وهل من الملائم أو من المنطق أن يكون حال مقدم تلك الخدمة في مثل الحالة التي وصل إليها كل من الأطباء والمعلمين؟ وهل من المنطقي أن تتعامل الحكومة مع إضراب الأطباء والمعلمين بالطريقة التي تتعامل بها مع الإضرابات الأخري؟ سألني بعض الأصدقاء عن رأيي في إضراب المعلمين والأطباء وللوهلة الأولي كان ردي أن ذلك حق مشروع كفلته كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية, وربما يكون أكثر مشروعية لهاتين الفئتين بعد معاناة و ظلم أدي بهم و بالتعليم و الخدمة الصحية في مصر إلي حالة التردي التي وصل إليها. ولكني بعد ذلك أعدت التفكير فيما أبديت وتساءلت: هل الإجابة التي قدمتها كافية لفهم الموقف؟ فوجدت أن الإنصاف والمصلحة العليا لمصر في تلك المرحلة تقتضي نظرة أخري لإضراب المعلمين والأطباء. ولا يعني ذلك بالطبع التراجع عن الاعتقاد بحقهم المشروع في الإضراب ولكني أتساءل معكم: هل ينصرف حق الإضراب إلي جميع الفئات دونما تمييز واعتبار لعنصر التوقيت وتأثيره علي المجتمع؟ نؤمن جميعا بأن التعليم كالماء و الهواء فهل يمكن أن يستغني الإنسان عن أي منهما؟ وهل يحق لمقدم تلك الخدمة الحيوية- أيا كان نوعها- أن يضرب عن تقديمها؟. وهل من الملائم أو من المنطق أن يكون حال مقدم تلك الخدمة في مثل الحالة التي وصل إليها كل من الأطباء والمعلمين؟ وهل من المنطقي أن تتعامل الحكومة مع إضراب الأطباء والمعلمين بالطريقة التي تتعامل بها مع الإضرابات الأخري؟ هل يجب علي الحكومة في تلك المرحلة أن تستجيب لكل طلبات الأطباء والمعلمين؟ ثم هل يمكنها ذلك ؟ والإجابة هنا ليست جاهزة بل تحتاج إلي البحث والدراسة لعلها تصبح المدخل الموضوعي لمناقشة أزمة إضراب الأطباء والمعلمين, لأن من حقهم أن يطالبوا بتعديل أوضاعهم وتحسين مستوياتهم المعيشية بما يتلاءم وأهمية الرسالة التي يؤدونها وقدسيتها مع الالتزام بتقديم الحد الأدني من الخدمة بما لا يضر بالمرضي أو التلاميذ, ولكن عليهم أيضا أن يدركوا أن الحكومة الحالية لا يمكنها - ببساطة- حل المشكلات المتراكمة علي مدار عقود كثيرة سابقة, والإنصاف يقتضي بأن تعرف الحكومة أن عليها وضع خطة واضحة للتعامل مع مطالب الأطباء والمعلمين والذين عليهم أن يثبتوا أنهم أهل لتفعيل تلك الخطة,فالخدمة المقدمة للمواطنين حاليا ربما لا تتناسب مع ما يطالبون به. وأخيرا فإن علي الحكومة أن تقدم أفعالا لا أقوالا بما يؤكد أنها تستشعر خطورة الموقف وأهمية تحسين المستوي المعيشي لكل من الأطباء والمعلمين وربما يحول ذلك دون إقدامهم علي الإضراب, وعلي الأطباء والمعلمين أن يرتقوا إلي مستوي الرسالة التي يقومون بها, وأن يرشدوا حق الإضراب وأن يتذكروا أن الإضراب ليس هو الوسيلة الوحيدة للمطالبة بالحقوق, وعليهم كذلك أن يعملوا للوصول إلي نقطة الالتقاء التي تحقق مصلحة الفئتين وتحافظ علي المصلحة العامة, وأن يكف كل منا عن محاولة معاقبة الآخر للحصول علي حقوقه أو تحقيق أهدافه, ذلك لو حسنت النوايا وأدرك الجميع خطورة الوضع الذي تمر به مصر حاليا. [email protected]