أخطر ما في تلك الأحداث أنها تقع علي خلفية من التخوين المتبادل وعدم التسامح مع الآخر, والتمسك الشديد بوجهات النظر الخاصة دونما قدرة علي الفرز بين تلك التوجهات, التي لن تخضع مطلقا للاختبار الحقيقي علي الأرض. فكرت كثيرا فيما يمكن كتابته تعليقا علي الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد خلال هذا الأسبوع, فيما بات يعرف بأحداث مجلس الوزراء, فما حدث ليس جديدا, وإن اختلفت بعض التفاصيل, فقد شهدناه سابقا ثلاث مرات علي الأقل, بدءا بأحداث البالون, ومرورا بأحداث ماسبيرو, ثم أحداث شارع محمد محمود. لقد وجدتني مدفوعا إلي ضرورة الكتابة عما يمكن أن يحمينا جميعا من إضافة نسخة أخري, من تلك الأحداث, إيمانا مني أن مصر محشورة في عنق زجاجة المرحلة الانتقالية, وكل هذه الأحداث- بصرف النظر عمن وراءها, وبصرف النظر عن الأخطاء التي ترتكب في سياقها- تنهك مصر إلي الدرجة التي تجعلنا جميعا نفقد القدرة علي رؤية الأمور كما ينبغي, وبالشكل الذي يسمح بتوليد أفكار خلاقة للخلاص من تلك اللحظات الحرجة, التي تمر بها مصر. وهنا أبادر بالقول: إن أخطر ما في تلك الأحداث أنها تقع علي خلفية من التخوين المتبادل وعدم التسامح مع الآخر, والتمسك الشديد بوجهات النظر الخاصة دونما قدرة علي الفرز بين تلك التوجهات, التي لن تخضع مطلقا للاختبار الحقيقي علي الأرض, إضافة إلي شيوع نظرية المؤامرة في التفكير ليس فقط من قبل المجلس العسكري بل إن تلك النظرية تسود- وربما بشكل أخطر- بين الكثير من القوي السياسية, والحركات الشبابية. وبينما يشير المجلس الأعلي للقوات المسلحة للطرف الثالث في الأحداث بطريقة باتت غير مقنعة للكثيرين, خاصة في ظل عدم تقديم أي معلومات بشأن ذلك الطرف, فإن القوي السياسية, والموجودين في الميدان, يشيرون بوضوح إلي تآمر المجلس العسكري لإنهاء الثورة, ومكتسباتها, وهو الأمر الذي أسهم ويسهم في توسيع الفجوة بين الطرفين وتعميقها, بينما يدرك الشارع أن الخطر بات قريبا, ويزداد شعور المواطنين بهذا الخطر كلما فرضت عليهم الأحداث التفكير في الأمر مجددا. ومن هنا فإنني أري ضرورة التخلي عن تلك الطريقة في التفكير والتعامل مع الأحداث, التي لا يمكن منع حدوثها كلية, ولكن علينا جميعا ألا ندفع الأمور باتجاهها, حيث يقع الكثير من الأخطاء, والتصرفات, التي لا يمكن لنا جميعا قبولها, فليس هناك من يقبل طريقة التعامل مع السيدات بالصورة التي رأيناها, واستخدام العنف ضد المتظاهرين, وليس منا من يقبل الاعتداء علي القوات المسلحة أو محاولة إهانتها, قولا أو فعلا, أو محاولة استدراجها لمعارك الشارع, وليس بيننا من لم يصبه الإحباط, والحزن, وربما الشعور بالمهانة جراء حرق المجمع العلمي بهذا الشكل الهمجي الذي تم به بصرف النظر عن المسئول عن تلك الواقعة. ليتنا جميعا ندرك أن مصر في خطر, لا لشيء إلا لأنها في مرحلة انتقالية علي كل المستويات, الأمر الذي يفرض علي الجميع التحلي بأعلي درجات المسئولية الوطنية, وبالهدوء, والحوار, والصبر, وليس عبر العنف, وإلقاء الحجارة, والمولوتوف, نحل أعقد المشاكل, إذا وضعنا جميعا مصر نصب أعيننا. [email protected]