من حق المعلمين ان يدافعوا عن مطالبهم المشروعة.. ومن حقهم ان يضغطوا من أجل تحسين أحوالهم المعيشية والحصول علي مرتبات أعلي.. لكن عليهم قبل ذلك وبعده ان يتذكروا دائماً أنهم أصحاب رسالة سامية في المجتمع.. رسالة التربية والتعليم.. وان أية هزة تحدث في المجتمع بسببهم سوف تحدث خللا كبيرا من الصعب تداركه. ومن الواجب علي الحكومة ان تنظر بجدية لمطالب المعلمين وتستجيب لما فيه مصلحتهم في حدود قدراتها المتاحة.. والأهم من ذلك ان تتجاوب وتتفاعل مع هذه المطالب وتتحاور بشأنها.. وتصارحهم بما يمكنها ان تفعله اليوم وما لا يمكنها ان تفعله وتستطيع ان تقدم في الحوار جدولاً زمنياً أو خريطة طريق للكيفية التي يتم بها إصلاح أحوال المعلمين ولو علي المدي البعيد. وفي كل الأحوال يجب علي الحكومة ان تبذل كل ما في وسعها لتشعر هؤلاء المعلمين الموقرين أنهم محل تقديرها واهتمامها.. وأنها تدرك مدي معاناتاهم واستحقاقهم لما يطالبون به. وتقديري ان الامور لو كانت قد سارت في هذا الإطار لما اضطر المعلمون إلي الإضراب عن العمل وإحداث أزمة في مدارسنا بجميع المحافظات. هناك بيت من الشعر نحفظه جميعاً.. ويحفظه أعضاء الحكومة بالتأكيد.. هذا البيت يقول: "إن المعلم والطبيب كلاهما.. لا يحسنان النصح إن لم يكرما".. نعم المعلم والطبيب كلاهما.. لأنهما يحملان رسالة ويمثلان قيمة.. وبدونهما يختل توازن المجتمع.. المعلم يربي الأجيال وينشر العلم.. والطبيب يعالج الأمراض ويحافظ علي الصحة العامة.. واذا لم يقوما بدوريهما ينتشر الجهل والمرض ويصاب المجتمع بالخور والهلاك. وإلي وقت قريب كنا نتصور ان تصل حمي الإضرب والاعتصام إلي كافة القطاعات في المجتمع إلا المعلمين والأطباء رغم اعترافنا بمشروعية مطالبهم وأحقيتهم وجدارتهم لأن يأخذوا المكانة التي تليق بهم.. لكن ما لم نتصوره قد وقع.. فأضرب الأطباء أولاً وكان إضرابهم حدثا جللا.. فكيف يمتنع الطبيب عن علاج مرضاه؟! ونشرت الصحف بعض الجوانب الانسانية الصعبة التي ترتبت علي إضراب الأطباء في المستشفيات والعيادات الكبري.. ومع ذلك قيل ان إضراب الأطباء كان محدوداً ورمزياً.. وكانت هناك ورديات عمل في المستشفيات حتي لا تتوقف خدمات الرعاية الصحية. أما إضراب المعلمين فقد أدي إلي إغلاق المدارس.. وخروج التلاميذ والطلاب إلي الشوارع والمقاهي.. وإحداث فوضي وارتباك في الفصول وبالتالي توقف العملية التعليمية بشكل شبه كامل. ودخل أولياء الأمور علي الخط.. وحدثت اشتباكات ومشاجرات بينهم وبين المعلمين.. ووصلت المشكلة إلي حد الفتنة وتشعبت.. وتصاعدت مطالب المعلمين إلي الدعوة لتنحي وزير التربية والتعليم د. أحمد جمال موسي. الوزير من جانبه لا يمانع في التنحي أو الاستقالة.. بل أظن أنه يسعي إليها وقد طلبها من قبل أكثر من مرة.. لكن هل استقالة الوزير سوف تحل المشكلة وهل الوزير نفسه هو العقبة؟! القضية معروفة للجميع.. ووزارة المالية ليس بامكانها توفير الاعتمادات المطلوبة لزيادة المرتبات.. خصوصاً ان هذه الزيادة تأتي في أعقاب مرحلة مهمة من تطبيق الكادر الجديد.. وهي مرحلة تطلبت أيضاً اعتمادات هائلة وأثقلت كاهل الميزانية. ماذا تصنع الحكومة إذن أمام هذه المعضلة؟! أظن ان بإمكان د. عصام شرف ان يلتقي ممثلي المعلمين في نقابتهم الشرعية والنقابة المستقلة.. وان يشرح للجميع تفهم الحكومة لمطالبهم وحقوقهم المشروعة. ويكشف عن العجز الذي تعاني منه الميزانية.. ويبحث فعلاً عن موارد لعلاج الحالات الشاذة في دخول المعلمين. علي الجانب الآخر يجب علي المعلمين ان يقدروا الظرف التاريخي الذي تمر به بلادهم حالياً في أعقاب الثورة.. والجهد الهائل الذي تقوم به الحكوة لاعادة ترتيب البيت من الداخل في ظل تصاعد حدة المطالب الفئوية التي تهدد كل يوم بإضرابات واعتصامات. ثم ان حكومة د. عصام شرف- مع كل تقديرنا لها- هي حكومة تسيير أعمال.. وعليهم ان ينتظروا حتي تأتي حكومة منتخبة تصبح أكثر قدرة علي اتخاذ القرار الصحيح.. حتي ولو كان هذا القرار هو إجراء عمليات جراحية صعبة. مطلوب قدر من الصبر حتي لا تتسع دائرة الكوارث.. ويتسع الخرق علي الراتق.