في محاولة للاقتراب بصورة أكبر مما يجري علي الساحة الفرنسية من أحداث فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية, كان ل الوجه الآخر هذا اللقاء مع السفير ناصر كامل سفير مصر في فرنسا: ما هو تقييمكم لمسيرة العلاقات المصرية الفرنسية في فترة تولي الرئيس الفرنسي جاك شيراك لسدة الرئاسة؟ تتسم العلاقات الثنائية المصرية الفرنسية بدرجة عالية من الخصوصية, بدأت في التكون منذ عقود طويلة, وأسهم الاهتمام بها في تطويرها والبناء علي مكتسباتها. فهذه العلاقة المتميزة لم تستمد من الحضارة والموروث الثقافي لكلا البلدين فقط, بل أسهمت العلاقة المتميزة التي ربطت بين السيد الرئيس محمد حسني مبارك والرئيس شيراك ومن قبله الرئيس ميتران في الإرتقاء بتلك العلاقات في نقلة نوعية علي مختلف المسارات, ويدلل علي ذلك الزيارات المتبادلة علي المستوي الرئاسي والتشاور المستمر حول كل ما يرتبط بالأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط وتجاه القضايا الدولية بصفة عامة, الأمر الذي أكد التوافق الواضح في الرؤي وفي التوجهات المتوائمة مع مباديء القانون الدولي والشرعية الدولية. وعلي صعيد العلاقات الثنائية, أجد نفسي في حاجة الي صفحات طويلة لسرد ما تشمله تلك العلاقات من تنوع وتميز, وأكتفي بالإشارة إلي أن العلاقات التجارية خلال العام الماضي قد قاربت الملياري يورو, تضاعفت خلالها الصادرات المصرية مقارنة بعام2005, ومرجع ذلك مواصلة تصدير الغاز المصري المسال منذ يوليو2005 بموجب عقد تم توقيعه مع شركة الغاز الفرنسية سيسمح بتصديرنا للغاز لمدة عشرين عاما مقبلة بقيمة تصل الي450 مليون دولار سنويا, الأمر الذي ستسهم فيه مصر بإمداد فرنسا بنسبة10% من احتياجاتها من الغاز المسال. وتنوعت العلاقات الاستثمارية لتحتل فرنسا المرتبة الثالثة علي قائمة الاستثمار المباشر بمصر في أكثر من مائة مشروعا بتكلفة استثمارية تتجاوز مليار يورو فيما بين استثمارات داخلية وأخري بالمناطق الاقتصادية الحرة, وتأتي فرنسا علي رأس قائمة المستثمرين في القطاعين المالي والبنكي, كما سيتم تفعيل اتفاق مبادلة الديون المصرية بالاستثمارات من خلال مبادلة شريحة أولي من الديون بقيمة47 مليون يورو باستثمارات مصرية. لاشك أن انشاء المجلس الرئاسي المصري الفرنسي للأعمال والذي جاء بناء علي رغبة من الرئيس مبارك والرئيس شيراك سيسهم في تنمية العلاقات المصرية الفرنسية, ما هو تقييمكم لدوره؟ يأتي انشاء المجلس الرئاسي المصري الفرنسي للأعمال كنموذج علي ترجمة الإرادة المشتركة للرئيسين مبارك وشيراك إلي واقع ملموس يضيف زخما حقيقيا لعلاقات التعاون الثنائي بين مصر وفرنسا, كما جاء إنشاء المجلس كثمرة لجهود مستمرة منذ عدة سنوات بهدف توفير الآلية التي تجمع رجال الأعمال من البلدين وتتيح مزيدا من تنمية العلاقات التجارية والاستثمارية من قبل الأطراف الفاعلة في النشاط الاقتصادي. وقد أطلقت فكرة انشاء المجلس خلال زيارة الرئيس شيراك إلي مصر في أبريل2006 وعقدت أولي دوراته بباريس يوم9 نوفمبر2006, ويضم المجلس عشرين من رؤساء كبريات اللشركات المصرية والفرنسية من القطاعين العام والخاص, وذلك علي اختلاف أنشطتهم الاقتصادية التي تنصهر في النهاية في بوتقة واحدة هدفها خدمة وتنمية الاقتصاد المصري, وقد أسهمت الدورة الاولي للمجلس في تحديد وسائل وآليات عمله في المرحلة المقبلة من خلال تشكيل ثلاث مجموعات عمل في انشطة محددة هي التدريب المهني في قطاع الصناعة, وتنمية التدفقات الاستثمارية بالمناطق الاقتصادية الحرة, وتنمية خطوط النقل المنتظم والعارض للصادرات المصرية من السلع الزراعية. : تشهد فرنسا خلال أيام قليلة عقد انتخابات الرئاسة الفرنسية, ونود التعرف علي تقييمكم لدور السياسة الخارجية في توجيه الحملات الانتخابية للمرشحين الرئيسيين؟ فرنسا دولة كبري لديها ثوابت ومرتكزات تحدد توجهات سياستها الخارجية, ولم تنبع تلك التوجهات لكون فرنسا من الاعضاء الدائمين بمجلس الامن فقط, وإنما تتسق ايضا مع الدور المحوري الذي تلعبه فرنسا في إطار الفضاءين المتوسطي والأوروبي, وهو ما ينطبق أيضا علي الدور الفرنسي في منطقة الشرق الاوسط وذلك للارتباط التاريخي الفرنسي بتلك المنطقة, مما جعل فرنسا تتحري التوازن في علاقاتها مع الدول الأطراف في قضايا الشرق الأوسط, ومع تلك التي تقوم بدور محوري ورئيسي في محاولات تسوية القضية الفلسطينية وعلي رأس قائمتها بالطبع مصر. فيما يتعلق بموقع السياسة الخارجية في أولويات وبرامج المرشحين الرئيسيين لانتخابات22 أبريل الجاري, أستطيع القول أن صورة فرنسا واستقلالية تقديرها وصياغة سياساتها الخارجية تعد من الموضوعات التي تحظي باهتمام خاص لدي الرأي العام, وهو ما ظهر جليا خلال موقف الرئيس شيراك إزاء غزو العراق, الأمر الذي حظي بتقدير وترحيب الفرنسيين علي اختلاف توجهاتهم السياسية. ومن الطبيعي أن تكون موضوعات السياسة الداخلية بما تشمله من توجهات نحو الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتحسين مستوي المعيشة وخلق فرص عمل جديدة, ذات صبغة خاصة وأولوية متقدمة في برامج مرشحي الرئاسة لارتباطها المباشر بهموم وقضايا المواطن الفرنسي, إلا أن المتابع لمسيرة الحملات الانتخابية يرصد أيضا مدي الاهتمام الذي يوليه المرشحون لأبعاد السياسة الخارجية ويقابل ذلك أيضا بمتابعة واهتمام من الناخب الفرنسي. ينقلنا ما تقدم الي الرغبة في التعرف علي تقييمكم لتوجهات المرشحين تجاه قضايا الشرق الأوسط, ومدي تواؤمها مع موقفنا؟ ألاحظ منذ فترة وجود ما يشبه الإجماع علي الخطوط الرئيسية التي اتبعها الرئيس شيراك فيما يرتبط بالسياسة الخارجية خلال فترة رئاسته, فعلي الرغم من الاهتمام الذي يوليه المرشحون للبعد الاوروبي وهو أمر طبيعي ومفهوم, ونجدهم أيضا يتطرقون الي مسيرة السلام في الشرق الأوسط بالكثير من الموضوعية والتفهم لعدالة المطالب الفلسطينية وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة الي جانب دولة اسرائيل التي يجب أن تحظي بالقدر المناسب من الأمن, وهو ما يأتي متسقا مع الخطوط الرئيسية للمبادرة العربية التي أعيد التأكيد علي محوريتها في مسيرة السلام كأساس للتسوية خلال قمة الرياض الأخيرة. كما حظيت سياسة فرنسا في العراق بتأييد كافة المرشحين بإعتبار أن الغزو كان خطأ يبرهن عليه تدهور الأوضاع هناك حتي الآن, خاصة مع ما ولدته الحرب علي العراق من تصاعد ظاهرة الإرهاب وترويع المواطنين, الأمر الذي يدفع مرشحي الرئاسة الفرنسية للمطالبة بتحديد جدول زمني مناسب لانسحاب القوات الأجنبية دونما إحداث فوضي إضافية وبعد ضمان امتلاك العراقيين لمقدراتهم السياسية والأمنية. علي صعيد آخر, أعرب المرشحون عن عزمهم علي مواصلة السياسة الفرنسية في لبنان واعتبارها نموذجا للديمقراطية دونما تجاهل لإمكانية فتح أبواب للحوار ليس مع سوريا فقط, بل ومع ايران أيضا عن اقتناع بإمكانية قيامها بدور فاعل علي الساحة الدولية في اتجاه استقرار المنطقة. وبصفة عامة لا أجد تباينا واضحا في مواقف المرشحين بل ألاحظ توجها نحو المحافظة علي الثوابت التي اكتسبتها السياسة الخارجية الفرنسية منذ عهد الرئيس ميتران وإن اختلف أسلوب التطبيق. هل تتوقعون أن تحظي قضايا منطقة الشرق الأوسط بأولوية خاصة في نشاط السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي المقبل؟ من الطبيعي في المراحل الأولي التالية علي إنتخاب الرئيس الجديد أن يركز الأخير علي وضع السياسات الخاصة بتنفيذ برنامجه الإنتخاب, وكما تعلم فهي كثيرة في برامج المرشحين وترتبط بصياغة قوانين وتشريعات جديدة تتعامل مع القضايا الإقتصادية والإجتماعية, وهو ما يعني إيلاء بعد السياسة الداخلية إهتماما خاصا, دون إغفال أهمية التعامل مع الإشكالية التي سببها الرفض الفرنسي في مايو2005 لإقرار الدستور الأوروبي من تعطيل نسبي لمسيرة الإتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق, ومع تأكيد المرشحين علي مصداقية توجههم الأوروبي, إختلفت طريقة تناولهم لأسلوب الحل للخروج من الأزمة الدستورية, ففي الوقت الذي يطالب فيه أحدهم بإعادة صياغة دستور مبسط ومصغر, يطالب آخرون بصياغة ملحق يتناول المواد الخلافية لتضاف إلي مشروع الدستور, إلا أنه يظل واضحا الإتفاق علي محورية البعد الأوروبي في توجهات السياسة الخارجية الفرنسية. لا يعني ما تقدم أن فرنسا ستتخلي عن أولوياتها في منطقة الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا, فقد لاحظنا أن كافة تصريحات المرشحين تعطي أولوية لهذا البعد من العلاقات الخارجية الفرنسية. في ضوء تقييمكم السابق, ما هي توقعاتكم لمستقبل العلاقات المصرية الفرنسية؟ ج: أتصور أن ما طرحته يبين أن العلاقة المصرية الفرنسية علاقة فريدة ونموذج علي التواصل, ليس فقط بين القيادة السياسية وإنما أيضا بين الشعبين المصري والفرنسي, فكلاهما شغوف بما يمتلكه الآخر من ثقافة وحضارة عريقة, مكنت علي مر السنوات من تكريس مفاهيم التسامح والإنفتاح علي الآخر, وهي ظاهرة جديرة بالمتابعة وبالبناء عليها لما فيه خير الشعبين, وأقدر أن تلك العلاقة بما تملكه من ثوابت راسخة مرشحة للإستمرار بفاعلية وإيجابية وبزخم إضافي, وذلك بصرف النظر عن تغير القيادة السياسية في فرنسا أو إختلاف الطيف السياسي للحكومة الفرنسية عما هو قائم حاليا.