تتعرض بحيرة مريوط علي مدي نصف قرن للزحف غير المقدس. الغيورون علي البحيرة, ممن شهدوا مجدها القديم كانوا أيضا شهودا علي ما تعرضت له البحيرة من تعديات تمثلت في مشروعات عمرانية أو مشروعات استثمارية لبعض رجال المال. ولأن البحيرة كائن حي, يستجيب لما يصاب به أي جسد حي, فقد نقصت مساحتها, فبعد أن كانت60 ألف فدان عام1989 أصبحت مساحتها الان17 ألف فدان, والمساحة الحالية ذات شجون. فالبحيرة تعد مصبا يستقبل مخلفات الصرف الزراعي والصناعي, وتسجل تقارير ان متوسط ما يتم صرفه في البحيرة نحو تسعة ملايين متر مكعب, وهو رقم كاف لتلويث البحيرة والتأثير علي ثروتها السمكية, وهجرة الصيادين, فبعد ان كانت مهنة الصيد نشاطا يطعم80 ألف نسمة, أصبح عدد الذين يعتمدون علي هذه المهنة في معيشتهم50 ألف مواطن, ونقص عدد مراكب الصيد من8220 الي2620, وكانت البحيرة تنتج كميات كبيرة من الأسماك, لكنها تعرضت في الآونة الأخيرة لكارثة تتمثل في نفوق نحو200 طن من الأسماك التي طفت علي السطح, ودفعتها الأمواج نحو الشواطئ. وقال أحد الصيادين ان سبب هذه الكارثة احدي شركات تكرير البترول, وشركة للبتروكيماويات, وتقوم هذه الشركات بغسيل المعدات, وصرف هذه المياه والمخلفات في البحيرة. بحيرة تحت القصف في سبتمبر2007 سجل تقرير للجنة التنمية الزراعية والري بعد زيارة ميدانية لبحيرة مريوط جانبا من التعديات التي شملت الطريق الصحراوي وتشوينات ترابية وأكوام الردم, إضافة إلي قيام شركة أجنبية بإلقاء مخلفات في البحيرة من الناحية الجنوبية, وتم تحرير محاضر بالمخالفات للشركة, ولم تتخذ ضدها اجراءات قانونية وسجل التقرير أيضا ردم مسطح داخل البحيرة مساحته20 ألف متر تقريبا, وتم تحرير محضر لشركة الخرسانة, ولم يتم تنفيذ الإزالة ورفعت اللجنة توصية لمحافظ الاسكندرية بشأن مخاطبة هيئة الثروة السمكية, وتطبيق القانون رقم465 لسنة1983, ومراجعة العقود المبرمة من قبل الهيئة لإلغاء حق الانتفاع الذي تتمتع به شركات قامت بالتعديات علي البحيرة, كما يسجل تقرير آخر للجنة الزراعية والمجتمعات العمرانية وتطوير العشوائيات بجلسة31 اكتوبر2005 أن مسئولا بالمجلس المحلي تناول مشروعا لشركة استثمارية لرجل أعمال سعودي حول تجفيف ثلاثة الاف فدان في وادي بحيرة مريوط, وحذر من انشاء صناعات ثقيلة في هذه المنطقة, وما يترتب علي ذلك من أخطار بيئية, وذكر تقرير لهيئة الثروة السمكية ان هذه المساحة(3 آلاف فدان) لا تصلح للانتاج السمكي, وهو ما يرفضه كثيرون يرون ان هذه المنطقة من أخصب المناطق الصالحة للاستزراع السمكي. سمك بالجاز! يقول عبد المنعم أحمد( صياد) إن الصرف الصناعي الناتج عن شركة البترول تسبب في قتل الأسماك وهجرة الصيادين الذين يعمل بعضهم الان باليومية وقدرها نحو20 جنيها, بعد أن كان الصياد في اليوم الواحد يصطاد نحو20 كيلو جراما من الأسماك, ويقول خليفة مسطور) صياد( ان الكمية القليلة التي يصطادونها من البحيرة عبارة عن سمك شبه ميت, والصيادون هنا ضحايا, ولكن المأساة انه حرر لي أكثر من محضر بعد شكوي الناس من ان السمك الذي اشتروه كان ملوثا بالجاز, أو كريه الرائحة. وينبه عبد المجيد محمود صياد الي ان اصحاب المزارع الذين يستأجرون مساحات كبيرة يقومون بصيد الزريعة من البحيرة ثم يربون في المزارع ويبيعونه بأسعار مرتفعة, بعد ان كان الصيد وفيرا في الماضي, وأسعار السمك في متناول الجميع, والخوف ان يصبح السمك للأغنياء فقط ويقول محمد محمود صياد ان رجل أعمال له شركة للغاز استطاع ان يردم مساحات كبيرة من البحيرة وبادر الصيادون الي تقديم شكوي الي هيئة الثروة السمكية أوضحوا فيها ان20 فدانا استقطعت من البحيرة, ولكن مسئولا بالهيئة رفض الاستماع اليهم, وقد تصدي الصيادون لمحاولات الردم كما يقول وتم القبض علي عشرة منهم! البيئة تنكر ولكن وزارة البيئة تنكر وجود التلوث الذي شدد عليه الصيادون, وينص التقرير الرسمي علي عدم نفوق الأسماك وعدم قيام أي شركة بالصرف الصناعي في البحيرة التي لا تستقبل أي نوع من الصرف الزراعي أو الصحي, وان هناك تفتيشا بيئيا ومتابعة لخطط توفيق أوضاع المنشآت القريبة من البحيرة. ويوضح تقرير البيئة أن شركة العامرية لتكرير البترول تنفذ حاليا خطة لتوفيق الأوضاع البيئية عن طريق مشروع التحكم في التلوث الصناعي والممول من البنك الدولي بهدف تطوير وحدة الاستخلاص باستخدام مادة صديقة للبيئة للحد من تسرب مادة الفينول لمياه الصرف, ويتكلف المشروع22 مليون دولار. ولكن المجلس المحلي يقول إن تقرير وزارة البيئة غير دقيق ويؤكد أن هناك تضاربا في التقارير بل تواطؤا بين الوزارة وهيئة الثروة السمكية والمستثمرين مضيفا أنه يقوم بمتابعات ميدانية ويرصد كميات من الصرف الصحي والصناعي تصب في البحيرة ويرفعون توصيات للوزارة وللهيئة ولمحافظة الاسكندرية, دون جدوي. بدون تواطؤ ويؤكد د. محمد عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية أنه منذ تولي رئاسة الهيئة لم يسمح ببيع أي مساحة للمستثمرين لأن الهيئة لاتملك حق بيع أراضي الدولة, وخاصة البحيرة, مضيفا أن رؤساء الهيئة السابقين مسئولون عن التوصيات التي رفعها المجلس المحلي بخصوص التعديات ولم تحدث في عهدي تعديات نافيا وجود أي تواطؤ بين الهيئة والمستثمرين. ويقول محمد متولي رئيس شركة الثغر للخرسانة إن الشركة حصلت علي ترخيص من محافظة الاسكندرية وهيئة الثروة السمكية عام2005 بشراء مساحة وليس مجرد تأجيرها, لأن البحيرة لاتصلح للصيد تماما, ولذلك تقوم بعمل مشروعات استثمارية.. والمشكلة الوحيدة للبحيرة هي الصيد الجائر, ونحن غير مسئولين عن عدم وجود أسماك في البحيرة منذ عشرين عاما.. والهيئة صرحت لشركة أجنبية بالبناء في البحيرة فلماذا يوجه الاتهام لشركة الثغر فقط؟ ويقول أشرف فؤاد محامي شركة كيروجاز للغاز إن الشركة لم تخالف القانون لكنها أقامت مشروعا بناء علي رغبة محافظ الاسكندرية السابق عبدالسلام المحجوب, وهو مشروع خدمي وليس استثماريا, بدليل أن الاسكندرية كانت المحافظة الوحيدة التي لم تعان من هذه الأزمة, والمنطقة التي تم البناء عليها ضحلة ولاتصلح للصيد, وقد حصلنا علي حكم نهائي لصالحنا منذ3 سنوات تقريبا. المحافظ ينفي وينفي عادل لبيب محافظ الاسكندرية نفوق الأسماك في البحيرة, ويقول إن عملية الصرف في البحيرة تتم بصورة طبيعية ولايوجد تلوث, فشركة العامرية للبترول تنقي مياه الصرف من الشوائب قبل أن تصب في البحيرة, وهو ما أكده أيضا المهندس محمد بهجت عبدالمنعم رئيس الشركة القابضة للصرف الصحي بالاسكندرية الذي قال إن هناك محطتين لمعالجة الصرف الصحي بالبحيرة, أما مصرف القلعة فهو للصرف الزراعي وتسأل عنه وزارة الري. وينفي الكيميائي محمود نظيم وكيل وزارة البترول تسبب شركات البترول في تلويث البحيرة ونتحدي من يثبت ذلك. ولكن د. مغاوري دياب مستشار وزير الري والموارد المائية يؤكد أن البحيرة يصب فيها صرف صحي تابع للمصانع المحيطة وصرف زراعي يحمل بقايا مبيدات ومخلفات المخصبات الكيميائية وهذه المبيدات العضوية خطيرة علي الأسماك. ويحذر الدكتور محمد محرم من خطورة تناقص مساحة البحيرة بسبب الردم, نظرا لمايترتب علي ذلك من إخلال بالتنوع البيولوجي وانقراض أنواع من الأسماك وتهديد مستقبل الصيادين مؤكدا أن الشركات المحيطة بالبحيرة تصرف فيها بقايا مواد كيماوية سامة مثل الزئبق والرصاص والقصدير والنحاس, وهذا يخل بالكائنات النباتية والحيوانية في البحيرة, كما يؤثر أيضا علي من يتناول أسماكا عاشت في هذه المياه الملوثة.