دفئها فشعرت( أم السيد) بقشعريرة تسري في جسدها, ليس لغياب دفء الشمس فقط, ولكن عندما تذكرت كيف تحالف شيطان الطمع بداخل ابنها( السيد) مع شيطان الفساد بداخل ابنها( عادل) واتفق الشقيقان علي ان يرثا أمهما علي حياتها بان يقنعاها بالاقامة عند ابنها( السيد) والقيام بتأجير شقتها مفروشة للطلبة ليكون لها دخل مع معاشها تتمتع به.. ونفذا الخطة وأعطت الأم توكيلا لابنها( السيد) بدعوي انهاء إجراءات تأجير الشقة مفروشة بمباركة ابنها الأصغر( عادل) وهكذا انتقلت الأم وعاشت مع ابنها الأكبر.. فتداعي إلي ذاكرتها شجارها المستمر مع زوجة ابنها عندما كانت تعيش معها وكيف أنها وفي احدي المرات أصيبت بالشلل!! وكيف انهم ملوا من خدمتها, فاودعوها في هذا المكان ليتخلصوا منها, ولكن شيطان الاخوة عاد ووسوس لابنها الأكبر( السيد) الذي استغل التوكيل الذي معه فباع الشقة لحسابه الخاص ورفض مقاسمة أخيه الأصغر في ميراث والدته التي علي قيد الحياة كما اتفق معه سابقا, ولأن الشيطان دائما لا يعظ, فان شيطان( عادل) دفع به إلي استخدام سلاحه غير المرخص وأطلق علي شقيقه عيارا ناريا أسفل ظهره أودي بحياته متصورا أنه سيحظي بكل الميراث, لكن المباحث تمكنت من ضبطه وقام اللواء أحمد سالم جاد مدير أمن البحيرة باخطار النيابة التي باشرت التحقيق, وبين غيوم السماء وعيون( أم السيد) المرتخية الجفون يأتي صوت ممرضة دار المسنين يالله يا أم سيد جوة الدنيا برد فترد عليها بلسان متلعثم هو( السيد وعادل) حييجوا ياخدوني لشقتي امتي؟ فترد عليها الممرضة الرد المعتاد يوميا, بكرة يا حاجة, فتغمض( أم سيد) عينيها وتنام!