أعد المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريرا حول ما جري في' نجع حمادي' وضمن التقرير مجموعة من التوصيات. من أجل ضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث الطائفية التي تهدد المجتمع المصري بأسره وجري تقديم هذه التوصيات للرئيس مبارك. تمثلت أبرز التوصيات في ضرورة الإسراع باصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة, إجراء دراسة اجتماعية واقتصادية متعمقة للأسباب الكامنة التي أدت إلي تكرار الحوادث الطائفية في العقود الأخيرة, تأكيد الصفة المدنية للدولة القائمة علي المواطنة والكف عن البرامج الإعلامية التي تحض علي تديين الدولة, مواجهة ما يروج من كتب تنطوي علي تعميق جذور الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد, وطالبت التوصيات أيضا بضرورة الرقابة علي المناهج الدراسية وعلي أسلوب المدرسين وتأكيد أن الوطن ليس حكرا علي دين دون آخر, كما دعت التوصيات إلي تطبيق قاعدة مساءلة المسئولين في مواقع الأحداث الذين يثبت تقصيرهم في حماية المواطنين, والعمل علي تولي أفضل القيادات والكوادر من ذوي الخبرات مسئولية المناطق الحساسة للتعامل بكفاءة مع هذه الأحداث, وأخيرا أكدت التوصيات علي ضرورة حماية حرية الاعتقاد وحرية إقامة الشعائر الدينية. وقد تناولنا الأسبوع الماضي التوصية الخاصة بضرورة تأكيد' مدنية' الدولة المصرية, اي أن مصر دولة لكل مواطنيها وليست دولة دين واحد.التوقف عن' تديين الدولة', ونتحدث هذه المرة عن التوصية الخاصة بتطبيق قاعدة مساءلة المسئولين في مواقع الأحداث الذين يثبت تقصيرهم في حماية المواطنين إضافة إلي العمل علي تولي أفضل القيادات والكوادر من ذوي الخبرات مسئولية المناطق الحساسة للتعامل بكفاءة مع هذه الأحداث. تأتي أهمية هذه التوصية من كونها تتعامل مع جوهر مشكلة الطائفية في مصر, فمشكلتنا الحقيقية في مصر تتمثل في تغلغل الطائفية في الجهاز البيروقراطي, وهو نتاج طبيعي لسياسة الرئيس السادات التي عملت علي تديين المجال العام في مصر. '. القضية هنا هي ضرورة وضع مسألة التعيين علي قاعدة الكفاءة, دون قيود أو موانع, وبحيث يتولي المنصب الأكثر كفاءة وأهلية بصرف النظر عن الانتماء الديني, فاستقرار هذه القاعدة أمر مهم للغاية لأكثر من سبب منها أولا تأكيد قاعدة المواطنة التي تعني مساواة تامة بين المواطنين بصرف النظر عن عوامل الاختلاف أو الانقسام, وهو أمر يجد أساسه في المادة الأولي من الدستور المصري التي تتحدث عن المواطنة, ومواد أخري مثل المادة(40) التي تتحدث عن حرية الرأي والاعتقاد وغيرها من المواد الدستورية. ومنها أيضا فتح مجالات التعيين والترقي بين المصريين دون تفرقة أو تمييز وهو أمر يساعد علي تكريس مبدأ المساواة . ويأتي بعد ذلك ضرورة محاسبة المسئولين الذين يثبت تقصيرهم في حماية المواطنين في مواقع الأحداث, وهي قضية مهمة للغاية لأن هناك أحداثا تراكمت بمرور الوقت لعدم محاسبة المسئولين, وعدم تطبيق القانون علي المسئولين في الكثير من الأحداث الطائفية, الأمر الذي وسع من قاعدة الخروج علي القانون من جانب مواطنين مصريين في قضايا تتعلق بالشأن الطائفي علي أساس أن القانون سوف يعطل, ولن يطبق, وأن غاية ما سوف يتم تطبيقه هو قواعد عرفية أو مجالس صلح عرفية تسقط الشق الجنائي تماما, مع حصر العقوبة في الشق التعويضي, والذي عادة ما يكون محدودا للغاية ويمكن في النهاية التنازل عنه. والمؤكد أن عديدا من أحداث العنف الطائفي ترجع بالأساس إلي توافق عام علي أن الأحداث من هذا النوع لا تشهد تطبيق القانون, وأن هناك سوابق أخري انتهت بعدم إدانة المتهمين لحجج قانونية أبرزها شيوع الجريمة. والمؤكد أن تفعيل مبدأ محاسبة المسئولين الذين يثبت تقصيرهم في مواقع الأحداث, وتفعيل مبدأ الكفاءة في شغل الوظائف, إذا ما تفاعل مع التوصيات الأخري الواردة في تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان سيكون كفيلا بإحداث نقلة نوعية علي طريق تكريس مبدأ المواطنة في مصر.